الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

المباح اللفظي.. المباح الفقهي
أحمد علي آل مريع *

الكلمة أمانة قبل أن تكون بياناً، ولذلك كانت جهاداً كما كانت جمالاً، وكان الوحي كلاماً!! وكان فاتحة العمل العلم:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} وكان اجتراح النُّقلة من الظلمة إلى النور (اقرأ)، ومن الكفر إلى الإسلام النطق بالشهادتين!! فالكلمة بما أودع الله فيها من الأسرار والتأثير، وبما هيأ الله لها من القبول في نفوس البشر، ذات فعل عظيم وخطير، قد يبلغ حد السحر، فتسحر أعين الناس، وتُموِّه الواقع، ولاسيما حين تتجلى في معارض التأثير والخصومة، اذ تصور الحق باطلاً والباطل حقاً، او تُجعل مطيةً يبلغ بها الدَّعيُّ، حين يعجز عنها ركوبها العيي، ولذلك حرَّج الرسول، على البليغ الذي يكون ألحن في حجة فيقتطع ما ليس له، حرَّج عليه ما يجره بيانه من مكاسب غير نزيهة، بتأثير البيان. وبيَّن أن سلطان البلاغة وتأثيرها ولو بلغا ما بلغا، لا يحلان حراماً ولا يحرمان حلالاً، وبيَّن أنه، وإن بلغ بالإنسان بيانه، فهو إنما يجرجر قطعة من النار فليأخذها او ليدعها، لان المعتبر هو الحق بعينه، وليس الحق المصنوع المموَّه، وفي هذا المعنى ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إنما الشعر كلام!! ما وافق الحق منه فهو حسن وما خالفه فلا خير فيه).
وقد ضرب تعالى مثلا عجيباً للكلمة الطيبة، بالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، الشجرة الطيبة التي يشير إليها القرآن خير مثل للكلمة الطيبة، جمعت الحياة، والنفع والثبات، والانشراح والارتفاع، والعطاء المستمر بغير حساب، مع كونها من العالم الذي تعيش فيه، متصلة بمادة الطين الذي تضرب بجذورها في أعماقه، وهذا المثل في حد ذاته، إشارة بلاغية ولغوية بالغة الإيحاء، وتؤكد الدراسات العلمية الحديثة ان الشجرة أحد أسباب وجود الحياة على كوكب الأرض، لانها تمتص السموم من الجو، وتنفح الاوكسجين النقي، والروائح العطرة الزكية. فتعيد العالم إلى نقائه وترد عليه عافيته وسلامته كما ترد الكلمة الطيبة الناس إلى حياض الفطرة النقية والخلق القويم.
هذا الفهم لطبيعة الكلمة وقيمتها، لا يعني الحجر على التعبير، او التضييق على أرباب البيان، فالدين متين لا يضيق بحاجات الإنسان الفطرية وميله الطبيعي إلى اللهو البريء، بل هو مبني على{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وعلى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} والدين كما أن فيه (العزائم) فيه (الرخص).. ومساحات التعبير مشرعة وواسعة كما هو المباح الفقهي بالنسبة للمحرم الفقهي. الا أن من العقول فهوماً تضيق على أصحابها حتى ترى العسر اصلاً، واليسر اضطراراً، فتحجر الواسعات، وتسد الطرق اللاحبات للحاجات الإنسانية البريئة، وتتجاهل بصلف اختلاف الأنفس، وتتناسى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} والذي على أساس منه تتعدد الاهتمامات ليعمر الكون {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}. وإذا قاعدة (أوغل فيه برفق) تستحيل عند ضعيف النظر تميُّعاً، وإذا ( ما شاد الدين أحدٌ إلا غلبه) تؤول خلاف مرادها فتجعل التنطع أصلاً، وإذا ( كونوا عباداً إخواناً) تستحيل لعنات تتراشقها الألسنة، تقطّع لها نياط قلوب الأولياء.. ويرقص لها فرحاً الأعداء. وتنقلب السماحة نواة أضيق من سم الخياط.
والعيب حينئذٍ ليس في مقررات النصوص وحاشا النصوص بل البلية في فهمها على غير وجهها، وتقييد مطلقها بتقاليد وأعراف وأذواق شخصية لا تقوم بذاتها لتكون قيداً، وما كل مجتهد بمصيب، ورب حامل فقه جمع الاقوال والنصوص فأوعى لكنه ليس بفقيه، ورب ناظر لم يبلغ مرحلة الذين يستنبطونه: التي هي فوق الشرح والتفسير والفهم والتأويل، يتحول فيها العقل الحاذق المدرب على الشريعة إلى شريك في التشريع وفق مراد الله ومراد رسوله ومقاصد الشريعة، أو كما هو تعبير ابن قيم الجوزية:( موقع عن رب العالمين).
نهاية الكلام أعظمه: قال تعالى:
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }.


aaljooni@hotmail.com


* الشمري: شكراً دكتور صالح سنأتي على بقية الحديث في الجولة الثالثة، وحديث الدكتور عبدالله سنستأنفه الآن، ولنا سؤال هو كيف يكون للمحرر ثقافة؟ فما هو المعيار الحقيقي لثقافة المحرر من أجل أن يتصدى لطرح مثل هذه القضايا التي أشرت إليها سابقاً؟
*دكتور عبدالله: هذا السؤال من الصعب الإجابة عنه لأنه ليس هنالك معايير معينة وسأجيب عن هذا السؤال بعد حين.
* المعيقل: ولكنني أردت أن اقول: إنه رغم ما قلت قبل قليل من مآخذ على الصحافة الثقافية، ورغم ما قاله زميلي الدكتور صالح أيضاً على حكاية الرؤية وطبعا هنا نحن لا ننكر فضل الصحافة الثقافية لأن مادة الصحافة الثقافية بخلاف الكتاب مثلاً عندما يألف شخصا ما كتابه يظل هذا الكتاب يمثل المرحلة التي ألف فيها ووجهة نظر الكاتب في تلك المرحلة، لكن الصحافة الثقافية تواكب المجتمع فترة طويلة وممتدة، ويحكم هذا الامتداد الزمني الطويل تطلعنا على تحولات وتطورات الأدب والثقافة في هذا المجتمع لفترة طويلة والصحافة تشكل مادة مهمة للدراسات العليا مثل الماجستير والدكتوراة.
بخصوص المحرر المطلوب منه أن يكون واثقاً من المصادر رغم أنني لا أضع إطاراً معيناً، وأن يبحث ويطلع لكي يقدم معلومات دقيقة.
وبعد هذا بقيت عند ملاحظات على المجلة، واذا رأيتم أن اقولها الآن من خلال متابعتي للصفحة الثقافية بجريدة الجزيرة قبل أن تتحول إلى مجلة ثقافية ولم أجد أي تغيير أو إضافة الا في الشكل، بمعنى أن الصفحة الثقافية انتقلت من الجزيرة كصفحة يومية إلى هذا الشكل الذي نراه بمعنى أن الكتاب هم الكتاب والطرح هو نفس الطرح، وهذا هو الانطباع الذي يتبادر إلى ذهني، وأنا على خلاف لما قاله زميلي أبو أحمد الدكتور عبدالرحمن، وأنا أعتبر أن المجلة بهذا الشكل لا يمكن الاحتفاظ بها، وعندما كانت صفحة داخل الجريدة كان من الصعب الاحتفاظ بها،ولو قللت المجلة مما يسمى بالخواطر، وأحياناً هنالك خواطر رومانسية غير مناسبة، ولاحظت أيضاً عدم التزام بعض الكتاب بالتوفيق، وهنالك زوايا جيدة مثل قراءة.. وهي زاوية جيدة.
بقيت نقطة واحدة وهي تكريم الأدباء، وأنا أفتكر أن التكريم لا يخلو من مجاملة.
* الشمري: الجولة الأخرى مع الأستاذ خالد اليوسف وبودي أن تكون مشاركة في حدود خمس دقائق نسبة لضيق الوقت تفضل الأستاذ خالد، وبودي أن تتحدث عن موضوع الانترنت وتأثيره على المشهد الثقافي بشكل عام، وعلى المجلة الثقافية بشكل خاص، وتقف على تجربتك الشخصية عن المجلة الثقافية.
*اليوسف: هنالك تحولات في الساحة الثقافية وهذه القفزة المعلوماتية التي نلاحظها كلنا وكثير منا يدخل إلى هذه الشبكة حتى المجلة الثقافية أصبحنا نتصفحها من خلال موقعها في شبكة الانترنت، والانترنت قراءة تصفحية سريعة عبر الشبكة، ولكن المجلة كمجلة نقرؤها بارتياح وأكيد شبكة الانترنت لمن له قدرة على التصفح وسرعة الوصول للمادة، وهي متابعة من القراء والباحثين أيضا،ً وفي إمكاننا أن نحتفظ بها على شكل بحيث كل القصائد التي نشرت في أسبوع، وهذا يختلف عن رأي الدكتور عبدالرحمن والدكتور عبدالله إذ في إمكان القارئ أن يكون ملفا لكل مادة ويحتفظ بها، وفي شبكة الانترنت المستفيد هو المتلقي، وبذا نجد أن الانترنت خدمت القراء والصحف في آن واحد، والإنترنت يعطي خصوصية للقارئ والباحث والمتلقي.
* الشمري: تجربتك الشخصية يا أستاذ خالد مع المجلة الثقافية كيف تراها؟
* مهما كانت تجربتي مع الثقافية، فلها فائدة كبيرة، فهي مجلة متخصصة، وهذا في نظري أهم من الإبداع، فلو نظرنا إلى الإبداع القصصي أو الشعري مثلاً وتحليل الكتب بتفصيل أكثر أيضاً للقراءات النقدية، وأيضاً عرض الكتب ليست مشتتة، وإنما في صفحتين متخصصة، وأنا أعتبر أن المجلة إضافة كبيرة للثقافة.
* الشمري: ونعود للدكتور صالح ليحدثنا عن تحول المجلات المحكمة هل يمكن لها أن تتحول بمعنى إلى شبه محكمة في ظل هذه الظروف التي تستدعي التحول السريع من أجل إعطاء فرصة للقارئ أن يقبل على هذه المجلة أيضاً الشق الآخر تجربتك الشخصية مع مجلة الجزيرة؟
* صالح زياد: المجلات المحكمة عادة أنشئت لغرض خاص وللأبحاث التي توليها من ناحية التغطية والتحكيم لها، والمجلات المحكمة موجودة في كل العالم، وهي حاجة أساسية لتغطية البحث الأكاديمي، وهي بالتالي لفئة محددة من المجتمع، وهي فئة الأكاديميين، وهي مرتبطة بالفكر بشكلها المعمق والموثق والمنهج الفكري والمجلات الثقافية الموجهة للقارئ العادي مجلات تختلف اختلافا جذريا عن المجلات المحكمة من حيث الشكل والتكوين، ومن حيث طابع أسلوبها الكتابي وتوزيعها وننتقل سريعاً إلى مجلة الجزيرة الثقافية فأقول: إن المجلة الثقافية سعد بها المثقفون بالمملكة، وشكلت خطوة للثقافة السعودية وإلحاح إدارة تحرير المجلة الثقافية بالجزيرة على معرفة نمط التأثير بمناسبة مرور عام، أو حتى وضعها كنموذج للحديث عنها في هذه الندوة يمثل في نظري جانباً مهماً من جوانب اكتشاف ورغبة إدارة التحرير في تطويرها وترقية وإنهاض هذا الإنجاز.
المجلة الثقافية في نظري مجلة تخرج عن إطار النقد والثقافة والأدب بطبيعتها نخبة، وعندما أقول النخبة لا أقصد بذلك إلا طبقية اجتماعية.
والمقصود أنها موجهة إلى قارئ له اهتماماته الخاصة تجاه الكلمة والفكر والتأمل، ومن هذا المنطلق توجه المادة الثقافية بشكل عام، والمجلة الثقافية بالجزيرة إحداها إلى هذا القارئ النخبة، والقارئ النخبة هو قارئ واع ومطلع، وهو قارئ يحدد مفهوم ما يريده بشكل دقيق، وواجب المجلة تجاه هذا القارئ أن نحترم وعيه ورأيه من حيث ثقة الرؤية، والبعد عن السذاجة في طرح القضايا، وأن تحاول شيئاً من العمق في الإجابة، وفي تناوله للظواهر والقضايا والجديد من القضايا الثقافية والأدبية، ومن واجب الصحافة أن تصنع قضايا الثقافة وتروج لها وشكراً.
* الشمري: ونختتم هذه الندوة بحديث الدكتور عبدالرحمن فليتفضل..
*السماعيل: حديثي في هذه المرة سيكون مجرد تعليقات على ما ورد في أحاديث الإخوان الزملاء، أولا أريد أن أتحدث عن أهمية الرؤية لدى إيجاد أي مشروع كان ليس فقط لإصدار جريدة أو لإصدار مجلة أو ملحق أو أي عمل حتى في أعمالك الشخصية التي تقدم عليها، لابد أن تكون رؤية واضحة لما سوف تقوم به، وهذه أولى خطوات النجاح والملاحق الأدبية في صحفنا المحلية ليس هنالك رؤية واضحة، وأعني بذلك أن يكون الملحق أدبيا ويشمل كل شيء وليس هنالك حدود بين ما ينشر، وتجد فيه كل شيء، وهي عبارة عن كشكول للإنتاج، لأنك تجد فيه ما تريده، وهذا دليل على فقدان الرؤية، وعندما أقول الرؤية نرجو من مؤسسة الجزيرة أن تصدر مجلة ثقافية متخصصة ذات رؤية محددة لما سوف ينشر بها، ويعمل على هذه المجلة أناس لديهم الرؤية والخبرة الكافية، وعندهم القدرة الادارية على بلورة هذه الرؤية وإبرازها لحيز الوجود.
وأنا أعتقد أن مؤسسة الجزيرة طالما لديها الحق في إصدار آخر، فهذه الخطوة سوف تكون خطوة لم يسبقها أحد فيها، وهي خطوة مباركة بإذن الله.
أهمية ثقافة المحرر التي تحدث عنها الزملاء، فهي مهمة جداً بدون أدنى شك ولكن بشرط ألا يقع في مأزق بمعنى ألا ينزلق وراء اتجاه معين، وألا يكون متحيزاً لاتجاه معين دون آخر، ورأينا سابقاً ومازال هو أننا نرى في الوقت الحاضر تحيزات لاتجاهات معينة خاصة من المشرفين على الصفحات الأدبية ونجد أن المشرفين لا ينشرون مالا يتوافق مع أهوائهم، وهذا يضر بمصلحة الملحق الأدبي، لأنه هو نفسه محرر ومعيار، ومثل هذا المحرر لا يشرف على مجلة محكمة، وإنما هي مجلة للعامة للمثقف، ولمن يطلب الثقافة.
الملاحق الأدبية ضرورة ملحة في صحافتنا ومكملة ما في ذلك أدنى شك، ولكننا نسميها ملاحق، والملحق ليس شيئاً رئيساً.
عدم التوثيق عندما تحدث الدكتور عبدالله المعيقل عن دعم التوثيق في الملاحق الأدبية فمن خصائص الملاحق لأنها ملاحق والنظرة العامة للملحق يختلف عن الأساس أو الأصلي لأنه ملحق، فإنني عندما أقرأ مقالا أدبيا على صحيفة تعتمد على كاتبه، وربما أسأل نفسي من الذي كتب هذا المقال؟ عندما أقرأ مقالا أدبيا في ملحق مثلي ومثل الذي يقرأ مقالا طبيا، وأنا غير متخصص فيه إذ إنني لا أقرأ مقالا طبيا في مجلة طبية متخصصة ممكن أتخذه دليلاً وأساساً وأحاج به لأنه نزل في مجلة محكمة، ولذا تتردد على ألسنتنا دائماً كلام جرايد، وهذا للإثارة، وليست للتخصص، ولذا نريد مجلة متخصصة، فالصفحات الأدبية تعتمد على الكاتب نفسه. وشكراً.
* نشير إلى أن الحلقة القادمة ستتضمن المداخلات والتعقيبات وهي الحلقة الثالثة والأخيرة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved