والرحلات البرية فيها من المتعة ما يريح النفس ويصقل العقل وينمي الفكر ويقوي البصر ويزيد في الثقافة وفيها صحبة الأخيار وسماع الأخبار والتفكر في خلق الله من أرض وسماء وجبال وأنهار ومعرفة الطرق والبلدان والتعرف على الأجناس من الخلق، يقول الله تعالى)قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)
} ثم إن الرحلات عندي فيها من المتعة في التعليم والتفكير والراحة للنفس والبعد عن حياة المدينة وصخبها وهمومها والتفريج عما في الخاطر من همّ وضيق والتفكر في خلق الله بما في الكون والأرض والجبال والأنهار والشعاب والوهاد من أشكال غريبة وكتابات تدل على وجود الأمم ومناظر طبيعية، وما حولها من منازل وديار وما يسكنها من قبائل وأجناس. |
وعند القيام برحلات برية في ربوع بلادنا الغالية تتوفر لدينا الخرائط اللازمة للمناطق التي نرتادها والأجهزة التي نستعملها في تحديد الأماكن المراد الوصول إليها، والرفاق الذين نتسامر معهم ونرتاح لهم في مجالسنا كل ذلك يساعدنا على أن نستمتع بالرحلة ونستفيد منها، ثم نقوم بوصف الرحلة والطرق التي نسلكها والجبال والأنهار والشعاب التي نمر عليها فتتوفر لدينا حصيلة من المعلومات الوافرة عن ذلك. سوف أصف الرحلة التي قمت بها في ربوع بلادنا «من الرس إلى منطقة الربع الخالي» لعل القارئ يستفيد من ذلك وأن يجد فيها المتعة واشباع رغبته فيما لو أراد أن يسلك مثل تلك المسالك. |
والربع الخالي هو المنطقة الواقعة شرق المملكة ويحدها من الشمال: المنطقة الشرقية ومن الجنوب اليمن وعمان ومن الشرق عُمان ومن الغرب منطقة الرياض والمنطقة الجنوبية. |
والرحلة إلى الربع الخالي ذات وجهين: فهي متعة لمن يأخذ بأسباب التمتع من راحلة وزاد ومتاع. وهي نقمة لمن دخل الربع الخالي وهو لم يستعد للسفر. |
اتجهت الرحلة بعون الله وتوفيقه يوم 11/12/1419هـ من مدينة الرس إلى مدينة الرياض فالخرج ثم حرض ومن حرض يتجه طريق مردوم ومتعرج ومتشعب في بدايته قد أخفت السوافي معظمه لكن السير فيه سهل وواضح، وهذا الطريق يتجه نحو «قلمة ندقان» طوله «180» كيلا باتجاه الجنوب وهو يتنوع من صياهد وحجرة وبعدما أن قطعنا من الطريق «33» كيلا دخل في سور في مزرعة قديمة وواسعة فأخذنا باتجاه اليسار واستمر الطريق حتى اتصل مرة أخرى بعد نهاية سور المزرعة ثم مررنا في الطريق على بئر تسمى «بئر زبدة» جهة اليسار وأخرى تسمى «بئر العويجاء» على اليمين. ويستمر الطريق المردوم ونمر ببعض الأحبال من النفود الناعم من السوافي الممتدة تسمى «نفود الهمل» على احداثية «000 35 23» «000 33 49» يصعب السير فيها ثم يدخل الطريق المردوم في هذا النفود ويختفي فيه ويتقطع حتى لا يكاد يتضح. |
وبعد مسافة ينتهي النفود إلى أرض صلبة يسهل السير فيها، ثم يمر الطريق في بئر ارتوازية مغطاة بغطاء من الحديد وبجانبها علامة ولوحة من الحديد كتب عليها عبارة (NIBAN1) والجهاز يشير أنه بقي على ندقان «66» كم. |
ويستمر الطريق إلى ندقان كله صياهد متفرقة فيها أعلام صغيرة وهي عبارة قطع من القماش ملونة وصغيرة مربوطة على أسلاك رفيعة يراها السالك متتابعة وفيها سوافي ويخلو الطريق من الحطب ثم يستمر الطريق حتى نصل إلى «قلمة ندقان» على احداثية «273 09 23» «440 08 50» وكان المتوقع بأن تكون قرية مشهورة، وإذا بها عبارة عن شجرتين كبيرتين حولهما قلمة وبئر فوّارة كبريتية يخرج منها الماء بواسطة ماسورة قطرها «2 بوصة» ويصب في أربعة أحواض طول الواحد منها حوالي «20» متراً وعرضه «50 ،1متر» وارتفاعه كذلك، ويسكن حول البئر راعي ابل سوداني الجنسية لديه مجموعة من الابل يقوم بتدريبها للسباق يملكها رجل قطري يدعى «إبرهيم نديله» وهو من بني مرة كذلك لديه بنزين محفوظ بأوعية من البلاستيك يبيع اللتر الواحد بريال. ولما قضينا من هذا الموقع حاجتنا أراد أفراد الرحلة الاتجاه صوب موقع آخر يسمى «قلمة فيصل» وتم برمجة الجهاز نحوها واشار بأنها على درجة «145» باتجاه الجنوب الشرقي والمسافة بينها وبين ندقان «151كم» وبدأ السير بعد أداء صلاة الظهر والطريق بينهما أوله صياهد منخفضة وبالطريق أعلام مرتفعة ومرتفعة ومتفرقة تدل عليها، أما تلك الصياهد فإن نفودها غير مرتفع لكنه متصل ويتخلله بعض القيعان والأحجار، وبعد أن قطعنا من ندقان «20كم» بدأت أشجار الغضا وهي معرفة باسم «حد الغضا» على احداثية «000 04 22» « 000 34 51» ويبلغ عرضها حوالي «30كم» ثم تستمر الصياهد وندخل في منطقة «السنام» وفيها بعض الشجيرات متوسطة الارتفاع ويقصدها الناس لغرض الصيد، وبعد أن قطعنا من الطريق «123كم» تنتهي الشجيرات وينعدم النبات وتحول لون النفود إلى الصفرة يرتفع تارة وينخفض أخرى، تذراه السوافي ويرى دقيق الرمل يجري كالماء، ولكن السير فيه سهل على السيارة بحيث يمكن أن تسير بسرعة «80كم» بالساعة ولكن تكثر في النفود «الرباضات» وهي منحدرات من أحبال الرمل امتلأت بدقيق الرمل بفعل السوافي ويسهل تخليص السيارة منها بالمساعدة أو بالتعشيق الثقيل. ثم وصلت الحملة إلى «قلمة فيصل» قبيل المغرب بقليل وهي على احداثية «000 59 21» «000 57 50» بعد أن قطعنا من ندقان «180كم» وكنا نتوقع وجود حياة فيها ولكنها تخلو من ذلك إذ فيها بقايا أعمال شركة منها عدد «4» خزانات كبيرة يبدو أنها كانت تستعمل للوقود، وأسلاك للكهرباء ومرتفع من الحديد تبلغ مساحته حوالي «48 متراً» ومرتفع آخر من الخرسانة ألصق عليه شعار «مصلحة الأرصاد وحماية البيئة» بتاريخ 11/1999م وإريل مرتفع خاص بهم كذلك مهبط للطائرات مهجور، وطائرة مروحية تالفة كتب عليها الزوار بعض الذكريات وتم البحث عن مكان للنوم بجوارها وكان الجو معتدلا والنفود تذراه السوافي، وبعد مغيب الشمس بقليل توقفت السوافي وصفا الجو مع ضوء القمر ونمنا نوما هانئاً. |
|
يتبع |