وكانت وفاة القاضي الأكوع رحمه الله في شهر رجب 1419هـ أي قبل وفاة الجاسر بعامين تقريبا كتب خلالها الجاسر عدة مقالات مؤثرة في ملحق الاربعاء بجريدة المدينة أودع فيها الكثير من ذكرياته ومعارفه عن صديقه القاضي محمد الأكوع وعن أخيه القاضي اسماعيل وبث فيها شجونه فأجاد وأفاد ودفع عنه تهم بعض معاصريه وبين مكانته العلمية وفضله وما يتمتع به من خلق رفيع وأدب جم ولعله ليس يخفي شدة الجاسر رحمه الله وعدم مجاملته في العلم وقد نشرت تلك المقالات في كتاب فيما أعلم. |
والقاضي محمد الأكوع رحمه الله من مواليد نمار سنة 1321هـ نشأ في أسرة من أشهر الأسر العلمية في اليمن مع كرم الأصل وعراقة المحتد فهي تنتمي إلى القليل ذي حوال من أقيال حمير كما ذكر العديد من مؤرخي اليمن. وقد مرت به في حياته أطوار عدة كان بعضها ذو أثر ظاهر فيما كتبه تجد تفصيل ذلك في مقالات الجاسر سالفة الذكر وفيما كتبه القاضي عن نفسه في كتابه صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي وقصة حياتي وما كتبه أخيه القاضي إسماعيل الأكوع في في كتابة تاريخ أعلام آل الأكوع. وسأكتفى هنا بذكر بعض ما خلفه هذا البحاثة من تراث علمي اثرى المكتبة العربية خاصة في مجالات التاريخ الإسلامي وما يتعلق به من جغرافية وأنساب وتراجم علماء.. ألخ. |
أولاً جهوده في تحقيق ونشر تراث الهمداني: |
أعتنى القاضي الأكوع عناية فائقة بتحقيق ونشر ما وجد من تراث لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني المتوفي في منتصف القرن الرابع الهجري ويشترك معه في هذه العناية علامة الجزيرة حمد الجاسر لذلك نجد الأكوع رحمه الله يعهد إلى الجاسر الاشراف على طبع كتاب صفة جزيرة العرب الذي حققه وعلق عليه ليس هذا فقط بل ويخوله أن يحذف ويعدل من تعليقاته بما يراه مناسبا ثقة واطمئناناً إليه وإلى علمه. |
فكان مما حققه الأكوع من تراث هذا العالم الكبير الآتي: |
1) الإكليل بأجزائه الأربعة الموجودة الأول والثاني والثامن والعاشر، وقد عانى رحمه الله في تحقيقه لهذه الاجزاء وتصحيحها ما نجد وصفا لبعضه في مقدمة تحقيقه للجزء الثاني حيث قال: |
وقد قضيت في تنقيحه وتصحيحه الليالي الطوال والأيام الغوال وقطعت في تحقيق كلماته وتدقيق الفاظه وقتا كنت أنحته من نفسي نحتا وأفنيت في ضبطه وتحريره ومقابلته على أصوله ومراجعته أعز أوقاتي وأنفس ساعاتي ولقد كنت استشعر الونى في بعض الأحايين وأن أعصابي قد خارت وأن فكري قد احترق فألقي الأوراق والقلم بين يدي بدون علم ولا شعور وأسند رأسي إلى وسادة بجانبي، حتى يذهب عني الوجا، ويزول ما كنت أخاف وأحذر وهكذا دواليك كل ذلك علم الله خدمة للعلم وأمانة النقل وحرصا على حفظ روح الأصل من التحريف والتصحيف واخراج الكتاب بصورة تروق الناظرين حاملاً بين طياته الأجيال السالفة والأمم الخالية والأسلاف الأمجاد. |
ومن أغرب ما سمعت ما أخبرني به ثقة أن شابا من قليلي البضاعة جاء إلى الشيخ حمد الجاسر وقال له بأن الأكوع قد غير أو اضاف على الجزء الأول من الإكليل ما ليس منه فاعترت اشيخ حمد حدة وقال من أخبرك بذلك هل اطلعت على نسخة الإكليل فأجاب الشاب بالنفي فطلب الجاسر من بعض خاصته أن يحضر مصورة مخطوط الإكليل عن مكتبة برلين من مكتبته العامرة وطلب من الشاب أن يبين له أين يقع تصرف الأكوع، فحار الفتى ولم يملك جوابا، فنهره الشيخ حمد وعاتبه وكان ذلك سببا في عودة هذا الشاب إلي الجادة في التزود من العلم والتثبت قبل إلقاء القول على عوانهن خاصة في حق أهل العلم. |
2) صفة جزيرة العرب وقد طبع أولاً باعتناء الشيخ حمد الجاسر ثم أعيد طبعه عدة مرات كان آخرها فيما أعلم عن مكتبة الارشاد في صنعاء عام 1410هـ. |
3) تفسير الدامغة وهي قصيدة طويلة مع شرحها أجاب بها الكميت بن زيد من شعراء الشيعة. |
4) المقالة العاشرة من سرائر الحكمة. |
5) الجوهرتان العتيقتان وهذا قد طبعه العلامة الجاسر واضاف إليه بحثا ممتعا عن التعدين والمعادن في جزيرة العرب عام 1408هـ. |
6) المطالع والمحارم. |
والكتابان الأخيران لم أطلع عليهما مطبوعين وإنما أخذت ذلك عن مقدمة كتابة الإكليل. |
ثانياً جهوده في تحقيق بعض المخطوطات الهامة: |
حقق رحمه الله الكثير من المخطوطات التاريخية وعلق عليها تعليقات تدل على طول باعه في هذا الفن وله نقدات لبعض اخطاء المؤرخين والنسابين تدل على تمكن ودراية من هذه المخطوطات: |
1) المفيد في أخبار صنعاء وزبيد لعمارة اليمني وتعليقات الأكوع على هذا الكتاب وما بثه من فوائد لو جمعت لكانت كتاباً مفيداً. 2) قرة العيون بأخبار اليمن الميمون أبي الضياء عبدالرحمن بن علي الديبع. 3) السلوك في طبقات العلماء والملوك للبهاء الجندي في جزئين. 4) العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية لعلي بن الحسن الخزرجي. 5) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لمحمد بن صالح العصامي الصنعاني. 6) ديوان محمد بن حمير الوصابي. 7) نظام الغريب في اللغة لعيسى الربعي الوحاظي الحميري. 8) نزهة المعتبر في فضل جبل صبر للمخلافي. |
ثالثاً جهوده في التأليف: |
1) اليمن الخضراء مهد الحضارة. 2) الوثائق السياسية اليمنية من قبيل الإسلام إلى سنة 333ه. 3) الجزء الأول من صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي وقصة حياتي. هذا ما اطلعت عليه من مؤلفاته ويذكر الجاسر رحمه الله أن له كتاب لسان اليمن من أعلام العرب ويذكر الأكوع رحمه الله في مقدمة كتبه ما يفيد أنه قد طبع له: 4) عالم وأمير. 5) الجزء الثاني من صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي. |
كما يذكر بأن له مؤلفات تحت الطبع هي كالآتي: |
1) الجزء الثالث من صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي. 2) الجزء الأول من المعجم المفهرس من بلدان اليمن وأنساب قبائلها. وقد سألت عنه أخيه القاضي إسماعيل الأكوع فأفاد بأنه قد شرع في كتابته وكان ينوي اتمامه إن كان في العمر فسحة لكن توفاه الله ولم يكتب إلا جزءاً يسيراً منه. 3) الفرقة المطرفية والحسينية والنشوانية باليمن. 4) العلويون باليمن. 5) المشايخ والأقران. |
ليس ما ذكرت هو كل جهود الأكوع العلمية بل إنه قد درس فأفاد منه الكثير وكتب العديد من المقالات واشترك في الكثير من المؤتمرات العلمية منها المؤتمر الأول لتاريخ الجزيرة العربية الذي عقد في الرياض سنة 1397هـ في رحاب جامعة الملك سعود وقام برحلات عديدة إلى أقطار إسلامية شتى وظل رحمه الله مثابرا مجدا في البحث والتنقيب عما يتعلق ببلاده بل بتاريخ العالم الإسلامي وليس أدل على ذلك من الرسالة التي بعث بها الجاسر قبيل وفاته بأيام وفيها خبر عن كتابل الإبل للهمداني وعن كتاب الوشي المرقوم وملاحظات استجدت لديه عن اسماء مواضع يمنية وردت في مخطوطة كتاب الجوهرتين بصور مختلفة هذا مع ما كان يعانيه من كبر السن ومرض الشيخوخة فقد كان رحمه الله حين كتابةالرسالة قد بلغ الثامنة والتسعين لكنه علو الهمة والتفاني في العمل التي نفتقدها في الكثير من شبابنا هذه الأيام، رحمه الله القاضي محمد الأكوع وغفر له ومتع أخاه القاضي اسماعيل بالصحة والعافية ونفع بعلمه. |
|
محمد بن فهد بن معتق العوفي الحربي جدة |