الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

هل للاشتراكية مستقبل؟
د. أحمد برقاوي*

كل سؤالٍ عن المستقبل يحيل إلى إجابة احتمالية، ويحتاج إلى قدر من التخيل حتى لدى أولئك - المؤمنين بها.
غير انّا أمام مفارقة ليست غريبة: كيف تأتي لنا أن نتحدث عن مستقبل الاشتراكية بعد أن غدت هباءً في الزمن القريب منا؟
تزيد هذه المفارقة من صعوبة الجواب عن مستقبل الاشتراكية.
فأنى لنا أن نتحدث عن مستقبل ظاهر بددها التاريخ، عن ظاهرة كانت لوقت قريب تحدد أهم ملامح عصرنا؟
هل لنا أن نفكر في إعادة الماضي إلى سابق عهده ؟ وقد علمنا من ماركس أن الماضي لا يعود إلا على نحو مسخرة.
وهل مثال الصين وكوبا وفيتنام وكوريا يعيد الآمال لأولئك الذين وجدوا في الاشتراكية خلاصاً من عذابات الرأسمالية في صورتها الإمبريالية بل قل هل هي تجارب مقنعة لملايين الناس التائقين إلى الحرية؟ كم من الأسئلة تخطر على بالنا ونحن بصدد الحديث عن مستقبل الاشتراكية.
وعندي أهم سؤال يتفتق عن سؤالنا السابق هو التالي: ما الذي يحدونا أولاً لأن نطرح سؤالاً حول مستقبل الاشتراكية؟ أهو جزءٌ من حنين شيوعيين واشتراكيين مهزومين إلى ماضٍ قريب أم أن عذاباتنا لا مخرج منها إلا بهذا الهدف الإنساني النبيل؟ قد يكون الأمران معاً منبعاً للسؤال، ولا سيما أنه يصدر عن أولئك المؤمنين بها أصلاً.
لنتوقف عند أمرين :
الأول: مصير الاشتراكية في الوعي الشعبي العام.
والثاني: مفهوم الاشتراكية في الفكر الماركسي. أما من حيث الأمر الأول: فقد تعرضت الاشتراكية في الوعي الشعبي إلى هزيمة نكراء وذلك لارتباطها بالنظام الشمولي وبأشكال الفساد في تلك الدول التي سارت على ما يسمى بالطريق اللا رأسمالي للتطور.
فارتباط الاشتراكية بالنظام الشمولي القمعي وانهزامها في عقر دارها كنظام اجتماعي ولد لدى العامة كفراً بها واقتلع قناعات الملايين بها ولا سيما أن هزيمة الاشتراكية كنظام اجتماعي عنى فيما عناه هزيمة إهابها السياسي وازداد الأمر سوءاً بسبب أن الاشتراكيين أنفسهم والشيوعيين على وجه الخصوص هم الذين أطلقوا النار عليها وأردوها قتيلة في أكبر منظومة اشتراكية قامت في أوروبا.
لقد تعامل البشر مع هزيمة النظام الاشتراكي بوصفه هزيمة للمفهوم ذاته ولمفهوم الشيوعية التي هي الاسم الأساسي لأحزاب الآخر أي عالمية وكحركة طبعت العصر الراهن.
وبالمقابل: ارتبطت الاشتراكية بحالة من الفساد والفقر في دول العالم الثالث التي صارت في هذا الطريق مدعومة من قِبل الدول الاشتراكية، فازدادت قناعات البشر بعدم جدوى هذه الفكرة.
فمن مصر إلى أفغانستان إلى إثيوبيا إلى دول كثيرة في آسيا وإفريقيا ارتبطت الاشتراكية هي الأخرى بنظام قمعي حوّل الاشتراكية إلى نظام لنهب الثروات من قِبل السلطات وتكديسها بيدها.
أما الأمر الآخر وهو الذي يجب أن نتناوله من زاوية العلم الاجتماعي.
ما طرحته الإيديولوجيا الشيوعية من أن الاشتراكية بوصفها مرحلة حتمية في السيرورة التاريخية.
ولقد نتجت الاشتراكية منطقياً عند ماركس وانغلز بوصفها تشكيلة اجتماعية اقتصادية آتية لا ريب بسبب تناقصات القوة المنتجة وعلاقات الإنتاج في الرأسمالية.
وليست كفاحات البرلتياريا سوى تحول الطبقة العاملة إلى عنصر في شروط هذا الانتقال.
لقد دُحض التاريخ المنطقي الحتمي من هذه الزاوية حتى الآن.
فمن انتصار الاشتراكية في أضعف حلقات الرأسمالية إلى تعميم النموذج السوفيتي وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلى خيارات بعض حركات التحرر في بلدان لم تشهد علاقات إنتاج رأسمالية سائرة إلى انهيار المنظومة الاشتراكية وعودة العلاقات الرأسمالية إليها كل ذلك انتزع القناعة بحتمية الاشتراكية ناهيك عن أن العلوم الإنسانية اليوم تنظر إلى فكرة الحتمية نظرة ريب وشك ورفض.
وهكذا تكامل العنصران في تبخر الاشتراكية من الوعي بل قل ان تبخرها الواقعي أدى إلى من الوعي.
الآن: ها نحن نعيش مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية التي اصطلح على تسميتها بالعولمة، ولا يمكن أن نتخيل أن تحكم العالم حفنة من الشركات وأصحاب رؤوس الأموال.
أي جريمة بحق البشرية إذا ما استسلمنا لهذا الدمار الإنساني الجاري الآن وتحكم بالحياة الإنسانية؟ وبالتالي يظل تجاوز الرأسمالية هدفاً إنسانياً اجتماعياً أخلاقياً وإذا كانت مفاهيم العدالة والحق والخير والجمال قد قامت بدور النافي للعذابات الإنسانية، فإنها لا تجد تعينها الآن إلا بالصراع ضد علاقات الرأسمالية الهمجية.
من هنا يكتسب مفهوم الاشتراكية اليوم معنى جديداً ألا وهو النزوع الإنساني للتمرد.
فالصراع الطبقي مازال قائماً وملايين الناس قد ألقوا في وادي الفقر وظلم الأمم من الإمبريالية ازداد أضعافاً مضاعفة في العولمة، والإنسان ملقى لا حول له ولا قوة تحت أقدام الصنم وإفقار الحياه الروحية للإنسان وصل هذه الأقصى، ولم يتوقع أحد أن يصل مصير الإنسان إلى هذه الدرجة من المهانة والذل والتشيؤ والاغتراب.
وعندي أن فكرة الحرية الإنسان حرية الإنسان الواقعي في هذا العالم الحرية الاجتماعية، الحرية الفكرية، من الاضطهاد الطبقي وحرية الشعوب وحرية تقرير المصير، جميع تعينات الحرية هذه تنطوي بالضرورة على مفهوم التحرر ومفهوم العدالة.
فإذاً توسع مفهوم الاشتراكية في أدراجهم في مفهوم الحرية فإننا نضع المؤمنين بها أمام أهدافها، وعندها فقط باستطاعتنا أن نعيد لناسها أحلامهم المنكسرة، وأهدافهم المهزومة.


*رئيس قسم الفلسفة بجامعة دمشق

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved