الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th June,2003 العدد : 16

الأثنين 16 ,ربيع الثاني 1424

موت الثقافة في الصحافة
ماجد الحجيلان

هناك فهم بائس ومدخول في الصحافة لما هو ثقافي وهادف، وهذا الفهم إن بدا ملتبساً ومتداخلاً على المستوى العربي، فإنه يبدو محلياً خرقاً وعيباً مضحكاً، وبالمقارنة يبدو التباين جلياً بين فهم الصحافة المحلية لموضوع الثقافة، وما جرى التعارف عليه عربياً وعالمياً في المطبوعات والمحطات للعمل الثقافي في الصحافة والإعلام، فما هو ثقافي فيها يتجاوز بكثير المقالة والدراسة والمقاربة النقدية إلى ما هو أبعد وأغنى وأكثر دلالة.
ودون الدخول في جدول تحرير المصطلحات للبحث عن تعريف مدرسي للثقافة تتعامل معه الصحافة بمهنية، أو التورط في دراسة مصطلح الثقافة، كما قدمه المفكرون الفرنسيون الذين أشاعوا مفهومها أول مرة ونظروا لدور المثقف ومهمة الثقافة، فمن الأيسر الانفتاح على ما هو ثقافي بالمعنى الحديث حيث تعامل الثقافة بوصفها بنية لا تتجزأ لكل ما هو مندرج ضمن الشأن العام للناس، لا الأبحاث الأكاديمية والدراسات العلمية، ولا الأخبار عن الكتب والدوريات فبنية الثقافة ذاتها متكونة من أشياء كثيرة لا يمكن حصرها بدءاً بالمعتقدات والعادات مروراً بالنظم والمعاملات السائدة وانتهاء بالنتاج الفكري والإبداعي الذي منه الفنون البصرية.ويأخذ العجب كل ناحية وصوب عند تأمل ما تعنيه الثقافة في الصحافة المحلية، فالمجلات التي تعلن أنها ثقافية مثلاً متخصصة كانت أم منوعة لا تعرف من الثقافة إلا نشر المقالات والدراسات المطولة، أما الأقسام الثقافية في الصحف فهي غيرمطمئنة إلى موقف واحد من الفن والمسرح والسينما والرسم والنحت والتشكيل، وهو ما يعني اضطراب المصطلح وغياب الفهم وضياع الهدف.. وكل ما تطالع به هذه الأقسام قراءها في الملاحق والصفحات التي تشرف عليها قصيدة أو قصة أومقالة نقدية، وهذا ما يشكل النسبة العظمى من الفهم العامي المتخلف لفكرة الثقافة.
هذا فضلاً عن أن هناك ميلاً كبيراً لإقصاء النصوص التي هي الرهان الثقافي والإبداعي لصالح المقالات المطولة التي لا يقرؤها أحد، بينما تثبت كل المقاييس العلمية والإبداعية أنه إذا اختيرت النصوص والنتاجات بعناية من قصة أو قصيدة أو لوحة أو صورة معبرة فيجب أن تفترش أكبر مساحة ممكنة من الصفحة لأنها مهنياً وصحافياً أكثر نجاحاً! وفي ظل هذا الخلط لا يوجد شيء محدد يمكن أن يصنف مادة ثقافية في الصحف، ولهذا كثيراً ما تظل البحوث العلمية المحكمة المليئة بالمراجع والاحالات واللغة الرصينة، التي لا تناسب الصحافة طريقها إلى الصحف اليومية، ومكانها المتوقع هو المجلات العلمية المحكمة ليفوز الكاتب الأكاديمي بترقية ينتفع بها.. ويلتزم بعض الأكاديميين الكتابة بشكل أسبوعي لصحيفة ما، فلا تعاد إليه المقالات الضعيفة، ويبدو متفاوتاً إلى حد كبير في نتاجه، ولو أن الصحف جادة في مهنتها ورسالتها، لوجب أن تعاد المواد إلى كل من تتدهور كتابته، وألا يقع الالتزام معه تحت تأثير اللقب الأكاديمي، ولذا فإن مجاملات الصحف دهورت الثقافة والصحافة معاً، إذ قدمت للساحة من تصدروا بدون وجه حق على حساب الصامتين، وليس خفياً أن تجد داخل الأوساط الصحافية والثقافية من يصف أسماء بالافلاس تماماً رغم تصدرها، وليست القضية في كونها مفلسة بل في كونها متصدرة تقدم للناس هذا المثال الرديء عن الثقافة والصحا فة في هذا المكان من العالم.
والمطبوعات بهذا تفرط في سوق عظيمة وتجعل المثقف يقرف من جمودها وصرامتها لعدم انفتاحها على متابعاته اليومية وترفعها المتكلف مثلاً عن التعليق على كلمات أوبريت أو كلمات أغنية أو اخراج مسرحية أو تحليل تمثيلية أونقد رواية سينمائية أو فيلم تسجيلي أونشرة أخبار.. بما يمثل الموقف الثقافي منها.
العنوانات الخطابية الجامدة كلوح جليد، والإخراج المتخلف والاطالة والتكلف في السبك، وعرض الفكرة، يجعل السوق الصحافية الثقافية خاسرة سلفاً مع أنها يمكن أن تنافس بشكل جيد، وبهذا تحظى بمكسب الجمهور وشيوع الثقافة والمقروئية المطلوبة مع بعدها عن الإسفاف والضحالة.
عربياً حاولت "أخبار الأدب" تقديم نموذج جيد في هذا المجال، وهي تراوح بين الإخفاق والنجاح النسبي لكنها تسجل نجاحات أجمل من غيرها، وهي تسمي ذاتها أخبار الأدب، الأدب بالمفهوم العربي التقليدي الشامل الذي يعني الأخذ من كل فن بطرف، وهو ما يشبه الثقافة والشأن العام.
يمكن العودة إلى أكثر القضايا الثقافية صرامة واعادة إخراجها صحافياً، ولكن المشكلة أن الصحافيين الموهوبين ليسوا مهمومين بالثقافة بل بالمحليات والسياسة، والمثقفون الرائعون والمتمكنون لا يعرفون من الصحافة إلا نشر الأخبار في زاوية ووضع عنوان على تحقيق أو اعادة تبويب المقالات..ولو أن الثقافة كسبت الصحافيين بالإثارة المنطقية والمفاجأة والصدق والمباشرة والمتابعة فهي ستنجح في توسيع رقعتها في مجتمع يجد كل يوم وسائل جديدة وحججاً دامغة لوأد كل ما هو ثقافي.
الواقع أن الساحة الثقافية تتفوق على السياسية أوالاقتصادية بجدلها وقضاياها المثيرة، ولكنها بحاجة إلى من يقدمها لقارئ مستعجل وقارئ مهتم تقديما يليق به في هذا العصر..
ستموت الصحافة الثقافية قريباً لأنها لن تجد جمهوراً إذا ظلت تعاني من التخلف الاخراجي والفني والصحافي اضافة لضعف الاهتمام بها أساساً والانصراف إلى أشياء أخرى.
+++++++++++++++++++++++++++
hujailan@hotmail.com
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved