الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

الأديب والكاتب يوسف الذكير ل« الثقافية»:
عرفت الرواية منذ الأوديسة وأسطورة جلجامش فكيف تكون فتحاً جديداً؟غازي القصيبي

: عبدالحفيظ الشمري:
للأديب والكاتب يوسف عبدالرحمن الذكير رؤية نقدية فاحصة يعمل دائماً على تحريرها من خلال ما يطرح من إبداعات أدبية ولاسيما ما له علاقة بالسرد، فالرواية فيما يبدو هي المستهدفة في رؤاه الاستنطاقية.نحن في «المجلة الثقافية» حملنا إلى الأستاذ الذكير بعض الأسئلة المتعلقة بروايتنا المحلية التي شهدت حضوراً إبداعياً مميزاً من خلال جملة من الإصدارات الروائية، حيث تنامت وفي العقد الأخير بشكل ملحوظ جعلها تبشر بهطول مبهج سيثري تجربتنا الأدبية ويجعلها في مصاف الأعمال الأدبية المتميزة عالمياً.فمن أجل التعرف على أبرز مقومات النقد المتعلق بالرواية، وكذلك معرفة حقيقة ما يرد على الساحة من إبداعات جاء حوارنا مع الأستاذ الذكير على هذا النحو:
* كيف تنظرون إلى هذه الهجمة الروائية المتنامية..؟ ومنهم فرسانها لدينا؟:بداية لا بد من ايضاح ما أنطوى عليه الاستهلال والسؤال من إيحاءات لا أتردد ان كان للصراحة اعتبار عن وصفها برأيي المتواضع من أنها إيحاءات خاطئة، فالعمل الروائي لم يبزغ في أفق الإبداع الإنساني كفتح سردي جديد، بل وأزعم أنه قد سبق كل ما عرفته البشرية من أعمال أدبية بما في ذلك الشعر الذي طالما اتخذه العديد من المنظرين والنقاد أساساً لظهور الأدب على مسرح ثقافات الحضارة البشرية.. فالأساطير التي لا يكاد تراث أمة بشرية تخلو منها كأسطورة جلجامش السومرية، وأوزيس وأوزاريس الفرعونية، والأوديسة الأغريقية، بل وحتى قصة بوذا الهندية، ما هي سوى سرديات روائية لعب في ابتداعها الخيال البشري السردي الدور الأبرز، ولم يكن الحضور العربي غائباً عن تلك المسيرة الأدبية البشرية!فعلى الرغم مما بات شائعاً من أن العرب لم يعرفوا فن التأليف الروائي إلا في القرن العشرين على يد الأديب الراحل محمد حسين هيكل حينما كتب روايته الشهيرة «زينب» أو حتى ممن تجاوزوه إلى أواخر القرن السابق له، فإن ذلك الشيوع نابع من تحديد ضيق لتعريف الرواية من زاوية نظرة أدبية أكاديمية غربية المصدر، أكاد أجزم من أنها تتجذر ضمن تربة استشراقية تتمحور حول الذات المركزية الأوروبية الاستعلائية في تفخيم وتخليد وتعظيم كل ما هو أوروبي، وازدراء وتهميش أدبيات الأمم الأخرى!.. وإلا فكيف نفسر كل ما كتب ويكتب عن أدبيات ملاحم الإغريق، بكل ما تتضمنه من أساطير وخرافات، فيما لا ينظر إلى ما كتب العرب من مرويات عن طسم وجديس والعماليق وقصص الزباء وزرقاء اليمامة وما جاء في كتب «الاكليل» وتاريخ الطبري عن قصص وروايات عن أيام العرب الأولى؟..وكيف نبرر إهمال روايات «قيس وليلى» الشاعرية «وعنترة بن شداد» وسيف بن ذي يزن» و«أبوزيد الهلالي» البطولية وكلها من صنع الخيال وإن اعتمد البعض فيها على أحداث وأسماء بعضها حقيقية وبعضها من صنع الخيال المحض كما في قصة قيس ابن الملوح وليلى العامرية التي أجمع معظم الإخباريين والرواة في حينها أنها خيال محض بدأه فتى مكي خشية افتضاح أمره.. وكيف نُصنف إبداعات من أمثال «رسالة غفران» المعري، و«حي بن يقظان» ابن طفيل، ومقامات بديع الزمان الهمزاني، والحريري إن لم تكن من صميم الإبداع السردي الروائي، وما تلك سوى قطرات من بحور قصص ومرويات تزخر بها أمهات الكتب العربية والآداب الإسلامية!.. وعليه فإني من القائلين أن فن الرواية العربية لم يولد في القرن العشرين كما يدعون، بل هو متجذر في أعماق التربة العربية، وإنما مر مثلما مرت كل الآداب الروائية البشرية بمراحل تطور من مرويات أسطورية، إلى خيالية متكئة على شخصيات وأحداث ملحمية، إلى سير تاريخية، إلى مؤلفات إبداعية.. أما ما نراه اليوم مما تسمونه هجمة روائية، فأنا أنحو إلى تسميتها يقظة أدبية بعد فترة سبات وإنحطاط عربي ثقافي طال ليله فطال كل مناحي الإبداع الأدبي العربي سواء كان شعراً أم نثراً أم مقالة أورواية والتي بدأت دماء التجديد والتحديث تسري في عروقها منذ فاقت من غفوتها في أوائل القرن المنصرم أو أواخر القرن السابق له على وجه التحديد!أما بقية السؤال عمنهم فرسانها لدينا؟.. فإن كان العرب هم المقصودون فالروائيون كثر يصعب تعدادهم، منهم من فاز بجوائز عالمية ودولية ومنهم من كتب بلغات أعجمية، ومنهم من نال التقدير على المستوى المحلي، وأضعاف أعداد منهم سيفوزون عن جدارة واستحقاق!.. أما إن كان القصد يقتصر على السعوديين فأعدادهم ومستواهم لا يقل عن إخوتهم العرب فيما نالوه من شهادات وجوائز تقدير على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية وكذلك أضعاف أعدادهم ممن سيفوزون بالجوائز والتقدير عن جدارة واستحقاق.* الإبداع الروائي السعودي.. أين يقف من هذا التطور الروائي المذهل؟ لعل في نهاية الإجابة على السؤال السابق ما يجيب على هذا السؤال!.. وزيادة في الإيضاح أقول دونما تزلف انتمائي الأطياف، إن الإبداع السعودي لا يقل عن إبداعات الأقطار العربية الأخرى، بل هو يتوازى إن لم يتفوق على العديد من الأقطار العربية ويكفي برهاناً ما ناله الروائيون السعوديون من جوائز على الصعيدين الدولي والإقليمي، إن تحاشينا الصعيد المحلي خشية سهام الاتهام بالتحيز.. إلا أن الظاهرة العربية العجيبة التي تكاد تنفرد بها، تتمثل في تناقض غريب، فمن جهة ربما كانت النوادي الادبية العديدة هي الأكثر دوريات واصدارات في جميع البلدان العربية ومن جهة أخرى نرى أروع وأجمل الإبداعات الأدبية والروائية السعودية، لا تنشر فقط خارج المملكة، بل ويمنع نشرها وبيعها في المكتبات داخل المملكة، رغم أن بعضها حاز على جوائز دولية، وأخرى تم اخراجها ضمن مسلسلات تلفازية بثتها فضائيات سعودية الانتماء، من عواصم أوروبية ويستطيع كل من في السعودية مشاهدتها!!.. تلك الظاهرة الناجمة عن حساسيات لم تعد تتماشى مع العصر، بل وتضر بانتاج وإبداع الروائيين السعوديين، فحسب، بل وبسمعة الوطن، بحاجة إلى علاج حاسم عاجل ما عاد يحتمل التأني والتأجيل في ظل ما يشهده العالم من سرعة تغييرات وتطورات!* هل السيرة الذاتية هي زاد الروائي ووقوده في تقديم رواياته للقارئ؟ على الصعيد العالمي، الإجابة قطعاً ستكون هي بالنفي، فروائع الروايات الكلاسيكية الأشهر سواء في الآداب الروسية أو الفرنسية، أو الإنجليزية أو الأمريكية لا تعتمد تباعاً على السير الذاتية، فلا تولستوي وجوركي ولا تشارلز ديكنز أو فكتور هيجو ولا هيمنجواي أو ماركيز قد اغترفوا روائعهم الخالدة من سواقي سير حياتهم أو جداول تجاربهم الشخصية.. أما على المستوى العربي، فهناك من اعتمد حصراً على سيرته الذاتية كطه حسين في «الأيام» أو على تجاربه الشخصية كتوفيق الحكيم في «عصفور من الشرق» و«يوميات نائب في الأرياف» وهناك آخرون كثر.. رووا إبداعاتهم الروائية من ينابيع أخرى، فإلهام الروائي المبدع في رأيي المتواضع، له مصادر أربعة، أولاها السيرة الذاتية والتجارب الشخصية ولكنها ليست الأبرز، وحتماً ليست هي بالأغزر، مقارنة بالمصادر الثلاثة الأخرى المتمثلة بالقراءة والسماع والمعايشة التي هي بلا شك آبار لا ينضب معينها، فالروايات التاريخية التي شكلت معظم أعمال جرجي زيدان وبدايات نجيب محفوظ وأشهر روايات جمال الغيطاني، هي نابعة من قراءات تراثية، وكثير من الإبداعات القصصية والروائية الأخرى استوحى مبدعوها فكرتها من حكايات سمعوها إما من كبار أفراد عائلاتهم وهم صغار، أو أصدقائهم ورفاقهم وهم كبار، إلا أن أروع الروايات في نظري، هي تلك الناجمة عن معايشة ومشاهدة لأحداث الحياة ولا يخفى أروع أعمال نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف أدريس ويحيى حقي وإحسان عبدالقدوس ومضامينه وغادة السمان وأميل حبيبي ومعظم روايات الأدباء العراقيين مؤخراً عن مآسي الحروب والحصار، بل وحتى الخماسية الأشهر للأديب السعودي عبدالرحمن منيف، كانت كلها نابعة من آبار المشاهدة أو المعايشة لأحداث مرت بهم خلال حياتهم!.. تلك الحالة العربية تنعكس إلى حد كبير على الأدب الروائي السعودي، فيما نرى غازي القصيبي يستقي رواء رواياته بشكل شبه كلي من سيرته الذاتية وتجاربه الشخصية، نرى آخرين أبدعوا أعمالاً أخرى إلى جانب رواية السيرة الذاتية من أمثال عبدالفتاح بومدين وتركي الحمد الذي وإن اشتهر بثلاثيته الشهيرة، إلا إنني أرى أن روايته «شرق الوادي» التي مزج فيها ما بين مصادر السماع والمعايشة والخيال والأفكار قد تفوق ثلاثيته إبداعاً وابتكاراً. وتلك حالة تنطبق على الكثير من إبداعات الإدباء السعوديين الآخرين من أمثال عبدة خال وعبدالعزيز مشري ولعل من أبرز ما قرأت مما ينطبق عليه حالة المزج الإبداعي ما بين المعايشة والسماع والخيال هو «الغجرية والثعبان» للكاتب الرائد إبراهيم الناصر الحميدان و«فيضة الرعد» و«سقف الكفاية» لأديبينا الشابين الشمري والعلوان على التوالي، لذا فإني أرى أن مقولة:(السيرة الذاتية هي زاد الروائي ووقوده) هي مقولة تفتقر إلى الكثير من الإنصاف وتميل وتنحاز إلى الانتقائية، بل وحتى الأجحاف!!* ما الذي سيكون عليه وجه الرواية السعودية مستقبلاً؟ الرواية السعودية وإن كانت لها خصوصيتها سواء على مستوى التطور من الرواية الوعظية في بداياتها إلى الواقعية المعبرة عما شهدته البلاد من طفرة اقتصادية قلبت الحالة المعيشية رأساً على عقب ونجم عنها العديد من التغيرات الفجائية، وصولاً إلى الرواية الرمزية كما في «حكاية سحارة» للأديب عبدالله الغذامي والروايات الرومانسية كما في العديد من روايات الأديبات السعوديات؛ إلا أنها لابد وأن تتأثر بمختلف الاتجاهات والمدارس الأدبية في ظل ما يشهده العالم من انفتاح فضائي وتلاقح فكري. وما نأمل ونتوق لأن نراه من تخفيف، بل وحتى إلغاء للكثير من الضوابط والقيود التي ما عادت تجدي في ظل ما يشهده العالم من انفتاح وانزياح نحو حرية الفكر والتعبير، بل هي تقف عائقاً دون مسايرة ما تشهده المجتمعات المتحضرة من تغيير وتطوير، فإن كان المشهد الروائي السعودي الحاضر يغلب عليه الاتجاه نحو الأسلوب الرومانسي الزاخر بالألفاظ والمفردات الشاعرية، حتى كاد أن يقترب من الشعر المنثور، فلن استغرب إن نحا مستقبلاً نحو حقول أخرى لم يسبق له ارتيادها، كالروايات المعتمدة على الحبكة والإثارة بمختلف أطيافها، أو الأحداث الدرامية كالحروب والانتكاسات الاقتصادية والأزمات الاجتماعية والصحية، بل وحتى روايات الخيال العلمي، فالفضاءات مفتوحة والتيارات زاخرة بما قد لا يخطر على بال، والتنبوء بما قد يحمله المستقبل من تغيرات وتطورات في ظل ما نشهده من أحداث هو أقرب إلى المحال!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved