الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي (15)
فنانون يحملون هموم رسالتهم التشكيلية وآخرون يجهلون العنوان
رغم أصالة منابع إبداعهمفنانون يحملون هموم رسالتهم التشكيلية وآخرون يجهلون العنوان

قبل الحديث عن المؤثرات التي طرأت على المسيرة التشكيلية لا بد لنا من الاعتراف بعمرها الصغير من بين التجارب العربية الأخرى، وهذا يعني أننا وبما تحقق لهذه المسيرة من نجاح وحضور عربي ودولي نتيجة الدعم المتواصل من قبل الجهات المعنية بهذا الفن ومن خلال ما يشعر به الفنانون من مسؤولية كبيرة تجاه فنهم والأخذ به نحو المنافسة يجب مراجعة الحسابات، خصوصاً أن مثل هذه المراجعة وفي هذه الفترة المبكرة من التجربة التشكيلية المحلية ما يخدم مستقبلها.. وحتى لا نقع في ما وقع فيه الآخرون من حدوث زوبعة نتجت عن الموجات والترددات البصرية والصوتية من مختلف مصادر الثقافة القادمة من كل اتجاه يسعى من يقف خلفها لسحق كل ما يتعلق بمكتسبنا التراثي وبكل ما يتعلق بها من قيَّم وتقاليد ومبادئ لا يمكن لنا أن نتنازل عنها فأصبحت الساحة مجالا رحبا للكثير من المغامرات إصابتهم بفيروسات تخريب أطلق عليها صفة التجريب.وعند العودة لمسيرتنا التشكيلية بإشارة مختصرة نجد أنها مرت بمراحل متعددة ألمحنا حولها في الحلقات الأولى ومنها مراحل التعامل مع اللوحة بعيد عن الرحم الأول لولادتها وهي مرحلة المدارس والأنشطة المدرسية عبر مادة التربية الفنية لنصل بها إلى مرحلة المعارض والبرامج الرسمية المتعلقة بالفن التشكيلي كأحد القنوات العاملة المؤثرة والداعمة للثقافة.. فقد مرت تلك اللوحة في التصوير الزيتي وهي المولود الأول والأكثر شهرة من بين مجالات الفنون التشكيلية الأخرى كالنحت والجرافيك والرسم وخلافها التي ولدت تباعا بعد اتضاح الرؤيا وتزايد المعرفة وبما وصل إليه الفنانون من إمكانيات وتمكن من أدواتهم مضامين وتقنيات فكانت اللوحة مصدراً لتسجيل الواقع ومجالا لاثبات القدرات مع ما أضيف لها من تطوير وتأثر بالواقع العالمي مهما تحمله من مختزل ملأه الفنان بالحكايات ومصادر الإلهام وسعي لتحقيق الآمال لتفسير أكبر مساحة من الحلم، بملامح سكنت اللوحة بكل إيحائها المكاني والزماني، بجمالياتها المتصلة بالحياة وأحداثها المختلفة التي مرت بالفنان خاصة أو عامة، أي كانت تلك المشاعر انكسارات وانتصارات حمل فيها الفنان إحساسه بالآخر كفعل إنساني لا يمكن تجزئته أو فصله، مع تأكيد على مواطنته مستعيداً بها كل حالات نشوة الانتماء منذ الطفولة وبداية التشكل الجسدي والذهني صورة تعانق الحاضر يتلمس بها مختلف التفصيل، بتجذر يمتد عمقا في ثنايا الروح، مؤكداً الهوية محيطا نفسه بالاطمئنان، دافعا من خلال عمله الإبداعي الى أعماق الوجدان ساعيا لاكتشافها مرة أخرى وإعادة صياغتها في مرجل الروح والوجدان تسبقها مرحلة الاقتناص بالعين والتشكيل بالعقل ومزج بما في الذاكرة، من هنا تنوعت المشارب وتعددت الأساليب فانغمس البعض في تجربة البحث عن الواقع الاجتماعي وآخرين في المفردات والتفاصيل الموروث، من أزقة ومبان ونقوش، والبعض وجد في الخيال مبتغاه أما الأقلية فهم من لا يعرف أين هو وإلى أين يتجه ولمن يقدم الرسالة لجهله بعنوانها و لرداءة خطه وسوء عباراته.التأثر والتبعية
تلك المسيرة وتلك الملامح والإيحاءات كوصف لواقع الجميع أو الغالبية ممن في الساحة خصوصاً الأسماء المؤثرة والفاعلة بشكل حقيقي دفعت بهم لأن يكون هناك أصناف وتعدد في الاتجاهات يمكن تقسميها على النحو التالي: فنانون باقون على إيقاعهم المتكرر. فنانون سبقهم الزمن وتجاوزتهم الأجيال. فنانون جذبتهم المتغيرات وتأثروا بتوجهاتها الحديثة فقبلها البعض جهلاً أكثر منه، علما بنتائجها، والبعض الآخر أخذ منها ما يتلاءم مع معطياته ويتوازى مع ما يحفظ خصوصيته.ومن هنا يمكن لنا أن نقول ان من أولئك الفنانين من وضعوا لهم أثراً مهما في الساحة ومنهم من لم يعد له اثر نتيجة تعرضه لرياح التغيير والتبديل فأخذته معها نحو المجهول.. هؤلاء لم يضعوا لهم أثر نتيجة انبهارهم بتجارب عالمية ظاهرها العسل وباطنها السموم، جاعلين من العولمة وعاء تطبخ فيه جميع الثقافات لتذوب في بعضها البعض، سائرين لفرض نفوذها وبنودها لسحق أي هوية ثقافية أخرى.أكثرهم صدقاً
أما الأكثر صدقاً ومصداقية ممن أبقوا أثرهم روحا ورائحة فهم من اسكنوا هاجسهم الوطن وتراثه قيَّماً وتقاليد، فأصبح همهم الدائم أولاً وأخيراً كل ما يتعلق بموروثهم من خلال إعادة صياغته وفق متخيلهم الشخصي، بتقنية متجددة وتوزيع نحو أقصى درجات الكمال في الشكل دون مبالغة، بتعبير مفعم بالمشاعر، فكانوا بحق رواداً أعطوا من تجاربهم الفنية للأجيال الفنية المتميزة التي ظهرت بوادرها في المرحلة اللاحقة في هذه المسيرة، حيث انطلق معظم هؤلاء الشباب إلى المحافل المحلية والعالمية، مؤثرين بقوة ووضوح على التيارات الفنية المتلاحقة من خلال تلك التجارب الجادة المتميزة المبنية على منهج صادق اتبعوه في أساليبهم المنطلقة من ظواهر ووقائع مرئية، ساعين لتجسيد واعادة بناء لوحة تشكيلية على أسس جديدة ومتينة بقيَّمها الفنية وبمستلهمها الأصيل، فأصبح هؤلاء يمثلون مرحلة دور الريادة المعاصرة.
سراب التجريب
وقد نجد في تبعية من ركض خلف سراب التجريب الخاطئ أسباباً كثيرة، منها: توقف اتحاد التشكيليين عن برامجه وعدم تحقيقه الكثير من المهام وحل الإشكاليات أو المشاكل، وفي مقدمتها مشكلة الاعتراف بهذا الفن داخل المشهد الإبداعي في الذهنية العربية، وتأكيد أصالة ومكان ولادتها وهويتها لتسمح لها تلك الشرعية بالتحرك والتباهي والتنافس الحقيقي مع أي تداول عالمي لتفرض خصوصيتها وسماتها وصفاتها من بين بقية الفنون لا أن تصبح كاللقيطة لا تعرف إلى من تنتمي إليه وأي هوية تحمل إلا من عمال بعض الفنانين ممن أشرنا إليهم نتيجة تمسكهم بجذورهم.فضاءات إبداعية
ونحن إذ نؤكد على الهوية لا يعني محاربة الجديد بقدر ما نقف وندعم أي تشكيل للخطاب أو المشهد التشكيلي إذا صح التعبير المكتنز بالكثير من العلاقات الإنسانية التي تبنى جسورها بمفردات تخلق فضاءات ودلالات ابداعية يسعى الفنان من خلالها الى الاندماج مع كل روح إنسانية تواقة الى ديمومة الحركة والديناميكية، متحاشيا الغموض في تجربته ومغامراته لا أن يراها تتمرد على النمط السائد بل يضعها وفق عملية البناء في تركيب لغة الفن ورؤيته تجاه العالم والوجود والأشياء من حوله، تاركاً للمشاهد مساحة من حرية التأمل ثم التفكير والتأويل، موجدأً بذلك نوعاً من العلاقة الثنائة.وقد يكون أيضا من الأسباب التي دفعت بالفن العربي ومنه الفن المحلي الى الدخول في دوامة التحديث والتجريب دون معرفة مسبقة لما يعنيه أو ما سيؤول إليه التعامل الخاطئ معه وبما يقود إليه، ونعني به ما يتعلق بمستوى معرفة كل فنان عربي بمنجز الفنان العربي الآخر.. ولي مع هذا الجانب الكثير من الشواهد منها ما عايشته مباشرة في مناسبات عربية في دول شقيقة مع أننا نتشارك معها جميعا في رحم ثقافي وأدبي اسمه(الإرث العربي) إلا أنهم يجهلون ما وصلنا إليه من مستوى كان آخره ما نقله الزميل عبدالله نواوي من استغراب المجمع المغربي، وأعني به التشكيليين تجاه ما شاهدوه من أعمال في معرض ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي الذي أعدته وأشرفت عليه الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وغيره كثير من المواقف وعلامات التعجب نتيجة عدم وجود سبل الاطلاع والتقارب والتحصن ضد أي تيار أو موجة تغريب لننطلق بعدها لمعرفة ما يحدث في العالم وبكل ما فيه من سعي وتوجه نحو تحديث وتطوير.. ومن المؤسف ان نجد البعض منا يحمل أوراقه وصور أعماله مستغلا الفرص ومتحيناً لها في أي مناسبة تشكيلية لعله يجد فيها أيَّاً من نقاد العرب أو رواد الفنون فيها ليعرض عليه انتاجه، لعله يحظى بشيء من الاشادة والتقدير وبعض العبارات في سجله الخاص، مع أن هذا الناقد أو الفنان لم يكن يعرف عن زميله العربي إلا في حدود تلك الصور أو بعض من الأعمال المعروضة في معرض مشترك لا يشكل في مجمله إلا القليل من الحقيقة.التبعية الغربية
تلك المسافة والفجوة أتاحت الفرصة لأن تحط التبعية الغربية رحالها في أرض التشكيل مما يدفعنا للخوف والحذر أيضا من أن تؤول فنوننا إلى ما آلت إليه الفنون في أمريكا، كما يقول عنها المؤرخ الفرنسي ذو الاصل الايطالي جيوفاني ليستا بقوله: (فن بلا جذور لشعب بلا جذور) مع الاختلاف في جزئية (جذور الشعب).. فنحن نمتلك تلك الجذور ولهذا علينا ان ننطلق منها مما يزيدنا مسؤولية ويعفينا من العتب والاتهام بالتجرد والتنصل منها والبحث عن بديل لا أمل فيه.ومهما يكن من قيام الفنانين في بداية مسيرة الفن التشكيلي بمسايرة رغبات من أوكل لهم الأخذ بهذا الفن في مؤسسات معينة وما نتج عنه من نظرة تكاد تكون غير مقتنعة من قبل المثقفين والنقاد تجاه تلك الأعمال، مدركين بأن العمل الفني مهما لامس الواقع مسجلا أنماطه المختلفة إلا أنه يبقى أسير قوالب فن لا يمثل إلا حدود إثبات القدرات التقنية أكثر منها قدرات ذهنية تبحث عن الجديد لمسايرة ما يحدث في واقع الفنون التشكيلية العالمية مع الاحتفاظ بأكبر قدر من الثقة في مرجعية الفنان العربي البصرية والتي وجد فيها الكثير من الفنانين العالميين مصدر إلهام أثرى ابداعهم وأضفى عليه روحاً مغايرة تحمل سمات أصيلة إلى أن مرت بهم موجات الحداثة بكل علاتها.الارتقاء بالذائقة
ومع هذا فالاعتراض أو اختلاف الرأي حول توجه بعض الفنانين للتبعية الغربية لا يعني إنكار مجملها، بل هي إشارة إلى أننا ما زلنا في طور التوعية والارتقاء بالذائقة، على نحو ونهج منطلق من بنية محلية تنهل من نبع يمثله إرث حضاري يمكن فرضه على العالم فالكثير من أولئك التابعين لتلك الموجة والمتقبلين لسموم الريح دون أدنى تحرك لتصديها جاهلين للنتائج، مع أن الفنان العربي لم يكن معزولاً أو بعيداً عن هذا التغير أو التجديد منذ أن برزت تيارات المستقبلية الفنية المجددة من التيارات التجريبية التي تأتي انعكاسا لما يحيق بعالمنا من قضايا أحالتها إلى شتات واسع النطاق، أفرزت متبعي مذهب التجريب والمفاهيمية، وهي كما يراها الكثير ومنهم النقاد أنها انتقادية النزعة تضم في ثناياها مسميات انشطارية أخرى، ومنها الفن الفقير والاختزالي، وفن الأرض يحاول فيها منتجوها التحرر من قيود المجتمع والثقافة، سعياً بمنطلقهم الفكرية للتخلص من الفن بكل أشكاله وسبل استهلاكه، حاصرين تلك العلاقة في حدود ذاتهم دون أدنى مشاركة مع الآخر وهو المتلقي، مختصرين المسافة ومقتربين خلالها من قطع العلاقة بين فنهم وبين الحياة، شاعرين بنشوة عارمة لأي رد فعل يأتي من الضفة الأخرى، ظانين أن ما يتم القيام به من فنون مستوردة ومن مجتمعات فاقدة لكل ما له علاقة بالأخلاق والقيَّم تصلح أن تعيش في بيئتنا.أخيراً أرجو أن لا نرى يوماً ما فناناً ينهج ما يجده الفنان بولوك أو ما قام به دوشامب بعرض المبولة(وللحديث بقية حول ذلك النهج وما آل إليه الفن في مواقع كثيرة مع العلم أن غالبية أصحابه من مجانين الفن المعاصر وأصحاب العقد والترسبات ممن أصبحت عقولهم أوعية فارغة يقذف فيها كل فكر منحرف)، عبر أعمال لا تحمل فكراً مسبقاً ولا تصل بنا إلى هدف أو خاتمة منطقية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved