لا أحد تفرحه ملامح الحزن يا صديقي إلا أن يكون شوفينيا... |
أطال الغياب |
طوت الخطى أشجان غربتك الدفينة! |
شرفت يا عبد السلام |
من؟! أعرفتني؟! |
كنا رفيقين في ركب الفضول!!!) |
وما دام رفيقه أو صديقه لماذا علامات تعجب ثلاث لا معنى لها إلا أن تكون علامات سخرية(!!!) |
يذكره بشيء من الماضي المشترك.. منادمة الشعر.. تأمل الكشكول قبل أن ينسج.. ببهجتهما التي يعقبها البكاء! |
الحكي دون عقل.. الذهول.. وأشياء كثيرة نثرتها الذاكرة على بساط التذكير.. أشياء طفولية ساذجة جمعت بينهما على صغر.. ماذا بعد كل هذا الاسترجاع من مفكرة الماضي البعيد البعيد؟! |
لقد اقتربا من لحظة الواقع الرجولي حيث إسراج الخيول.. والرؤى المثقلة بأحلامها وآلامها.. |
(أرأيت يا عبد السلام |
كيف اقتحمت َرؤى السلام |
وأتيت تجترح الحكايات البريئة) |
يرد عليه.. دون أن استوعب الموقف جيداً رغم جديته: |
(لا.. إنني صوت خفيض في مجالس صاحب الكشكول |
لا إبل لي فيها غير التهام الكعك.. والبنّ اللذيذ) |
ليته اختار اللبن لأنه ألذ من طعم القهوة.. يستمر الحوار.. يحور ويدور بين عبد السلام الكسول وبين صديقه صاحب الكشكول في رواية كشكولية لا تخلو من معنى.. إلا أنها تفتقر إلى صياغة أكثر وضوحاً وطرحاً للفكرة.. نهايتها بلا نهاية وانما استرجاع من جديد.. وعلامات استفهام حائرة تسأل من يكتب الكشكول..؟ من ينسج الكشكول؟ لعله يعني الكشكول ومن يذكِّر حسن وعبد السلام معاً بحكايات الفتى بهلول.. أنا بدوري أبحث عن إجابة غائبة تقنعني بجدية القصة الحوارية في شعره: |
(أبو صلاح. والفنجان الأخير) يبدو أن شاعرنا الحميد من هواة ارتشاف القهوة: |
(فنجان قهوة يبحث عنك |
وبخار سحائبها مختلطاً بدخان النار الشتوية |
في الركن المعتاد من الخيمة في رحلتنا البرية) |
شيء جميل أن يذكرنا شاعرنا بشيء من ذكريات الماضي.. وأدوات الماضي.. الإبريق.. والدلة.. والمحماس.. والمبرد.. والفنجان.. وموقد الحطب.. والخيمة.. والسمر البري.. والماعز.. ونباح الكلاب.. كلها مشاهد نسترجع ملامحها أيام شبابنا.. ونستعيدها في لحظات محدودة وضيقة من واقعنا بعد أن أنهكنا الترف.. وقدمت لنا الأطباق دون تعب وبلا طعم.. |
(ما أروع نخلة حب في الجلسه |
تأتي نسمة شوق في ومضة همسه.. |
وتشتت من مجلسنا وحشته النعسى |
وتحولها أنساً مشبوباً بالجدل الأسني) |
استرجاع جميل لصورة من الماضي طغت عليه العفوية دون تكلف ودون تصنُّع: |
(من منا ينسى؟ |
من منا يمكن أن ينسى؟) |
لا أحد ينسى أجمل ما في حياته من حياة.. ولا أحد ينسى أيضاً أشقى ما في حياته من أوجاع ومعاناة.. وحهان لحياة واحدة.. أكثر ما لفت نظري في محطات توقفنا عندها أو تجاوزناها أنها مجللة بسواد الموت.. الراحلون كثر.. ورثاؤهم أكثر هل هذا هو همزة وصل شاعرنا بالخنساء في رثائها لأبنائها؟.. هل الموت وحده القاسم المشترك الأعظم بين نهجه الرثائي البكائي.. وبين نهجها الرثائي القوي المستند إلى صلابته.. لا أظن مقارنة بين الحالتين منصفة.. وللإنصاف علينا ألا نستعجل الحكم.. وإنما نبقي عليه مجرد علامات استفهام ننتظر الإجابة عليها دون تدخل.. |
لم يترك لنا الشاعر فرصة انتظار.. لقد قطعت جهيزة قول كل خطيب كما يقول المثل.. أعطى لنا شاعرنا الحميد لماذا اختار الخنساء بطلة محورية لعنوان ديوانه (ما لم تقله الخنساء) ولكن بعنوان تغرقه دموع البكاء بين يديها: |
(تماضر الحبيبة |
عيناك شمعتا بكاء |
وأعين الذين غادروا.. وحبهم مستوطن |
في هاجسي أضواء |
وآنت يا حبيبة العمر الجميل |
باقة مشرقة ورقاء |
ونسمة بريئة تمرّ في شمائلي كالماء) |
من تكون تماضر التي يعنيها.؟ والتي غنّى لها بهذا الشوق الملتهب من الكلمات.؟ لقد أفصح عنها إنها ابنته وفلذة كبده ومَن غيرها يستحق كل هذا الحنو.. وهذا الحنان المتدفق بين سطور مشاعره؟ إنها بالنسبة إليه شلال حياة.. وتلال ربيع.. وجبال حماية.. وجلال حب.. وجمال صورة.. وظلال فيء: |
(عبيرها استحياء.. وهمسها استجلاء.. |
وصمتها شلال كبرياء) |
يا صديقي .. الصمت لا صوت له.. أبدل بالصمت الصوت تتضح الرؤية.. يناغيها ويناجيها كما لو كان ينادي نفسه: |
(حبيبتي... |
في هاجسي للحزن ألف شمعة تضاء |
من شهقة الطفولة |
بكيت حين طيفك الحبيب |
يكتظ بالنحيب عند باب الروضة الجميلة |
حين احتوتني ربكة الروتين |
ذرفت دمعتين. |
رجعت خطوتين للوراء |
رفعت للسماء هاتف الضراعة |
دعوت للوفاء. وطفلتي الصغيرة |
وكل شتلة تغرسها.. جمعية الوفاء) |
(كل هذا الحزن خوفاً على مستقبل صغيرته من أن يتعثر...) |
وبشكل فجائي دون مقدمات نقتحم مع شاعرنا حقل الأشواك اللذيذ.. الانتفاضة.. الفداء.. بسمة استشهاد سادة الوفاء.. أسماء تقتحم الساحة.. جعفر.. حمزة.. محمد.. وسرد لملاحم تاريخية انتصر فيها الحق على الباطل.. والعدل على الطغيان.. ويطيل وقفته الوجدانية.. أمام رسول الإنسانية منشداً.. ومناشداً.. |
(تفديك نفسي سيد الرواد |
تفديك نفسي قائد الأبطال |
تفديك كل أنفس الغادين.. والآتين |
تفديك حتى آخر امتزاج دمعة بدم) |
كل هذا جميل في كتاب وخطاب الفداء.. إلا أن الأجمل منه أن يرقى فداؤنا من قول إلى عمل.. ومن نظرية إلى ممارسة على أرض الواقع في وجه كل الذين يريدون بنا وبمعتقداتنا وبمقدراتنا الشر.. هنا يبرز الفداء في أزهى صوره. |
(ومضة لأوراد البراءة).. يقول فيها: |
(أوتار القلب تناجيك وتمنحك السلوى |
وتغرد حين سكبت الشاي.. وقدمت الحلوى |
ببساطة أهل الريف |
منحت الضيف حفاوته القصوى |
وغمرتيه بأروع نشوة شوق |
لا يعدلها غير الحلم الأقوى) |
هل شاعرنا وقع في مصيدة حب غير منتظرة؟ حبال صوته مرتخية إلى درجة المناجاة.. وعيونه متسمرة كما لو أنها مشدودة بخيوط إلى ذلك الطيف الجميل الجديد الذي يتحرك أمامه؟ من استقرائنا كان حبه مختلفاً عن حب العاطفة.. حب أقوى من أن يتحمل الخدش.. وسوء الظن.. إنه حب ضيف لمضيف.. بل إنه إعجاب ضيف بكرامة وتكريم امرأة مستقيمة وأم أولاد استقبلته بحفاوة كما لو أنه شقيقها.. يمجد فيها الوفاء.. ويسترجع معها صورة طفليها محمد وآية. مقدماً لهما أجمل الأوراد كما ذكر.. وكما عنون قصيدته.. الأوراد كما يبدو من سياق شعره جمع وردة.. أي ورود.. أو ورد.. لماذا اختار الأوراد؟! |
ان ان لأوراده معنى آخر؟ لست أدري.. |
الديوان بما فيه لا يرقى إلى ما كنت أعهد.. وما كان عوَّد قراءه عليه من إبداعية ورومانسية اختفت أو كادت بين تجاويف أبياته.. لولا بعض ومضات حية أحيت الشعور بأن الشاعر يتملك القدرة متى شاء في رسم الصور الجمالية الموحية بالمعاني الجيدة المتجددة. |
|
الرياض ص.ب: 231185 الرمز البريدي: 11321 فاكس: 2053338 |