الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

المدينة الثقافية (سوق من أسواق العرب)(4)
د. سلطان سعد القحطاني

تكلمنا في الحلقة الماضية عن الدعوة التي نشرها الأستاذ محمد بودي عن وجود مدينة ثقافية على غرار العواصم الثقافية التي قامت مؤخراً في بعض العواصم العربية. وعلى الرغم من ضعف نجاحها، كما كان يأمله المثقفون العرب، وخاصة منهم الذين عاشوا في بعض البلاد الأوروبية، واطلعوا على المواسم الثقافية، ووجدوا أن هذا المشروع قد قصر في بعض الحالات، لسبب أو لآخر، اقترحوا أن تكون هذه المواسم محلية، مع وجود العاصمة الثقافية. ولا نرى في ذلك من تعارض أو شطط، وأنا من مؤيدي هذه الفكرة. وأضيف إليها مقترحاً تراثياً يجمع بين التراث والمعاصرة، وإذا لم يكن هناك معاصرة لتجديد التراث وإعادته بصورة جديدة على الطريقة المتبعة في النشر الثقافي الحديث، سيفقد التراث ديمومته في غمامة العولمة، مما يجعل الأجيال لا تعرف عن تراث الأمة إلا ما يأتيها مستورداً من داخل المحلات الأوروبية والأمريكية، وشرق آسيا، وكأننا لا نملك مخزوناً ثقافياً ولا تراثاً صناعياً تقليدياً متواضعاً في هذا الزمن، لكنه اثر من ضمن الآثار التي تقام لها المزادات العالمية، ومعظمها من البلاد العربية. ولم يكن العرب متخلفين عن الركب الحضاري في الصناعة والزراعة والإبداع الفني قبل الإسلام، الذي أقر الكثير من هذه العادات ونفى البعض منها وعزز هذه الأدوار بالإسلام، وقد قويت لغته واستوعبها الناس في أقطار الجزيرة العربية، من خلال أسواق يتداولون فيها التجارة واللغة والأدب، وأول هذه الأسواق (سوق عكاظ). تذكر المصادر أن النشاط الأدبي والسياسي تغلب على التجارة في هذا السوق، وهذا ما تميز به عكاظ عن غيره من الأسواق التي سيرد ذكرها ويقام من أول ذي القعدة إلى أول ذي الحجة. وقد حدد الباحثون موقعه بين الطائف ومكة، ومن هؤلاء الأستاذ الباحث الجغرافي مناحي القثامي، والدكتور ناصر بن سعد الرشيد، وكان سوقاً حددت زمانه ومكانه قريش بعد أن رأت ان الخطر يهددها من الأحباش وغيرهم، وأراد رؤساؤها جمع العرب على كلمة واحدة ضد هذا الخطر وغيره بعد عام الفيل، وكان منها الأشهر الحرم، وهي أربعة أشهر (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب) من كل سنة، اتفق العرب عليها لضمان تحركاتهم في الجزيرة العربية ولحفظ العهود ولم يكن سوق عكاظ الذي يقام كل عام قبل انصراف الناس من الحج بالسوق التجاري الذي يمكن أن يعوضه سوق آخر حسب الحاجة، لكنه كان يجمع بين التجارة والثقافة، على تعدد معانيها، ويليه سوق (ذي المجاز) في الأول من ذي الحجة، إلى الثامن منه ثم ينصرف الناس إلى الحج، ثم سوق (مجنة) في العشر الأخيرة من ذي الحجة، بالقرب من مكة ويليه سوقان يقامان في وقت واحد (حجر اليمامة ونطاق الخير) الأول يقام في اليمامة للمنصرفين من الحج، من أهل الأحساء وعمان والبحرين، من العاشر من محرم إلى آخر الشهر. ويؤكد المؤرخون على وجه الشبه بين سوق حجر اليمامة وعكاظ من حيث ما ذكرته عنه قبل قليل، أي أنه يجمع بين التجارة والثقافة، والثاني يقام شمال خيبر من العاشر من محرم إلى الشعرين منه. ولكل زمن نسقه المعرفي، ففي هذا الزمن يمكننا أن نقيم هذا السوق في موعده الزمني، أي بعد الحج، ليعطي العالم الإسلامي فكرة يعود بها الحجاج إلى بلدانهم، كنوع من التحف التجارية، ويتبارى الشعراء والأدباء أمام هؤلاء بابداعاتهم ومثلهم القصاص والنقاد والفنانون والحرفيون، بالاشتراك مع هيئة السياحة والشركات التجارية والبيوت المالية، استغلالاً لهذه الثروات البشرية والمادية في الجزيرة العربية التي تمتلك أكبر مخزون معرفي متعدد، فمنها يتعرف الجيل الجديد على التراث ليحقق من خلاله هويته، ومنها يتعرف العالم على ما لم يعلم من تراثنا العريق، واضافة إلى ذلك هناك العديد من الأسواق في الجزيرة العربية، منها سوق (المشقر) في الأحساء اليوم، وكانت تسمى في زمانه هجر، وما يزال هذا الاسم قائماً عند بعض الباحثين والمشقر جبل اختلف الباحثون في الآثار عليه بين جبلين في الاحساء اليوم، البعض يقول انه جبل القارة المشهور باعتدال طقسه صيفاً وشتاء، فدرجة الحرارة في داخله ثابتة لا تتغير، تقع على سفحه الغربي مدينة القارة، وفي الشمال الشرقي تقع مدينة العمران، ومن الشمال وتحيط به القرى من كل جانب. والبعض يقول أنه جبل (الشعبة) ويقع شرق الشعبة وشمال الكلابية، ومنه إلى الشرق تقع مدينة جواثا الأثرية والتي فيها أول مسجد أقيم في الإسلام في هذه المنطقة وثاني مسجد صليت فيه الجمعة بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. وجبل الشعبة هذا أشقر اللون (بني فاتح). وعلى أي حال، فالجبلان ليسا بعيدين عن بعضهما، وقد يكون السوق بينهما في ذلك الوقت! وتذكر المصادر التي توفرت لنا: أن هذا السوق يقام في جمادى الآخرة من كل عام، والسوق لعبد القيس وتميم، ويعتبر هذا السوق من ضمن أسواق هجر، ومنها سوق هجر المعروف الذي يقام بعد سوق (دومة الجندل) وهو أول سوق يقام بعد انقضاء الأشهر الحرم، من أول ربيع الآخر إلى الخامس منه أي على مدى خمس أيام. ذكر في الملحق الخامس من الموسوعة الإسلامية ان الناس ينتقلون إلى هجر بعد دومة الجندل حيث يقام سوقها عند ساحل الخليج، من أول ربيع الآخر إلى الخامس عشر منه. وتذكر الموسوعة أن ملوكها من تميم ويباع فيها العنبر اليماني والتمور. وقد ذكرت الموسوعة عدداً كبيراً من الأسواق، ومنها: عمان: يقام بعد هجر، في جمادى الأولى، ويملكه العمانيون، ويغلب على تجارتهم مادة اللبان ثم سوق حباشة، ويقام من الخامس من رجب إلى الثامن منه، ويقع في ديار باق من بلاد الأزد بتهامة. ومن الجدير ذكره أن الرسول صلى الله عليه وسلم حضر هذا السوق موفداً بتجارة السيدة خديجة بنت خويلد، قبل مبعثه الكريم. ونجد التسلسل في توقيت هذه الأسواق قد بلغ مبلغاً لم تبلغه بعض المؤسسات التجارية اليوم، فبعد سوق حباشة يأتي سوق (صحار) في عمان من 20 إلى 25 من رجب، وهي لملوك عمان من الأزد. ثم سوق الشحر، بين ظفار وحضرموت تبدأ من أول شعبان الى الخامس والعشرين منه، وتجارتها الإبل. يأتي بعدها سوق عدن، من أول رمضان إلى منتصفه، وبضائعها الطيب والبن الفاخر. ثم صنعاء، من 15 رمضان إلى أول شوال، وبضائعها الأدم (الجلود) والزعفران والأصباغ والخرز والحرير.
ونلاحظ في هذه الأسواق عدة أمور، منها:
1- التنظيم الزمني في اقامة الأسواق، فنجد عدم التعارض في تواريخ اقامتها، ما عدا سوق خيبر، الذي يتعارض مع اليمامة وقد يكون لذلك بعض الظروف.
2- يجد الباحث في هذه الأسواق، مراعاة المنتج المحلي وعدم التعدي عليه وتشجيعه.
3- مراعاة الحدود الزمنية في المسافات بين كل سوق وآخر.
4- الدورة الجغرافية، من حيث القرب والبعد، فكل سوق يرتب على حسب المسافة الجغرافية بين الموقعين، فنجد اليمامة - الاحساء - عمان - ظفار - حضرموت - صنعاء.
5- حددت مدة السوق على حسب نوعية التجارة واستمرارية البيع، فهناك بضائع قليلة وأخرى كثيرة تستغرق وقتاً أطول.
6- مراعاة نوعية البضائع المتوفرة، بحيث لا تتعارض مع البضائع الأخرى فتكسد البضاعة.
إن إقامة سوق تجارية ثقافية قد حان وقتها في هذا الزمان على الأسس الحديثة، على هيئة مهرجان عام يقام تحت دراسة دقيقة بين كل الأطراف المعنية (وزارة التجارة ووزارة الثقافة والهيئة العامة للسياحة والرعاية العامة للشباب) وتراعي في هذا البرنامج عدة أمور منها الطقس المناسب، ومنتجات المنطقة، والكثافة الثقافية، والتوازن الجغرافي بين المناطق والمحافظات، ثم تحدد المدة، بالا تقل عن ثلاثة أيام، وربما تستمر إلى أكثر من ذلك. وفي النهاية أقول: ما أحوجنا إلى إيلاف جديد نتعرف من خلاله على ثقافاتنا المتعددة في هذه الجزيرة الثرية بكل شيء ونحن أولى باكتشافها عن غيرنا. والأمر متروك إلى المعنيين بالشأن الثقافي، وعلى رأسهم الوزير المثقف السيد إياد مدني، ووكيل الوزارة الدكتور عبد العزيز السبيل المعروف بجهوده الثقافية من خلال نادي جدة الأدبي الثقافي.


e-dr-sultanl@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved