الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

الخيمائي.. وبيع الأحلام!!
أمل زاهد
خيل لي وأنا أقرأ رواية (باولوكويليو) الذائعة الصيت (الخيمائي) أو الكيمائي أني اقرأ احد كتب التحفيز التي تعج بها أرفف المكتبات في المملكة من شاكلة (أيقظ قواك الخفية) أو (قوة عقلك الباطن) أو (كيف تعتني بحياتك). فالرواية كما هذه الكتب تزعم أنها تقدم حلولا سحرية لأكثر المواضيع إشكالية وأشدها تعقيدا وتوحي لك بأن أعقد المشكلات يمكن حلها ببساطة شديدة في أن تؤمن بأحلامك وحينها سيتواطأ معك العالم كله على تحقيقها !! ولذلك لم أستطع أن أرى فيها إلا محاولات بائسة لاجتراح المستحيل أومقاربة لخيالات وتهويمات يريد منها الكاتب أن تلبس ثوب الحقيقة ولا بأس أن تبتلع معها جرعة من الأحلام الكاذبة التي ستشحنك بقوة دافعة كي توقظ ذلك المارد الموجود داخلك والقادر دوما وأبدا على انتزاع النجاح وتحقيق الأمنيات محطما معه كل العوائق والعقبات التي يصطدم بها الإنسان دوما في حياته!! ثم لا تلبث أن تستيقظ على الحقائق القاسية والمرارت المتدفقة عليك من أحداث الحياة ومن خطوبها، فتكتشف أن أرتال الهموم لا تزال متكومة أمام ناظريك وأن أجنحة الأزمات والأسئلة الشائكة لا تزال تظلل حياتك وأنك ازدردت أحلاما كاذبة وأوهاما لا تقارب الحقيقة ولا تتمكن من طرق أبوابها.
وكنت قد قرأت هذه الرواية بعد أن امتلأت حتى الثمالة برواية (زوربا الاغريقي) وبقيت أسئلتها وأزمة كاتبها الذاتية وإشكالايتها الوجودية تصول وتجول داخل نفسي حتى أن حوارت الكاتب مع زوربا بقيت أصداؤها تتردد داخلي بعد أن فرغت من قراءة الرواية ردحا من الزمن، فلم أستطع أن اتجرع سطحية أحداث رواية الخيمائي، وضحالة طرحها، وعدم قدرتها على الغوص في النفس البشرية وتعجبت من النجاح الكبير الذي حصدته والذي ملأت أصداؤه الآفاق!! ويبدو أن البشر في وقتنا الحالي وما يعج به من أزمات ومشكلات وصراعات -أدناها الصراع على التسبب المعيشي وأعلاها الصراعات الناشبة بسبب الحروب والتكالب على السلطة والهيمنة - في أمس الحاجة لمن يبيعهم الأحلام أويوهمهم بأنه سيوصلهم إلى تخوم الخلاص، فيتهافتون على بضاعته آملين أن يجدوا عنده الحلول المخلصّة والاجابات المستعصية أو يتخيلون أنه باستطاعته أن ينفحهم جرعة من أمل أو شذرة من رجاء يتمكنون بها من الالتفاف على مصاعب الحياة وتصور أنها غير موجودة وأن حلها لا يكون إلا في الإيمان بالأحلام.
الإيمان بالأحلام دون شك له قدرة عجيبة على تغيير الواقع السيئ ولكن الجرع الكبيرة من الأحلام لابد أن تقودنا إلى حواف أحلام اليقظة والتضليل، فإذا لم تتوفر الشروط اللازمة لتحقيق هذه الأحلام على أرض الواقع فلا رجاء ممكن أن نتحصل عليه أوأمل نستطيع أن نحصده من التحليق في سماء لا نجد فيها إلا الأوهام والتهويمات، ولكن بطل الخيمائي تتواطأ معه كل الدنيا بل حتى الريح تخضع لرغباته وتعاونه في تحقيق أحلامه !! ورغم الدلالة الرمزية للريح والإشارات التي تحفل بها الرواية إلا أنني لم أستطع أن أبتلع رغبة الكاتب في بيع الأحلام وتنويم المتلقي مغناطيسيا.
وهنا لا بد أن نتسآل عن مهة الأدب فهل من المفترض يقدم لنا الحلول ويقترح علينا الإجابات وأن يرسم لنا الطرق التي يتحتم علينا السير فيها؟! هل وظيفته تتجسد في أن يزين الحقائق ويجمل صورة الحياة ويحسن واقعها البشع؟! ولا بأس من أن ينسف خلال هذه العملية الحقائق الثابتة والأسئلة المعلقة ويدعي أنه بتصوراته الساذجة وبأوهامه المختلقة قد قدم لنا الإجابات وقادنا إلى فسحة الرضا والقناعة فقد اكتشفنا أننا أطبقنا على الحقيقة وتمكنا من الامساك بأطرافها الزئبقية. وهل وظيفة الأدب نمذجة الحياة وإدعاء مثاليتها وإمكانية تحقق العدالة فيها وكل الحقائق التي تلتف بنا تقول عكس ذلك؟! أم أن وظيفته تتبلور في أن يصور لنا الحياة كما هي.. بجنونها وتناقضاتها وعبثيتها وواقعيتها وربما ببشاعة تفاصيلها؟ وهل يصل المتلقي إلى قمة نشوته المستخلصة من استمتاعه بالفنون والآداب بإجابة الأسئلة أم باجتراح المزيد من الأسئلة وتحريك كوامن العقل وتحفيزها على التفكير والتحليق والانطلاق والتنقيب والبحث؟
ومن زاوية أخرى هل وظيفة الأدب نفعية ويجب أن تحتوي على رسالة أخلاقية ومهمة اجتماعية يكون الاصلاح والرغبة في التغيير هوأساسها؟ أم أن مجرد تصوير الحياة بما يعتريها من خطوب ونوازل وما تمتلأ به من طموحات وأحلام والآم واحباطات، وتجسيد شخوصها بما يحفل به تكوينهم البشري من تناقضات ومن نوازع متنافرة كافيا في حد ذاته لتحقيق المهمة التي تناط بالأدب في تعرية الحقائق وتشريح الحياة بكل ما فيها من تناقضات وارتفاعات وانخفضات؟
حقا إن الكثير من الأعمال الأدبية تتضمن رسالة من نوع ما يريد الكاتب إيصالها إلى القارئ، أوتوضح موقفه من إشكالية معينة وتفاعله معها، وغالبا ما تحتوي على موقف الكاتب من الحياة ومن دور الإنسان فيها وموقعه في الكون ولكننا نستطيع أن نصل إلى أعلى مستويات الوعي بتفاصيل ما يريده الكاتب عن طريق تصوير الحياة كما هي حقا دون الوقوع في فخ الوعظ الصريح أو المباشرة الفجة أو الأحلام الكاذبة. وقد آمن الكثير من الكتاب بدور الأدب في عملية التغيير وقدرته على تمرير أصعب الأفكار وإلباسها شخوص الواقع وفي أنه جزء لا يتجزأ من الفكر لأنه يؤنسنه ويجسده في شخصيات من لحم ودم، ولكن ذلك يتم عبر التعرية والفضح لواقع الحياة وعوارها وبشاعتها. ولأننا لا نعرف الأشياء إلا من خلال نقائضها ولا ندركها إلا من تعاكساتها، فإننا نصل إلى معرفة الخير بإدراكنا لبشاعة الشر ونسعى إلى تغيير حياتنا إذا توصلنا لمعرفة مدى النقص الذي يتعيريها والسوء الذي يتلبسها، ونحاول أن نخرج من متاهات الظلم والاضطهاد إذا علمنا بذلك الظلم وعرفنا تفاصيله.. رغم ذلك فأتصور أنه يكفينا من الأدب أن يوصلنا إلى حواف الدهشة وأن ينتزع الآه من شفاهنا والدمعة من أعيننا ويصور لنا حيرة الإنسان وتساؤلاته وقلقه وآلامه دون أن يزعم أنه سيأخذ بأيدينا إلى طريق الخلاص أو يقدم لنا إجابات على أسئلة لا أتصور أنه بالامكان إيجاد إجابات حاسمة وقاطعة لها. اذكر عبارة علقت في ذهني لأحدهم يقول فيها أنه بعد أن فرغ من رواية (الجريمة والعقاب) لدستوفيسكي مادت الأرض به واهتزت أمام ناظريه وقام ليفتح النافذة ليتأكد أن الحياة لا تزال تسير كما عهدها من قبل وأن الشمس لا تزال تشرق وتغرب في موعدها المحدد!!


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved