الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th May,2005 العدد : 106

الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1426

في ذكرى اليوم العالمي للكتاب 2 3
هموم الكتاب العربي
عبد الله الماجد
حتى يتم تبسيطُ عرضِ هذا الموضوع، الذي قد يُفاجأ به قارئي، كما فُوجئت به أول مرة منذ سنواتٍ ليست طويلة، حينما شاهدتُ مجموعةً من (البوستر) الملصقات، تتصدر واجهات إحدى المكتبات في مدينة (أكسفورد) في بريطانيا، تُذكِّر بيوم الكتاب، ومعنى ذلك أننا في العالمِ العربي لم نَحْفلْ أو نحتفل بهذه المناسبة، كما أننا أصحاب المهنة، لم يكن يخطرُ على بالِنا أو لم يُذكِّرُنا أحدٌ بذلك.
والخلفية التاريخية، تعود إلى عام 1995 أي قبل عشر سنوات حينما انعقد المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، وقرر أن يتم الاحتفال بيوم الكتاب في الثالث والعشرين من أبريل نيسان من كل عام تحت عنوان (اليوم العالمي للكتاب وحقوق الطبع والنشر).
في هذا العام 23 أبريل 2005 تحتفلُ ثلاثُ دول عربية ولأول مرة بيوم الكتاب العالمي وهي حسب المصادر الصحفية مصر ولبنان والمغرب، وتنوعت مصادرُ المشاركة بين ما هو رسمي تمثله هيئات حكومية وغير رسمي تمثله مؤسسات أهلية.
ولا نتوقع من هذه المشاركة التي تتم لأول مرة، أن تحقق ما تم تحقيقه عالمياً، حيث تشير المصادر المنشورة، أنه عالمياً، ومن خلال (منظمة مساندة الكتاب العالمية) قامت بتوزيع أربعين ألف كتاب في عدد من البلدان الفقيرة في العام الماضي، حيث هناك أكثر من 130 مليون طفل لا تتوافر لهم وسائل التعليم أو القراءة.
وليست لديّ معلومات عن أسباب التقصير العربي في عدم المشاركة العالمية في يوم الكتاب، التي تأخرتْ إلى هذا العام، هل بسبب عدم تبادل المعلومات، مع أن الدول العربية جميعها أعضاء في منظمة اليونسكو، وأن الدول العربية لديها منظمة للتربية والثقافة والعلوم هي (الأليسكو) اختصاراً، والدول الإسلامية عامة لديها منظمة مماثلة هي (الأسيسكو) أم لأن الاهتمام بقضايا الكتاب والثقافة ليست موجودة في الجداول الملحة بالاهتمام، أو تلك التي يجب الاهتمام بها، مع أنها في نفس المرتبة التي يتم بها معالجة الأمية والتعليم والصحة، بل وقضية العصر (الإرهاب).
لهذا سوف استغل ذكرى هذه المناسبة، للحديث عن الكتاب والثقافة بشكل عام، وهمومها في أوطاننا العربية، بشكل جزئي وفي الحيِّز المتاح الذي يجب أن أختزل فيه الحديث لن ألجأ إلى الجداول الإحصائية، لأنها ومع الأسف ليست دقيقة، ولا تعكس الواقع خصوصاً في عالمنا العربي فمثلاً مصدر يقول إن نسبة إصدار الكتب في العالم العربي لاتزال أقل من 30 كتاباً لكل مليون نسمة، بينما تزيد في إسبانيا على الألف كتاب لكل مليون نسمة (إسلام عبد المعطي، الأهرام، 21 أبريل 2005) ولا أدري لماذا دائماً يتم مقارنتنا بإسبانيا، هل لأننا كنا نحكم إسبانيا، وبعد أن دب الخلاف بين أسلافنا طُرِدوا منها وأُحرِقَت ملايين الكتب العربية فيها ومصدر آخر يشير إلى أن نصيب كل ألف إنسان في الوطن العربي 29 كتاباً، وتتفاءل هذه الدراسة لتجعل لكل ألف مواطن في بلادنا السعودية 219 كتاباً. (د.عبد الكريم الزيد، 1425هـ).
ومعنى ذلك أن لكل أربعة مواطنين كتاب، أنا أول المبتهلين بهذه النتيجة ولكن لو كانت دقيقة، فمن يضمن أن هذه النسبة تصل إلى كل فرد من أولئك المواطنين؟! أم أن الآلاف من طبعات الكتب المتراكمة تزدحم بها مستودعات الناشرين.
ولهذه المشكلة أسباب كثيرة يطول الحديث فيها، ومن أهمها عدم وجود تربية القراءة أي عادة القراءة ويضاف إلى ذلك، سبب مهم وهو تردي مستوى المادة المنشورة.
معظم الكتب العربية المنشورة، هي في واقعها مناسبات للفرح، لا تقل أهمية عن الفرح (بالمولود) ولذلك شاعت في ثقافتنا المتداولة عبارات مثل (بنات أفكاري وكتبي مثل أولادي) عبارات لم يقلها أسلافُنا العباقرة مثل (ابن رشد) الذي كان يقول (تلخيص أرسطو طاليس) أو (شرح أرسطو طاليس) وهذا إضافة إلى فكر الأصل.
والقائمة تطول بين ما كنا نؤلفه ونبدعه بالأمس، وما ننشره اليوم.
كلٌ يؤلفُ دونما رقابة علمية، فأصبح يَصدُقُ علينا قول (النابغة الذبياني) وهو من المتقدمين في مملكة الشعر أكثر من ألف واربعمائة وثلاثين عاماً (ما أرانا نقول من القول إلا معاد ومكرور).
ذلك لان الأغلب في صناعة النشر في العالم العربي، تُوجِّهها رغباتُ المؤلفين وجاهزيتهم في التأليف، وهذا واحد من مثالب النشر العربي، وتشابه ما ينشر وضحالته.
ومن مثالب النشر في عالمنا العربي كذلك، تضاؤل نسبة الناشر المثقف المزود بحس ثقافي عالٍ.
في مقابل وجود ناشرين حِرَفيين لديهم حساسية (ترمومترية)، وهؤلاء خطرهم فادح ومؤثر، لأنهم يحققون نجاحاً فيما ينشرونه، حينما ينشرون كتباً سطحية تُكَرِّس تسطيحَ الفكر وتُغيِّب فيه ذائقة البحث عن الفكر المهم المؤثر في الطبائع الإنسانية.
هؤلاء يُمجِّدون نشر كتب الفضائح السياسية، غير المحققة علمياً، والمستندة على وقائع موثقة، بل تعدى ذلك إلى الفضائح الاجتماعية، والتشهير بحياة الناس، وهناك كتب كثيرة تُلاقي الرواج، تتحدث عن الأبراج وقراءة الطالع والسحر، وهناك كتب في مجالات الأديان، تتحدث عن تصادم الأديان، وعذابات البشر في الدنيا والآخرة، دون أن يكون لها سند علمي، وهؤلاء الناشرون لهم أمثالهم في عالم النشر على مستوى العالم، لكن قامة الناشرين الجادين والمؤثرين في الغرب عالية ومهمة.
وواقع الحالِ المرّ، يشير إلى أن إنتاج الكتب، يواجه تحديات مؤثرة في مواقع صناعة الكتاب التقليدية في عالمنا، حيث تسود الآن منتجات تستقطب رؤوس الأموال، ويشجع عائدها المجزي والسريع على الاستمرار فيها، وهي لا تضيف إلى القيمة الثقافية الأصلية أي مردود، بل هي تساعد، بل وتعمق تسطيح الوعي الثقافي وتغيِّب وعي الشباب بواقع الأمة وحالها وما يحيط بها من تحديات معاصرة.
فمثلاً في بلد عربي، يُعتبر منذ أوائل القرن الماضي وحتى الآن، مركزاً رئيساً للنشر العربي هو لبنان وهذه الوقائع مُستقاة من كتاب (الصناعة الثقافية في لبنان) الذي صدر عن (المركز اللبناني للدراسات) وهو مجموعة أبحاث، لباحثين متخصصين في هذا الشأن، صدر الكتاب في عام 2002 لقد أصبح هذا البلد، بعد أن كان يُنتج الكتابَ ويُحقق به ريادةً، أصبح الآن يُنتِج الأغاني بشكل مكثف، ويُصدِّرهَا للعالم العربي عبر شريط الكاسيت والفيديو كليب، ويسيطر على هذا الإنتاج الكم وليس النوع، وتُقدر مداخيل هذا القطاع الممول في معظمه خليجياً بما يوازي خمسين مليون دولار سنوياً.
ويتكلف إنتاج ست أغان ما بين 16000 و54000 دولار، وتصل تكلفة بعض الألبومات إلى 200 ألف دولار، أما قيمة توزيع وتسويق الألبوم الواحد فتصل ميزانيتها 100 ألف دولار.
فيما تتراجع قطاعات الصناعة الثقافية الأخرى المؤثرة كالسينما والكتب.
ويُعلِّق أحد الباحثين في هذا الكتاب (فارس أبي صعب): (أن الخروج من هذا المأزق الحالي يتطلب أولاً الانتهاء من أسطورة لبنان ودوره التاريخي، والتوقف عن الحنين إلى الماضي بهدف استعادة مافات، لأن دور لبنان كان في كثير من جوانبه نتاج الواقع المحيط به أكثر منه نتاج مُميزاته الفريدة.
أما وأن المحيط قد تطور، والمطابع انتشرت في مختلف الدول العربية، فإن صناعة الكتاب باتت بحاجة إلى إعادة نظر شاملة، وإعادة هيكلة، بناء على رؤية شاملة مع محيطها العربي).
وتشير هذه الدراسة إلى أن عدد دور النشر المرخص لها في لبنان من قبل نقابة الناشرين يبلغ 700 دار نشر، فضلاً عن عدد آخر مرخص له من قبل وزارة الإعلام، لكن دور النشر العاملة فعلياً في حدود 200 دار نشر، ولا يتجاوز عدد الدور القوية والناشطة 50 دار نشر.
وتكشف الدراسة عما تسميه (السر الأكبر) وراء استمرار هذه الدور الناشطة بالرغم من الأزمات والمحبِّطات، وهي صفة (الطابع العائلي لهذه الدور التي يتوارثها الأبناء عن الآباء).
وتغيب الإحصاءات الدقيقة والحقيقية، في رصد حركة النشر في هذا البلد الرائد في مجال النشر، فليس من المعروف حجم ما تَنشره دور النشر، لأن دور النشر ليستْ ملزمةً بتسجيل رقم الإيداع في المكتبة الوطنية لكل كتاب يُنشر.
وهذا الأمر أي عدم التقيد بالتسجيل والايداع القانوني في المكتبة الوطنية واحد من أهم المثالب والعَوار في صناعة النشر العربي، إذ يشجع ضعاف النفوس و(قراصنة الكتب) في السطو على حقوق الآخرين وتزوير الطبعات دونما رقابة ومع ذلك تشير هذه الدراسة إلى أن الكتابة والنشر (صناعة الكتاب) تحتلُ المرتبةَ الأولى متجاوزةً الغناء والموسيقى والفيديو كليب، رغم الضجيج والتكاليف.
ولعل الحالة اللبنانية وهي الرائدة عربياً والمتسيِّدة نشرياً لا تختلف عن الحالة المصرية العريقة، حيث هناك 376 دار نشر، أعضاء مسجلون لدى اتحاد الناشرين المصريين، ولا يتجاوز عدد الدور القوية والناشطة 100 دار نشر، في حين أن دور النشر العربية المسجلة لدى اتحاد الناشرين العرب وهم أعضاء في هذا الاتحاد يبلغ 332 دار نشر، وفي بلادنا المملكة العربية السعودية، هناك 1120 من الناشرين مسجلون لدى المديرية العامة للمطبوعات في وزارة الثقافة والإعلام. المؤثر والنشط منها لا يتعدى عشرين دار نشر.
وتتوافر إحصاءات للإبداع القانوني لما تصدره هذه الدور في مكتبة الملك فهد الوطنية.
وبالرغم من صدور القوانين الملزمة بالحصول على رقم للإيداع والترقيم الدولي (ردمك) مما يُعرف بالفهرسة أثناء النشر، فإن بعض دور النشر لا تلتزم بالحصول على هذا التسجيل الموثق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved