الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th August,2004 العدد : 72

الأثنين 30 ,جمادى الآخر 1425

مطر يهتز على شفاه كليمة
عبد الله السمطي
حديقة وماض على الطريق يطل.
كان المغني الذي شرب موالين بالأمس قد ثمل. حتى أن حدقتيه لا تقويان على حمل الكلام، وأن شفتيه لا تهتزان بالمطر جيداً كي يعشش وتر ما في موسيقى قلبه. الحياة الممهورة بصباح غير مشرق هي يده التي تجوس أكثر في غموض فادح.
إنه يسمي الغموض باسمه، لأن شيئاً واضحاً ومباشراً يظل جميلاً أبداً: هو هذه الروح التي أجلسها ملياً على حصى المساءات.
كأنها وردة هذه الكلمة الشاهقة الصمت.كأنه نزيف الأيام يغلي على زجاج هش داخل شغافه.
رئتاه تحملهما الريح كل لحظة وقلقه الأبدي فكرة للطير. ليس قمحاً تماماً ما يجري في حدسه. إنما الفصول التي تختبئ في شجيرات أيامه تراود الهشيم. كل يد في حجر، كل طاولة في مدينة، كل امرأة في فندق، كل غرفة على تل جسمه. مناشف ومراود وجبال. هكذا يجري لا وعيه.
يلصق اللحظات ككولاج دهري. أبى إلا أن يتحلل ثانية ثانية في وديان الحواس.
يا صدره المعزول هذا الصباح عن أهبة الشمس. يا نعمته الحانية كخاتم في يد الأم. المهرة الصبية توشوش الهاتف. الأم على الشراشف تمرر أحزانها. مدينته غادرها منذ قليل. هناك جبهة أخرى. الحرب جاثمة على النوافذ. صواريخ وطائرات ودم. لا شيء سوى الدم الذي تنغمس فيه الأعمدة والسفن. وبقايا أنفاس رجل هرم كان يمني نفسه بزجاجة خمر. رمى يأسه قرب أمعائه وصار شجرة على رصيف أيامه تبكي واقفة. الموت قرب ذراعيه. قصف عابر. رعب عابر. وطن عابر، وتراب يشده إلى بيته الضيق الصغير بلا نوافذ ولا ستائر ولا مرأة عادية. إنه بيته المقبل دون ريب. إنه القبر الجميل.
عنق إلى آخر الجهات. أصابع إلى أول الإشارة. خطى إلى منتصف الدرب.هكذا أطلق عناوين جسمه ولا مستقبل يعظ الأمس. ولا دهر على قناع مراياه يكسر الدهشة. البراءة ان ترى. لا الحصافة التي في يديك أبهى من حجر أو من قمر.. لا.. اصحب ذراعيك كي تحرك الراية القديمة.. لا.. إنها نسج الحقول. إنها القطن الذي تقدم في مغزله. إنها رائحة الحياة. هكذا يرى أن حياته مجرد راية تستقر أخيراً على خزف رؤياه بلا رفرفة أو حدود.
على مشجب مهترئ تهرأت أقداره. قال: إن أيامي هي صوتي على الأرض. لكن.. الخؤونة الكذوب ما زالت تحدق بنجومها داخل خلاياي. لا بأس. أنا هنا. سأصفي ذاتي أكثر سأشف . من يرى العروق والعظام. لا برق يكسوها ولا شجر. لذا سأهتف: أيها المساكين الأنقياء لفلفوا جسمي بأوراق الشجر، ضعوني في تابوت حواسي لأنادي على ظلالكم. ضعوني على أيكة أرضية. هكذا يهرب من غمامه إلى رؤيا. تكاثرت على حدودها نسور أو حدآت .. هكذا كتب قصيدته بنفس سوريالي. على شهيقه تجددت السماء والطيور والغيمة المقبلة.


الرياض 19112003م

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved