الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th May,2005 العدد : 106

الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1426

قصة قصيرة
حنجرة الليل
جمعان الكرت الغامدي
(1)
لم تكن الحركة الهامسة بعد منتصف الليل وحدها تثير فزعه بل أيضاً الصوت المتقطع الذي يهز أوتار أذنيه يدخله في دوامة من التساؤلات من.. ما.. ماذا..؟ ما أن يوشك مسفر لتقصي تلك الأشياء المريبة حتى يخفت الصوت وتنطفئ الحركة ويضم الليل عباءته السوداء.. إلا أن تكرارها وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل ولمدة أسبوع كامل يحرضه على ترقب الهمس الليلي وترصد الحركة المريبة عندها يدخل في دهليز من التفكير المشتت لا يشعر بعدها إلا بصوت المنبه يقرع أذنيه.. عندها ينفض جسده من على فراشه ويقوم بتثاقل ليغسل وجهه ويرتدي ملابسه ويمنطق هامته بعقال أسود ويتجه إلى العمل، هذه المرة ارتكز بقامته الهزيلة خلف الباب والصق عينه على عدسة زجاجية مثبتة ليتلصص بنظرة أحادية إلى من في الخارج.. ثمة شخص متشح بالسواد يتحرك بخطى بطيئة يعقبه آخران بنفس الهيئة والحركة لحظات ويختفي الجميع، إلا أن صوتاً حانياً ينز رقة وحزناً يسري في أوصال الليل، ألصق أذنه في الباب لم يكن الهمس واضحاً عدا موالاً شجياً متهدجاً يأتي محمولاً بذبذبات هوائية تهمي في أكناف الظلام ليستقر في أذنيه بعدها يتلبس الليل سكوناً موحشاً لا ينفك مسفر من مخالب الفزع التي تمزقه سوى دس جسده تحت غطاء سميك ليتبلل بعفونة ترشقها خلايا جسده، وفي ساعات الصباح الأولى يرتطم.
(2)
قرع متواصل في صحن أذنيه لينفض بقايا النوم ويغسل وجهه ويحتسي الشاي الساخن ويقفل الباب، أثناء توقيعه لعدد من المعاملات المبعثرة على مكتبه كان تفكيره معلقاً في همهمات المساء معاتباً ذاته في جبنه وخوره بعدم تمكنه من مقاومة مد أمواج الخوف والنوم اللذين يباغتانه في تلك اللحظات الحاسمة، بالفعل بدأت الحركة تأخذ مسارها إلا أنها بطريقة أكثر من المعتاد أعقبها جرجرة لأجساد ضخمة.
أنين متقطع في مفاصل الليل.. بيد مرتجعة أمسك بالمفتاح أداره دورة.. دورتين انفرج الباب قليلا.. لسع وجهه هواء بارد أحنى جسده الأعلى نحو الخارج فيما ظل ممسكاً بيده اليسرى وبتوتر مقبض الباب.. شاهد عينين مفزعتين ينبعث منهما بريقاً نارياً مرعباً وأجساداً ضخمة تتدثر في ملاءات سوداء، لم يتمكن من تفحص وجوهها بشكل دقيق، أغلق الباب بسرعة فائقة إلا أن الصوت الحزين ازداد وضوحاً وكأنه يتصبب من فرجة الباب، ما الذي دفع تلك الحنجرة الليلية تطلق أوتارها وتغني بشدو حزين ومتواصل، بدأ الصوت يخفت قليلاً مد نظره مرة أخرى توارت الأجساد في سديم الظلام، عاد أدراجه إلى مضجعه طوح برأسه المنهك على خاصرة المخدة، ضغط بأصابعه على صدغيه كان النوم وقتها يجلل عينيه بحزم ثقيلة، في الصباح انسل مسفر داخل ثوبه الأبيض، أزال غشاوة بيضاء لزجة ترقرقت على حواف عينيه، أشاح بناظريه عن الموجودات التي اعتلت سطح أريكة خشبية متهالكة توسطت صالة الجلوس، لم يشرب الشاي الساخن ارتعد حين هم بإغلاق باب الشقة أدار مفتاح السيارة تحركت ببطء عند استدارتها في وسط الشارع ثمة روائح غير مرغوبة التصقت في أنفه.. أصوات إطارات.
(3)
السيارات التي تمرق من أمامه تخدش هدوء المكان، أسند ظهره على خلفية الكرسي الدوار وأرخى رأسه نحو الوراء ثمة ألوان ضبابية لمحها في سقف الغرفة امتزجت مشكلة لوحة باهتة أغمض عينيه رأى أسناناً بيضاء تصطك محدثة صوتاً تحملها وجوه غير واضحة المعالم، حركتها أجساداً تتساقط بهدوء بينما ظلت بعض الأفواه تفتر عن شدو يقطر حزناً ينبعث من حنجرة مسكونة بالحزن.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved