الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th April,2006 العدد : 149

الأثنين 19 ,ربيع الاول 1427

هكذا تكلمت النساء...!!
*أمل زاهد:
حدثتني بصوت مرتعش، يتقطع ما بين آونة وأخرى كي تلتقط أنفاسها وتستجمع شجاعتها وتنفض عنها كبريائها الجريح، لتتدثر بدفء البوح وتلوذ بحميمة جدرانه. لم تكن حكايتها بالغريبة أو المتفردة، بل هي حكاية تعيد ثقافتنا انتاجها كل يوم بصور مختلفة وأشكال متباينة، وهو ما أطلق عليه: إعادة تكرير القمع الذكوري للمرأة في حقبة ما بعد التحديثات في المملكة.. تلك التحديثات التي كان أهمها بالنسبة للمرأة هو التعليم الرسمي الذي فرضه الملك فيصل رحمه الله رغم الممانعة الاجتماعية منذ نيف وأربعين سنة.
إنها حكاية المرأة التي حباها الله بقدر من الفطنة والذكاء والتميز، ولم يستطع الذكر الذي يقوم عليها أن يبتلعه أو يتعايش معه، في نفس الوقت الذي تمنعه فيه ظروفه الاقتصادية وشباك ضروريات الحياة وكمالياتها الملتفة حول عنقه من أن يطبق على أنفاس ذلك التميز، فيقرر أن يمنحها بعض الأنفاس مع التحفظ الشديد على كل ما يمكن أن يساهم في بروزها أو تفوقها، لتبقى آلة تساعده على اعباء الحياة، دون أن تملك حق اتخاذ أي قرار مصيري يتعلق بمستقبلها المهني دون استجداء وإذلال وإراقة لماء الوجه حتى تحصل على ما يفترض أنه حق مشروع لها!! هذا إذا لم يتم منذ البدء وأد طلبها في مهده وقتله قبل أن يتنفس!!
ولو قدر لكثير من النساء المقهورات في بلادنا أن يتكلمن عما يثقل كواهلهن لشاب من هول حكاويهن الولدان.. ولأننا لا نستطيع أن نفصل الرجل والمرأة عن الثقافة السائدة في المجتمع فلا نستطيع أن نحمّل الرجل فقط وزر ذلك الظلم، فالقضية قضية ثقافة توغل في تأطير نرجسية الرجل وابرازها ونفخها في نفس الوقت الذي تغرق في إشعار المرأة بنقصها ودونيتها وعدم أهليتها ومن ثم تمرير ذلك الشعور لها وغرسه في عقلها اللاواعي!!
ورغم ما جلبه تعليم المرأة في معيته من امتيازات للمرأة ومن متغيرات اجتماعية مكنت المرأة من امتلاك زمام الاستقلال الاقتصادي الذي يشكل دون شك احدى الوسائل الناجعة التي تحارب بها الظلم الذي يقع عليها، فلا تزال مكانة المرأة الاجتماعية تراوح مكانها، ولا تزال تلك النظرة الدونية البعيدة تماما عن روح الإسلام تلتف بها لتجعل أحيانا من مجرد معرفة اسم الأم أو الأخت احد الأسلحة التي يشهرها الفتى في وجه زميل له أوقعه سوء حظه في ذلك المأزق!! القدرة على الحكي والسرد كان احدى الحيل التي تخلص المرأة من الظلم والاضطهاد، فشهرزاد (المرأة الأشهر في المخيلة العربية) تحايلت على حبل الموت الملتف حول عنقها عبر مهارتها في سرد الحكايا، واستخدمت ذكاءها وفطنتها كي تطوع رجل هوى سفك الدماء وقتل الإناث اللواتي رأى فيهن رمزا للزوجة الخائنة.
وتتساءل فاطمة المرنيسي في كتابها (شهرزاد ليست مغربية) ألم تكن ثقافة شهرزاد التي أتيحت لها عبر انتمائها الطبقي هي المنقذ الحقيقي لشهرزاد؟! ولذلك ترى المرنيسي أن قصة شهرزاد لا تزال معاصرة لأنها تطرح مسألة المعرفة كسلاح للاستمرار ومقاومة الظلم، فقضية المرأة ترمز لقضية الإنسان المقهور والمقموع الذي يقع عليه طغيان الجبابرة واستبداد العتاة، وأهم ما تطرحه قصة شهرزاد هو الاستراتيجيات التي يستخدمها الضعيف والمغلوب على أمره كي يتحدى الظلم. وأهم تلك الاستراتجيات هو التمكن من سلاح العلم والثقافة والوعي الذي يمكنه - حتى لو عبر التحايل - إلى التملص من شباك الظلم والقهر.
والمرنيسي أيضا تطرح قضية أخرى وهي أن عصور الانحطاط والتخلف في تاريخنا العربي هي تلك التي يبحث فيها الرجل عن المرأة الجاهلة التي يخشى على تألقه من بروزها، وأن الرجل العربي في العصور الذهبية لم ير في نموذج المرأة المثقفة والعالمة تهديدا لمكانته أو انتقاصا من قدره، فالمرأة تعكس المستوى الثقافي لشريكها واهتماماته وهي مرآة المجتمع التي تتمثل فيها أحواله، وينعكس من خلال صورتها ومكانتها في المجتمع النسق الثقافي السائد والمسيطر في محيطها.
ولعل الإشكالية الأكثر تعقيدا في وقتنا الحالي والتي تجعل من الحديث عن قضية المرأة احدى القضايا الشائكة في مجتمعنا، هي أن الموقف من هذه القضية يأخذ بعدا رمزيا لعلاقة الحداثة بالتقليد وهي قضية لا تزال تتأجج في مجتمعاتنا ولم يتم حسمها لحد الآن، فالحداثة غالبا ما تصور على أنها مناهضة للأصالة والهوية والخصوصية المجيدة وليست تأسيسا معرفيا لتحديثات شرع فيها مجتمعنا منذ زمن دون أن يكون هناك عماد ترتكز عليه وتعتمد على قوته!! فتأخذ قضية المرأة هذا البعد الذي يجعل من مجرد الاقتراب منها معبرا لتمرير تهم التغريب والعلمنة وإفساد المجتمع والسعي إلى تفكك الأسرة، وإطلاق الأحكام على عواهنها التي تتجاوز الظاهر زاعمة معرفة النوايا والبواطن!! مما يجعل أي متحدث أو متحدثة عن حقوق المرأة هدفا تصوب إليه الطلقات والهجمات، حتى لو انطلق من منطلقات دينية مع الاغفال التام أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من ربقة العبودية بكافة أشكالها وأنه سعى إلى تحرير المرأة بصفتها شقيقة للرجل وشريكة له.
تعي المرأة الآن أن الحكي أو الكلام ليس فقط وسيلة للتنفيس ولكنه سلاح ماض تستطيع المرأة أن تتمنطق به كي تغير أوضاعها السيئة، وأن تسليط الضوء على الظلم الذي يمارس عليها وعرض مشكلاتها على رؤوس الأشهاد قادر على تحريك المياه الراكدة.
ولذلك سردت رانيا الباز قصتها في كتاب (المشوهة) الذي كُتب بالفرنسية وتمت ترجمته إلى العربية، ووضعت فيه تفاصيل حياتها تحت مجهر العرض والفرجة بشجاعة وشفافية غير مبالية بما قد يجره عليها ذلك العرض من اتهامات وإدانات، إيمانا منها أن التوجه إلى العالم سيساهم في تحجيم تلك الممارسات مع تأكيدها أن تلك الممارسات الظالمة لا يقرها الإسلام ولا توافق عليها الشريعة. رغم انفتاح اعلامنا في الوقت الحالي على عرض ما ظل مسكوتا عنه لمدة طويلة، ورغم حكايا العنف الأسري والاضطهاد وإعضال المرأة عن الزواج.. ورغم إساءة استخدام حق القوامة الذي يتم بواسطته فتح قنوات متعددة يعبر من خلالها الظلم الاجتماعي مع التجاهل التام لكون القوامة تكليف أكثر منها تشريف!! إلا أننا نجد من يرفع أصابع الاتهام في وجوهنا.
وسأختم بعبارة وجهها لي قارئ يعترض على طرحي في احدى المقالات قائلا: فلتغمدي يراعك وليطمئن قلبك وثقي في كلامي فجميع من يتغنى بظلم المرأة والحاجة لانتشالها من براثن الذكورية المقيتة ما هم الا من شر اثنين: اما صرعى (الدون كيشوتية) في أسوأ صورها أم أنهم أصحاب (أجندات خفاشية) وغايات أخرى ولا تنسي أن الذئب لا يأكل من الغنم الا القاصية!!


Aaz868@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved