الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th May,2005 العدد : 106

الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1426

الصديق..
د. صباح قباني *
ما ان تذكر اسم عبد السلام العجيلي حتى يتوهج أمامك كل ما يأسرك فيه: الحديث الطليّ الممتع، والذاكرة الأدبية المدهشة، والخلق النبيل الأصيل، والتعليق الذكي الساحر.
ولابد لك أن تتذكر ما قاله فيه صديقه الشاعر الراحل نزار: (عبد السلام: هو أروع بدوي عرفه الحضر، وأروع حضري عرفه البداة).
حين تجالسه وتصغي إليه بقلبك وبسمعك وهو يسرد، بلغته العذبة المتدفقة، كما تدفق الفرات، والتي تغمرك كما نسائم البادية أيام الربيع، قصصاً من الشرق ومن الغرب، والتي تكون مزيجاً ثرَّاً من ذكرياته، وطرائف أسفاره، وقراءاته التراثية والحديثة، ويطرّز ذلك كله بأشعار يبهرك كيف يجود بها مخزونه الأدبي العجيب؛ أمام هذا كله تجدك توقن أن مجموعته الرائعة (أحاديث العشيات) ليست مجرد كتاب أخرجه للناس منذ خمسين عاماً وانتهى الأمر، وإنما هو حديث متصل متجدد سنة بعد سنة يُمتع به المتحلقين حوله من رفاق العمر والسمر. ومن حظي العظيم أنني كنت واحداً من هؤلاء الذين سعدوا بصحبته الحلوة في سنوات ذلك العمر الجميل، وبالجلوس إليه في أماكن شتى من الأرض جمعتنا. وكنت عندما ألتقيه، مهما طالت فترات الغياب، أجده هو هو نفسه: الإنسان النبيل الأصيل، الوفي لأصدقائه يسأل عنهم حيثما يكونون، فلا يتغير ولا يتبدل، سواء التقيته في بولفار سان ميشيل في الحي اللاتيني في باريس، أو في دمشق، أو في واشنطن، أو في الرقة، وسواء كان نائباً، أو وزيراً، أو مسؤولاً سياسياً هاماً أو طبيباً في عيادته الريفية الوادعة.
أما حرصه على اللغة العربية، ووفاؤه لها، فكان شيئاً يفوق الوصف. كان يريد لهذه اللغة أن تبقى سليمة صافية لا تشوبها الشوائب. ولعل أجمل ما قام به، غيرةً على لغتنا الجليلة، هو حين بعث ببرقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يتأسّى فيها على أن الرئيس سمح بأن يكون نشيد الجمهورية العربية المتحدة الوليدة مكتوباً باللهجة العامية الدارجة.
وعندما كنت أعمل في الإذاعة السورية في أواخر الأربعينات، كان مدير الإذاعة حينذاك صديقه الحميم الأديب الكبير فؤاد الشائب. ودأب العجيلي، الحريص على سمعة صديقه وإذاعته، على لفت نظره من وقت لآخر إلى أخطاء لغوية ولفظية يقع فيها المذيعون. وكان أكثر ما يؤذي سمعه حين يجعل المذيع حرف الذال زاياً ويقول: (هنا إزاعة دمشق!) وكان يهتف إلينا من (الرقة) ليشير إلى تلك الهفوات التي انطلقت من عندنا. وهكذا رحنا الأستاذ الشائب وأنا، بدورنا نتشدّد مع المذيعين ليصلحوا ما اعوجّ من لسانهم، فأصبحوا، وهم يهمّون بدخول الاستوديو لقراءة نشرة الأخبار، أو حديث أدبي، يحذرون بعضهم بعضاً ويقولون: (انتبهوا يا شباب.. الدكتور عبد السلام يسمعكم!).


* (سفير سابق)

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved