الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th April,2006 العدد : 149

الأثنين 19 ,ربيع الاول 1427

العقل الجميل 2

*محمد جبر الحربي:
هل كانت مصادفة أنْ كتبنا عن العقل الجميل الدكتورة فاطمة الوهيبي، ثم سمعنا الخبر المفرح بنيْلها جائزة باشراحيل عن النقد والدراسات؟!
لا لم تكن مصادفةً، لأنّها حاضرة بقوة وأناة وجلَد في المشهد النّقدي السعودي، لا تجسيداً للذات بشكل مريض، ثم ليذهب العالم إلى الجحيم، ولا رغبة في الإدهاش حتى ولو بقلب كلِّ ما يمكن ومنه الحقيقة، والطاولة على الآخرين، ولكن لأنّ الدكتورة الوهيبي تحمل رسالة وهماً نلمسهما بوضوح في كتابها الأحدث (المكان والجسد والقصيدة: المواجهة وتجليات الذات) الصادر عن المركز الثقافي العربي.
يحقق كتاب المكان والجسد والقصيدة: المواجهة وتجليات الذات حلم فاطمة الوهيبي في إخراج اهتمامها بعلاقة اللغة بالجسد والتجسُّد وبالعري واللباس إلى النور، وهي تدرك حساسية هذا الموضوع كما تقول كلّما تعلّق الموضوع بالمرأة. لكنّها بعقلها الجميل وشجاعتها تنجزه كما تشتهي ليضيف لمكتبتنا قيمة جديرة بالحضور وبالتجلي.
لو كان منجز هذا الكتاب هو الدكتور العزيز عبد الله الغذامي لما أعرته نفس الاهتمام، وهو الناقد المتغيّر أبداً، وقد كان المتطلع بتميّز إلى القيمة لدى الأنثى، في كتابه الكتابة ضد الكتابة، حيث خصّني أو خصّ قصيدة (خديجة) بنظرته المميّزة حين جعل بطلتها نموذجاً للمرأة الفعل، لذلك أشعر بسعادة أن أشير لهذا الكتاب الجميل وأعني (المكان والجسد القصيدة) لا لأنّه يدعم نظرتي للمرأة وفعلها الإبداعي، وللمرأة كقيمة أولى للحضارة لديّ، ولكن لقيمة هذا البحث التي تأخذ بعدها الأوسع عندما تصدر عن امرأة تعايش التفاصيل أو تحاذيها بشعور اللغة الأنثى، ثم أن تؤثثه بقيمة الإبداع النسوي المسكوت عنه، إنْ لم يكن المرأة المسكوت عنها.
تخصص الوهيبي كتابها لشعر المرأة في المملكة عبر تجارب إحدى عشرة شاعرة، تبحث في شعرهم عن التعالق بين المرأة والمكان والقصيدة، مستندة على ثلاثة محاور هي: اللغة والجسد والعالم، أنثوية المكان، أنثوية الشعرية. وهي لا تكتفي ببحثها بل ترفده بببلوجرافيا تشتمل على قراءة مختصرة لسير الشاعرات المعنيّات بالبحث، وأخرى للشاعرات اللائي أصدرن مجموعات شعرية، وكشافاً للدواوين والمجموعات الشعرية حسب تواريخ صدورها، وجدولاً للشاعرات اللائي لم يصدرن مجموعات شعرية لكنهنّ ينشرن وينشطن منبرياً، وأعتقد أنّ في هذه الروافد فائدة كبيرة للباحثين والمهتمين بأدب المرأة في المملكة.
الشاعرات اللائي اختارتهن الوهيبي لبحثها ينتمين لمدارس ومغارس مختلفة ومتباينة تبايناً شديداً، لا من ناحيتيْ الشكل والمضمون فحسب، ولكن من ناحية ماهية الشعر، معناه، وقيمته.
فمن ثريا العريض وخديجة العمري وأشجان هندي، إلى فاطمة القرني، إلى فوزية أبو خالد، إلى هدى الدغفق وبديعة كشغري .... مما يشير إلى أنّ الدكتورة مهتمة بضالة البحث وموضوعه، وبإثبات رؤيتها أكثر من اهتمامها بالقيمة الفعلية للتجارب، أو القصائد.
نعود لما بدأنا به، ونلقي الضوء على الفصل الثالث: إشراع الكهف وتفعيل القصيدة.
وقد تناولت فيه الناقدة ثلاث تجارب: تحت ثلاثة عناوين هي: الخروج ويوتوبيا القصيدة،أهل الكهف - شلة الفصل، وكهف الذات وكهف اللغة.
والحقيقة أنّ الوهيبي كانت موفَّقة أيّما توفيق في الدخول لعالم القصيدة (لم نكن في مكان) لدى الشاعرة خديجة العمري، وفي إثبات بغيتها حيث تقول: (وتيمة الكهف تستدعي كوكبة من التيمات الأصغر تدور في أفقها، فهناك النوم والعنكبوت من جهة، وهناك المغارة التي تنفرج ويعقبها الانحسار والخروج، وثمة مع هذا وأثنائه التوق الإنساني والرغبة الجامحة في كسر حصار الكهف والخروج من الكهف - المكان، وكهف الذات، وكهف اللغة إلى العالم. إنّ نزعة التحرُّر والخروج تنكشف في الرغبة في كسر القيد بكلِّ تجلياته وأنواعه، والانطلاق للاستمتاع بلذّة الخلق والوجود في العالم وفي القصيدة: لتساهم في تغيير العالم. لقد أعجبني هذا المدخل وما سبقه، وأحسست بقدرة الدكتورة على استقراء القصيدة - الحالة - الأزمة - الحياة الراهنة، والحياة المبتغاة.
أمّا الخروج من الكهف، والقصيدة الفوارة بحلم الخروج والتغيير فنعود لها ولتجليات الوهيبي في الأعراف القادمة.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved