الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

المسيح
تداخل الديني.. والسياسي
سالمة الموشي
لم يكن ظهور فيلم آلام المسيح هو الأول من نوعه الذي وظف السياسي في السياق الديني، فقد استغلت قصة المسيح على نحو كبير في الدراما الغربية على مدار السنوات الماضية، ففي العام 1964 أنتج فيلم (انجيل متى) وهو فيلم عمل على ربط مأساة المسيح بالفكر الثوري، وطبقة البروليتاريا في العالم الثالث، بدت فكرة الأفلام التي تتناول حياة المسيح من أكثر الأفلام تأثيراً، لأسباب دينية، وسياسية، واجتماعية، وتسويقية، وقد سبق فيلم آلام المسيح أفلام تناولت ذات الفكرة والهدف مثل فيلم (أليس جي) و(حياة المسيح) و(قبلة يهوذا) (ميلاد المسيح) (نجمة بيت لحم) و(من المهد إلى الصليب) والقائمة تطول فهناك أفلام صامتة أيضاً تناولت حياة المسيح مثل فيلم (بن هور) و(ملك الملوك) ومسرحياً (مسرحية يسوع المسيح سوبر ستار) الذي ظل يعرض على مسارح لندن لمدة اثني عشر عاما متواصلة.
في محاولة شبه يائسة لم تتوقف الدراما الغربية عن الاتجاه إلى اعادة تكريس القيم الروحية التي بدأت في التلاشي في مجتمعاتهم، هذه المجتمعات التي تحولت إلى الصناعية والرأسمالية ثم إلى فقدان الكثير من القيم الروحية وهذا الفقد للقيمة الروحية اعتبر أحد أهم محرضات السينما الغربية في توجهها الدرامي إلى إنتاج الفيلم الذي يلامس الروح الدينية، والقيم الإنسانية العليا، ويأتي ظهور فيلم آلام المسيح أو
the bassion تعبيراً عن الحاجة إلى إعادة مثل
هذه الروح إلى ثقافة المرئي.
ذات زمن بعيد عبر المخرج اليهودي (ميل بروكس) عن رأيه في صورة اليهودي في السينما العالمية قائلاً: كيف يمكن ان نصنع دراما دون يهود، أو شواذ، أو غجر..!! منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تغيرت رؤية اليهود إلى ذواتهم وصناعة تقييمهم، ونظرتهم للسينما العالمية ونلمس هذا التحول في عبارات مرفين هير مؤسس مركز سايمون وهو مركز يهودي أمريكي قائلاً: (إن فيلم آلام المسيح يصور اليهود بشكل فظيع ويتسبب في ضرر بالغ لهم، ويستعدي كل أعداء اليهود).. ومن هنا بدأت الحرب العالمية على الفيلم ومخرجه ميل جيبسون.
حاول اليهود عبر الحقبة الماضية والطويلة تجميل صورة اليهودي في السينما العالمية، فكان اليهود من أكثر الجماعات غضبا لظهور فيلم آلام المسيح، فقاموا على إثر ذلك بإعادة عرض فيلم (قائمة شندلر) الذي يصور مزاعم اليهود في محارق النازية الذي ظهر في العام 1994 وهو فيلم لم تتوانَ اليهودية العالمية من تسويقه مثلما سوقت لفكرة الهلوكوست، حيث قامت باستغلالها سياسياً وعلى نحو فريد لسنوات طويلة وحتى يومنا هذا.
في رواية (الإغواء الأخير للمسيح) كذلك نجد مثل هذا الجدل حول تناول المسألة الدينية في حياة المسيحيين والتي عادة ما تربط بالكنيسة، وتعاليم المسيح، فرواية الاغواء الأخير للمسيح لنيقوس كزانتزاكي من الروايات التي ارتبطت بالسينما العالمية في فيلم من اخراج مارتن سكورزيزي في العام 1988، وشهدت إثر ذلك جدلاً واسعاً واختلافاً في تقييمه، وتقبل الأفكار المطروحة فيه، فقد اعتبرها النقد اللاهوتي تمثل شخصية المسيح على انه شخص عادي وليس له تأثير قوي على اتباعه مما أثر التحفظات حوله.
باعتبار كل هذه الافلام تناولت فكرة حياة المسيح، ما الجديد في فيلم آلام المسيح لميل جيبسون..؟؟! الحقيقة ان الفيلم ظهر في توقيت مختلف عما كانت عليه الحال في عرض الافلام السابقة، فهو قد ظهر في الوقت الذي يعاني العالم صراعا بين الحضارتين الغربية والشرقية، صراعا بين الأديان متمثلا في المسيحية والإسلام، واتساع الهوة بين الأطراف كافة، وبين هذا وذاك لا يمكن اغفال وجود اليهود كطرف خفي، وأكثر شراسة في مؤثر الدراما الغربية مثلما هو كذلك في السياسة الغربية.
اعتبر فيلم آلام المسيح من وجهة نظر يهودية معاديا للسامية لأنه يجعل اليهود في مواجهة تاريخية عن مسؤوليتهم التي لا يريدون الاعتراف بها في حقيقة صلب المسيح، وهو ما وضحه القرآن الكريم في قوله تعالى {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (157) سورة النساء. هذه الآية الكريمة أيضاً تفسر طبيعة الجدل والتحفظ على عرض الفيلم في كثير من الدول العربية والخليجية.
يأتي ظهور فيلم (آلام المسيح).. لميل جيبسون بعد مرور مائة عام على ظهور أول فيلم من هذا النوع وهو (حياة وآلام يسوع المسيح) الذي تدور أحداثه حول، وعن حياة المسيح، بمعنى انها ليست المرة الأولى التي تتناول فيها السينما الغربية حياة المسيح، ولكن الضجة الإعلامية ومقابلها الاحتجاج من قبل اللوبي اليهودي في المحافل الدولية ظهر نتيجة التطورات السياسية المستجدة والتي عززها اليهود لصالحهم، إضافة إلى اختلاف مواقع، وقوة اليهود في العالم كافة، وتحولهم من أقلية منبوذة إلى أقلية أيضاً ولكن بقوة ضاربة على المستويات كافة لدرجة التأثير الجدي في، وعلى وسائل الإعلام الغربي، والتدخل في صنع الأفكار بما يتناسب وتوجههم السياسي.
يعمل اليهود لتغيير صورتهم التاريخية لدى الشعوب، فقد أدركوا حجم صورتهم المشوهة في الثقافة الأوروبية من رواية، ومسرح، وسينما والتي أظهرت بدورها اليهودي بصورته الفظة سواء في الدراما، أو الكوميديا فهم ليسوا إلا أولئك الأشخاص الجبناء، والبخلاء، المرتزقة، والمخادعين، المرابين.. الخ كما في مسرحية (يهودي مالطا) و(شيلوك) في رائعة شكسبير تاجر البندقية، ولهذا يتفهم الأوروبيون انتقادات اليهود تجاه تاريخهم المشوه في حقيقته، وقد استطاع اليهود تحقيق بعض من هذا التغيير نتيجة لتخفيف المجتمعات المدنية من سيطرة الكنيسة وسطوة اللاهوت عليهم.
في اتجاه آخر عبر ميل جبسون القائم على العمل آلام المسيح في مقابلة أجريت معه قائلاً: (انه انما يعرض في الفيلم رؤيته للساعات الـ12 الأخيرة من حياة المسيح طبقا لرواية الإنجيل، وان معاداته للسامية ليست صحيحة، وانها مخالفة لمعتقداته).. وهو ما عبر عنه الفاتيكان يوحنا بولس بعد مشاهدته للفيلم قائلاً: (إنه مطابق لما حدث تماما وانه تصوير صادق لما ورد في الانجيل للساعات الأخيرة في حياة المسيح).


salmoshi@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved