الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th July,2006 العدد : 162

الأثنين 21 ,جمادى الثانية 1427

في روايته القنبلة (شيفرة دافنتشي)
براون يثير تساؤلات العالم ويستعدي الفاتيكان1-2
ميرغني معتصم

تنزع رواية (شيفرة دافنتشي) للكاتب الأمريكي دان براون نحو المغايرة، التي وصفت بأنها الكتاب القنبلة (Blockbuster Book) بسبب الإثارة والسرية التي تحتويها، وصراع الرموز الخطر الدائر فيها بين الوثنية والمسيحية. ورغم أنها ليست رواية تبشيرية تحاول إقناع القارئ بحقيقة تاريخية معينة، فإنها في سعيها المثير لطرح حقائق متعددة (لا حقيقة واحدة)، قدمت رؤى أخرى لتاريخ المسيحية، وهو ما دفع الناقد البريطاني مارك لوسون بوصفها (بالهراء الخلاب).. وحدا أيضا بثلاثة مؤلفين غربيين للرد عليها من خلال ثلاثة كتب: (الحقيقة وراء شيفرة دافنتشي).. (وحل شيفرة دافنتشي).. (والحقيقة والخيال في شيفرة دافنتشي).
تنطلق الأحداث من الساعة الحادية عشرة ليلاً من متحف اللّوفر وهي ليلة مقتل أمينه، الذي تبين أن قاتله هو من ورّطه في تمزيق لوحة ما، فصارت بداية مشوقة ل (دان براون) التي أثيرت حولها أكثر الأسئلة المعاصرة. الأحداث المترابطة لنسيج الرواية تثير جدلا متفرعا في مجال الأديان، وجدليتها تكمن في أن بعض أحداثها متماحك مع البعض، فهي لا تبحث في لوحة فنية واحدة لفنان واحد فحسب، بل تتركز على الاقتراب من أسرار جمعية (سيون) الغامضة التي تدعي أنها تعرف من التاريخ الحقيقي للبشرية ما ليس لدى غيرها، وهي تغور في عمق التاريخ آركولوجيا، حيث لديها من المعارف ما لم يتح لسواها من إثباتات مادية ملموسة من الممكن أن تكشفها عبر التاريخ المدوّن، أي بما تركه فنانوها الكبار أمثال (ليوناردو دافنتشي)، ولها وثائق لا يمكن الاستهانة بها وهي تملأ متاحف العالم بشيفراتها. فإن وراء كلّ لوحة رمزًا دينياً، أو فكرةً إشكاليةً يمرِّرها الفنان من خلال تلك الأعمال: (كتلك التي في لوحة العشاء الأخير، مثلاً، حيث يظهر وكأن الشخص الذي على يسار (يسوع) ليس رجلاً، بل هو في الحقيقة امرأة تلبس ثيابًا مشابهة، وإنْ معاكسة في اللون لثياب (يسوع)؛ امرأة تبدو في هذا العشاء وكأنها الشخصية الأهم بين التلاميذ الذين كان تعدادهم (حسب اللوحة الموجودة في جدارية كنيسة (سانتا ماريا في ميلانو بإيطاليا) اثني عشر؛ امرأة يفترض أنها تلك المجدلية التي رافقتْه إبان حياته حتى النهاية. إن السرَّ الذي يفترض أن تحويه الرواية لم يك سرًّا، فقد كشفه صدور كتاب سابق عُنون ب (الدم المقدس والكأس المقدسة) منذ الثمانينات، واطلع عليه ملايين القراء، واعتمده (دان براون) كمرجع رئيس لهذه الرواية، فما السبب وراء انتشار الكتاب، خاصةً أن هذا (السر)، الذي لم يك سرًّا أصلاً، إنما كان متداوَلاً فعلاً على مرِّ العصور، فالكأس الصغير (يحوره المؤلف إلى حاوية أنثوية - الفصل الخامس والخمسون) مرورًا ب (دافنتشي) الذي لم يفعل الكاتب سوى التذكير بالرموز (المعروفة) والمتضمَّنة في لوحاته وأعماله، وصولاً إلى القرن الماضي و(نيكوس كازانتزاكيس)، الذي قدَّم في كتابه الشهير عن المسيح عليه السلام، رؤاه الخاصة لفرضيات تتعلق ب (يسوع والمجدلية). وكتاب (خوسيه سراماغو) المتسم بجرأة موضوعية عالية جعلت من رواية (الإنجيل يرويه المسيح) من بين أشهر وأهم الروايات المعاصرة. فهل حقق (دان براون) نصراً بجعل هرم (اللّوفر) المنارة العالية لتسليط الضوء حول جمعية (سيون) الدينية، التي تُقرأ أيضا (جمعية صهيون)، خاصة وجهة النظر المتعلِّقة بطقوس (صهيون)؛ وكأن جمعيته التي يتعاطف معها إنما تمارس أشياء ذات علاقة بأنوثة غيبية، وتؤمن بهذه الأنوثة، التي يقول الكتاب (إن يسوع حاول فَرْضَها على تلاميذه - الرواية). تلك الجمعية التي امتازت بلباس معين، من أجل أن يتعرف أعضاؤها على بعضهم، وتقديم المساعدة ساعة المحن، كونهم تعاهدوا على الرفعة، والتواصل، هدفهم السمو بالدين. فتتدرج الرواية بأسلوب غريب عبر علاقات ذات إشارات كنسية متضاربة لا تتوافق مع العامي لمقدَّساتها. فقراءة رواية كهذه تتعرض للمقدسات وتتجاوز المألوف في طرحها، خاصة حين تتعلق كتب على شاكلتها بأمور الدين، خاصة صراعات التعصب الكاثوليكية: (انظر، فإني سوف أُرشِدها لأجعلها ذكرًا، حتى تصير هي الأخرى روحًا حيَّة تشبهكم أنتم الذكور. فإن كلَّ أنثى تجعل نفسها ذكرًا تدخل ملكوت السماوات - الرواية). لقد قام (دان براون) بدراسة الفن في جامعة (أشبيلية) في إسبانيا حيث تعمق في سبر أغوار لوحات (دافنتشي)، مع زوجته (بلايث) الرسامة ومؤرخة الفن، التي تركت بصماتها الواضحة على الرواية، حيث يمزج الكتاب بين تاريخ الفن والأساطير، ويقدم قراءات جمالية ممتعة لكنائس باريس وروما ولأعمال (دافنتشي) خاصة. فقد اعتمد في كثير من معلوماته على قسم دراسة اللوحات، وإدارة التوثيق بمتحف اللّوفر وجمعية لندن للسجلات، ومجموعة الوثائق في (دير ويستمينسير)، واتحاد العلماء الأمريكيين. وأيضا، فمنذ مقدمتها يؤكد حقائق عدة: أولاها أن جمعية (سيون) الدينية هي منظمة أوروبية حقيقية تأسست عام 1009م، وأنه في عام 1975 اكتشفت مكتبة باريس مخطوطات عرفت باسم الوثائق السرية ذكر فيها بعض أسماء أعضاء جمعية (سيون) ومنهم (ليوناردو دافنتشي)، و(إسحق نيوتن)، و(فيكتور هوجو). كما أن وصف جميع الأعمال الفنية والمعمارية والوثائقية والطقوس السرية داخل الرواية هو وصف دقيق وحقيقي. ومن عمق متحف اللّوفر بباريس، وضمن أجواء بوليسية غامضة تبدأ (شيفرة دافنتشي) من جريمة قتل أمين المتحف (سونيير) أحد الأعضاء البارزين في جماعة (سيون) السرية.. الذي ترك رسالة خلف لوحة (ليوناردو دافنتشي) إلى حفيدته (سوفي) الأخصائية في علم الشيفرات، ضمّنها كل الرموز السرية التي يحتفظ بها، وطالبها بالاستعانة في حل الشيفرة بالبروفيسور (لانغدون)، أستاذ علم الرموز الدينية بجامعة (هارفارد).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved