Culture Magazine Monday  16/04/2007 G Issue 195
فضاءات
الأثنين 28 ,ربيع الاول 1428   العدد  195
 

تمثيلات الآخر في الشعر السعودي:
القصيبي (4 - 5)
سعد البازعي

 

 

في موقع مقابل للذي يرسمه الرميح تأتي تجربة غازي القصيبي التي عاشها في الغرب دارساً إبان الستينيات ثم سفيراً في التسعينيات، والتي نظر من خلالها إلى السياق الحضاري الغربي مستحضراً بيئته الخاصة. أثمرت تلك التجربة عن عدة قصائد تبرز القصيبي على نحو يجعله من أكثر الشعراء السعوديين اتصالاً بالآخر الغربي وتفاعلاً معه، فهو إلى جانب علاقته الشخصية الطويلة كان أيضاً مترجماً لبعض ما قرأ، بل لبعض نتاجه هو، على النحو الذي لا نكاد نجد ما يوازيه لدى غيره من الشعراء سواء من جيله أو من الأجيال السابقة أو اللاحقة.

لقد نشر القصيبي العديد من القصائد التي تتناول الغرب وثقافته وعلاقته بالعرب والمسلمين عموماً وببلاده خصوصاً من زوايا مختلفة، وفي القراءة الحالية يصعب الوقوف على كل تلك القصائد المبثوثة في دواوين عدة، الأمر الذي اقتضى تحديد الاختيار على النحو الذي اتبعنا في القراءات السابقة. على أن تحديد الاختيار لم يكن بسبب كثرة النصوص فحسب وإنما لدوافع موضوعية ومنهجية تتصل بإمكانية رسم صورة أكثر دلالة وقيمة للتفاعل مع الآخر في الشعر السعودي المدروس. فالقصيدتان اللتان اخترت تتصلان بتجربة الشاعر في الولايات المتحدة الأمريكية التي ذهب إليها طالباً مبتعثا. وفي القصيدتين تجربة طريفة ودالة في آن على حجم التوتر الذي يعتري العلاقة بالآخر أحياناً، الآخر من حيث هو جاذب للفرد ومنفر له في الحين نفسه أو في أحيان متفاوتة.

القصيدتان المشار إليهما تتصلان بمدينة لوس أنجلس وقد نشرتا ضمن مجموعة مبكرة بعنوان (قطرات من ظمأ) (بيروت، 1965)، الأولى بعنوان (لوس أنجلس) والثانية بعنوان (كريستينا). في القصيدة الأولى يرسم الشاعر صورة كئيبة للمدينة الأمريكية، صورة تلتقي في بعض سماتها مع ما نجد في الشعر الغربي لدى إليوت في (الأرض اليباب) وغيره من الشعراء. غير أن الشاعر السعودي يوظف زوايا ليست مما هو مألوف في الشعر الأمريكي أو الغربي عموماً، بينما هي من المعتاد في الشعر العربي الحديث. فلوس أنجلس هنا تأخذ الشكل المألوف عربياً للفتاة الحسناء الشديدة الإغواء بما تبدي من أشكال الجمال المغري بالخطيئة، كما لو كانت سدوم أو عمورة، مدينتا الاثم في التوراة.

لكن إذا كانت لوس أنجلس مغوية فإن ضحية الإغواء هي الشاعر نفسه الذي ضل طريقه في شوارعها مع فتياتها الشقراوات ليكتشف بعد ذلك كم هي خادعة تلك المدينة بفتياتها وعاداتها وقيمها:

سأكتب عنك يا عملاقتي

الأخاذة الحسناء

وعن دنياك.. عن سحرك..

عن شاطئك الوضاء

عن الطرق التي تغفو

على أوهامها الشقراء

وعن ليلك ذاب البدر فيه..

وجنت الأضواء.

تمضي القصيدة على هذا النحو الغزلي المعبر عن الإعجاب بجمال الفتاة حتى المنتصف حيث يعود الشاعر إلى لازمة (سأكتب عنك) لكن مع تغير صارخ في لهجة الخطاب، فنقرأ ما يصل حد الهجاء:

سأكتب عنك يا عملاقتي

المغرورة.. البلهاء

سأكتب عن ضبابك.. عن

شرور دروبك السوداء

وعن قلبك لم ينبض

وجف كصخرة صماء

خطاب حاد اللهجة يستمر حتى نهاية القصيدة في وصف للمدينة الغربية المعاصرة بوحشة شوارعها وعزلة سكانها وجفاف عواطفها في صور لا تخلو من لمسات جميلة ومؤثرة كما في تكرار (حتى الجار):

حتى الجار يصمت عن

(مساء الخير).. حتى الجار

ويلتصق الضباب على

الوجوه كلعنة الأقدار

غير أن الشاعر وهو يصب حممه القادرة على إذابة كل ضباب يغطي المدينة الأمريكية لا يتناسى وقوعه هو في شراك تلك الغواية ضحية لفتيات لوس أنجلس: (سأكتب عن ضياعي فيك.. / عن فتياتك الحلوات).

هذا الاشتباك بين الشاعر والمدينة الأمريكية يمثل الوجه الأبرز لأزمة ثقافية يعيشها الشاعر الشاب إذ يتمزق بين إغراء الحياة في مدينة غربية مفتوحة ورفض للقيم التي تكمن وراء ذلك الإغراء والانفتاح، بين ثقافة تسمح بما يفتح الشهوات وتدفع في الوقت نفسه إلى العزلة الاجتماعية، وثقافة مقابلة تتعفف عن ذلك وترى جمال الحياء والترابط الاجتماعي لكنها تقيد الحرية الفردية. ومع أن الشاعر لا يشير إلى تبرمه بالثقافة التي ينتمي إليها، فإن في خطابه الشعري وما ينطوي عليه من مواقف ما يؤكد انشطاره أو قل ازدواجيته. ذلك ما يتأكد في القصيدة الأخرى التي تبدو مثل توأم لقصيدة لوس أنجلس.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5135» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة