الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

السادات في الرواية المصرية
تأليف: مصطفى بيومي
القاهرة: دار فرحة ، 2002م
لم يدر جدل حول حاكم في مصر قدر ما دار حول الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليس فقط لأن تجربته جاءت زمنيا وواقعيا نفيا ومنتجا معكوسا للتجربة الناصرية بل فيما يبدو فإن (الساداتية) و(الناصرية)، كانتا ممثلتين لمنطقين في الواقع المصري يتقاتلان حينا ويتصالحان حينا أولهما المنطق الراديكالي وثانيهما النهج الواقعي.
على هذا النحو تجيء دراسة (السادات في الرواية المصرية) للباحث مصطفى بيومي كدراسة مطلوبة وبشدة لكل ما ينشد أعماقا أبعد في فهم الظاهرة الساداتية.. خصوصا أن مئات (وربما آلاف) المناطحات السياسية معها لم تؤد الى شيء أكثر من زيادة وتيرة الاحتراب السياسي معها دون سبر حقيقي لأغوارها.. إذ تبقى السياسة في البدء والمنتهى تلامسا سطحيا عابرا مع الظاهرة أي ظاهرة.
تتعرض الدراسة لرؤية السادات عند ثمانية مبدعين من أعمدة الرواية العربية هم نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وفتحي غانم وبهاء طاهر وجميل عطية ابراهيم ويوسف القعيد وجمال الغيطاني وغازي القصيبي.
وقد كان لهؤلاء المبدعين موقف من الرئيس السادات فهناك على الاقل اثنان يوسف القعيد والغيطاني ممن ارتبطت أسماؤهم بطرح معارض واضح للأداء الساداتي من زيارة القدس الى المنصة ومن أحداث 77 الى أحداث سبتمبر لكن ثمة خلفيات أخرى تمتص من تأثيرات هذا الواقع، أولها احتواء الدراسة أيضا على رؤية مبدعين كبيرين كانا الى حد ما من أنصاره هما نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس، وثانيهما أن اشتباك المبدع الروائي بالبولتيكا شيء في حكم الضرورة في عوالمنا الراهنة وثالثهما أن الأسماء التي اختارها الباحث من مبدعين حقيقيين لا يمكن أن يأتي التلامس مع السياسي إلا بوصفها (أيناعات) نتاج ابداعي لانتاج دعاية أو مباشرة أو موقف مسبق.
عند نجيب محفوظ (امام العرش) يقدم الكاتب الكبير شخصية السادات عبر حكيه سيرته بنفسه (ولدت في قرية ميت أبو الكوم نشأت في أسرة فقيرة شاركت في المظاهرات الوفدية اتصلت بالاخوان حاولت الاتصال بالألمان عقدت العزم على اغتيال المتعاونين مع الانجليز)، وربما كان كاتبنا الكبير نجيب محفوظ لا يرغب في دخول حرب رواية التاريخ خصوصا حول شخصية تقاتل هو (السادات) مع خصومه مع كل واقعة مرت بها..
من اسمه (السادات أو الساداتي) حتى (أحداث سبتمبر)، وربما كان (محفوظ) يعيد الى الأذهان ذاك المشهد الملحمي السنوي البديع الذي كان السادات يمتعنا به كل عام حين يجلس مرتديا الجلباب الفلاحي والعصا والبايب يوم عيد ميلاده يحكي للمذيعة الموهوبة (همت مصطفى) سيرة حياته مجددا من القرية الى السلطة.
يرصد محفوظ استقبال السادات بين الترحيب والاستهانة، بين صادق صفوان الرأسمالي الذي لا يخفي فرحته لموت (ناصر) (قشتمر120) وعزيز صفوت الماركسي الذي يرى أن عهد السادات قصير (قشتمر127)، وبانتهاء الصراع لصالح السادات يقدم محفوظ رؤية تصالحية في شخصية (سنية المهدي) كبيرة القلب التي تحب (ناصر) و(السادات) بنفس الدرجة في صيغة توفيقية (أقرب لشخصية محفوظ نفسه) فتقول (لكل منهما مزاياه وأياديه) أما الأخطاء فسبحان من له الكمال وحده (قشتمر159). في رصد (محفوظ) لمرحلة الانفتاح لا يماري في رؤيتهما بوصفهما كارثة ألمت بالفقراء، لكنه يقدم السادات مدافعا عن منطلقاتها (لقد عملت لخير مصر فوثب الانتهازيون من وراء ظهري) (امام العرش 203) لكن محفوظ الذي كانت الديمقراطية خطا أحمر دائما له لا يغفر (محتشمي) أهم شخصياته في الحقبة الأخيرة في (حديث الصباح والمساء) أحداث سبتمبر 81 فيقول محدثا نفسه وكأنه أصابه مس (ما هذا القرار أيها الرجل؟ تعلن ثورة في 15 مايو ثم تضيعها في 5 سبتمبر. تزج في السجن بالمصريين جميعا من مسلمين واقباط ورجال أحزاب ورجال فكر، لم يعد في ميدان الحرية إلا الانتهازيون فلك الرحمة يا مصر).
كذلك فإن موقف (محفوظ) من سياسة الصلح مع الكيان الصهيوني والمؤيدة له عكست نفسها بوضوح عند (سنية المهدي).
كان استقبالهم للرئيس عند عودته من القدس مبايعة لشخصه من جديد (الباقي من الزمن ساعة)، وعند اخناتون (أحييك كداعية من دعاة السلام ولا أدهش لاتهام خصومك لك بالخيانة فقد تلقيت منهم نفس التهمة لذات السبب) (امام العرش)، هكذا كان السادات في رواية نجيب محفوظ أقرب الى صور ذهنية متضاربة في أذهان الناس وليس شخصية منجزة تم انزالها على واقع تعكس أولا وأخيرا تصور محفوظ نفسه.
عند احسان عبدالقدوس السادات ليس شخصا واحدا وانما هناك ثلاثة سادات سادات عبدالناصر سادات مقارنة بعبدالناصر سادات الحكم.
في (دمي ودموعي وابتسامتي) السادات مجرد ناقل لما قاله عبدالناصر، وفي (يا عزيزي كلنا لصوص) يأتي السادات ليطيح بمن ليس معه ( مرتضى السلموني يعرف أن أباه لم يطرد ولم يقبض عليه لأنه لص، لقد قبض عليه فقط لأن الرؤساء والرئيس الجديد لم يكن يحبه).
أما السادات وحكمه ففي (وادي الغلابة) تظهر هتافات الجائعين التفصيلية ضد سياسات الانفتاح والانحياز للأغنياء (مش كفاية لبسنا الخيش جايين ياخذوا رغيف العيش، يشربوا ويسكي وياكلوا فراخ والشعب من الجوع أهو داخ) أما في موقف السادات والصلح ففي رواية احسان عبدالقدوس موقفان متضادان خلفيتهما روافد تشكيل احسان نفسه موقف (لوسي) اليهودية المسلمة التي تفرح بزيارة السادات للقدس وتذكرها بابراهيم سرور اليهودي المصري الذي عاش كمسلم وهاجر أولاده لاسرائيل واستقبلت ابنته (روجينا) الوفد المصري في هيلتون القدس (لاتتركوني) ومرتضى (وادي الغلابة) المناضل الطلابي المعادي للصلح والتطبيع.
عند (فتحي غانم).. فالموقف واضح ضد الاداء الاجتماعي لحلم السادات سواء في (الأفيال) أو (قليلا من الحب.. كثيرا من العنف) أو (تفاصيل كثيرة عن حادث بيت الزمالك) وسمة انعدام التعاطف غالبة تقريبا.
أما بهاء طاهر فتركيزه الأساسي على أحداث السادات وليس شخص السادات إذ يغيب اسمه بالكامل مثلا في (شرق النخيل) لكن المظاهرات الطلابية الرافضة لسياساته تشكل محور الرواية، ويغيب الاسم في (ولكن) ولكن الرواية كلها دفاع عن الزعيم (الولي) جمال عبدالناصر في مواجهته، وفي الروايتين اللتين ظهر فيهما اسم السادات (نقطة نور) و(الحب في المنفى) كان عهد السادات في الأولى عهدا مليئا بالاضطرار مسببا للأذى لعموم الناس وفي الثانية يظهر في اطار سلبي.
عند جميل عطية ابراهيم يبدو اسم السادات وسط احداث وشخصيات الثلاثية 1952 (أوراق 54 1981) باهتة تكاد تمسكها بالكاد في 1952 هو مجرد قارئ للبيان 221، وفي أحداث مارس (أوراق 54) يواصل الاختفاء والوجود الحقيقي للسادات عند جميل عطية هو في 1981.
في 1981 ليس للسادات أبعاد متقاربة عند عطية (مثل محفوظ أو احسان) فالسادات مسئول عن التطرف (حميدة ابنة الشيوعي عباس) والسادات انقلاب على الحلم الاجتماعي الناصري (عباس أبو حميدة).
عند يوسف القعيد تقع المفارقة ف(شكاوى المصري الفصيح) والتي تشمل 1066صفحة لا يذكر فيها يوسف القعيد أنور السادات ولو مرة واحدة، لكن الرواية (من الجلدة الى الجلدة) تكاد تكون هجائية مفزعة موجهة ضد حكم السادات.
الرواية لا تحتوي على صور متقابلة أو مفاهيم متداخلة بل ان مصر الساداتية كلها يميزها (الهلامية) نفس الأمر يمكن أن نراه عند جمال الغيطاني في (رسالة البصائر في المصائر) ومجموعة (ذكر ما جرى) عند الغيطاني ثمة أعماق مختلفة لعالم دولة السادات رؤيته لعصر (الفندق) وللغربة وسيطرة (اللاوطن) و(اللامكان) على شهادات شهوده.
يختتم الباحث كتابه برؤية من التاريخ رؤية (غازي القصيبي) وعلى حين اغرق الروائيين المصريين في الرؤية الاجتماعية لعصر السادات تأتي رؤية غازي بانورامية رصدية وغير توصيفية وإن كان يسودها صفة أنه يميل الى الاخراج الكوميدي للوقائع (شقة الحرية).
لاشك أن كتاب (السادات في الرواية المصرية) جاء في توقيته خصوصا في ظل عودة نغمة المدرسة الواقعية أن السادات كان باتساع أفقه على حق في كل ما فعله وأن كل من عارضوه أو انتقدوه (وهم تقريبا مجمل الحركة السياسية والثقافية العربية) كانوا يحرثون في الهواء سواء على صعيد الاقتصاد المفتوح (بلا ضابط أو رابط) أو الصلح والتطبيع مع الكيان الصهيوني أو العلاقة مع أمريكا.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved