الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

كلّهم يقول: أنا
إلى مدير تحرير جريدة الجزيرة للشئون الثقافية
الأستاذ إبراهيم بن عبد الرحمن التركي المحترم
لا أدري علام التهافت على الكنتية، فابن الثلاثين وابن التسعين كلاهما يقول (كنت) بنفس الحكمة والتعالي والتأريخ وإعطاء الناس التجارب الراشدة، لديّ مسوغ واحد ساذج لا يعدو الاستئناس به: هو أنّنا في العالم العربي تواكب لدينا وصول السيرة الذاتية مع نهاية أعمار الرواد فكتبوا السِّير وأقبل الناس عليها أكثر من إقبالهم على نتاج ذلك الجيل مما سواها، فالسِّير لذيذة سهلة التناول مقابلات وقصص لا تخلو من فائدة، وطبيعة المتلقي البليد تهوى الاجترار لا الابتكار. فتولّّد عند الناس الرغبة في قول (كنت) لما أكثروا من التهام تلك السير، ولا أدري لماذا الآن بالتحديد أريد أن أقع فيما أنهاكم عنه أريد أن أقول (كنت) ولكن هناك فرق بين (كنت) و(كنت) ف(كنت) البريئة التي يحتاجها المتكلم لاستحضار صورة أو ذكر دال رمزي أو حادثة تعضد رأياً ضرورة. أمّا (كنت) التي فيها إيماء للمجد المؤثّل والتاريخ الضارب بجرانه في أعماق الزمن والتي تصدر اليوم من طفل بدأ يحبو تواً على سلم الثقافة والفكرة ممجوجة وتصم الآذان، لما كنت في الجامعة قبل سنيات سأل أستاذ الأدب سؤالاً عاماً هو: لماذا الأدباء والمفكرون السعوديون يحجمون عن كتابة السِّير الذاتية؟، فأجبت بأنّ ذلك يرجع إلى أنّهم يرون في كتابة السيرة إطراءً للذات وهم يترفّعون عن ذلك، فبارك الأستاذ هذه الإجابة ودوِّنت في كراسات الطلاب كجزء من المنهج، فأخذتني العزة بالعلم كما تأخذني الآن العزة بالكنت، أدرجت في المنهج بموافقة موافق وبمعارضة معارض وإن لم يفصح مع أنّ الأستاذ كان نموذجاً للأكاديمي المتفِّهم المعترف بالآخر على خلاف العادة، ومع ذلك كان الزملاء لا يعارضون رأيه أو رأياً ارتضاه إلاّ لماما، تعلّمنا على كلِّ حال في ذلك الدرس أنّ السيرة الذاتية: هي أن يكتب الإنسان سيرة حياته بنفسه بأسلوب أدبي. وتناولنا الخلاف حولها هل هي فن عربي أم مستورد دون ترجيح لأحد القولين على الآخر، والذي يظهر لي أنّها الاثنان في وقت واحد فلها جذور في التاريخ الإسلامي العربي ولكنّها قطعت (وإن تواصل الإنتاج ولكنّه غير ذي بال) حتى تلك السير السالفة كانت تفتقر للأسلوب الأدبي وتعتمد الأسلوب العلمي السردي. أخذنا نبذة عن تاريخها فأول من كتبها أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار أمّا في الأدب العربي الحديث: فالأيام لطه حسين وأنا للعقاد وسبعون لميخائيل نعيمة وذكريات للطنطاوي. وهي إمّا ذاتية كالذي مر عدا أنا للعقاد فهي غيرية فكما هو معلوم جمعها طاهر الطناحي من مجموعة مقالات للعقاد مبثوثة في عدد من الصحف كالهلال التي كان يرأسها حينذاك الطناحي. وفي مادة النقد أشار الأستاذ إلى أنّ السيرة الذاتية فن أصيل في التراث كسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أنبرى لها الكثير من علماء الإسلام كابن هشام وابن إسحاق وابن كثير وغيرهم، وهناك الطبقات لكلِّ الفئات للفقهاء وللمغنين كما عند الأصفهاني وللعميان والعرجان والحولان، ولا ننسى المنقذ من الضلال للغزالي، أما أول سيرة سعودية كما قال أستاذ الأدب فهي سيرة أحمد السباعي ولم يصرِّح فيها بأنّها سيرة ذاتية أسماها (أبو زامل) وفي الطبعة الثانية أسماها (أيامي) فعلم الناس أنّها سيرة ذاتية، ثم توالت بعد ذلك السير ولم تزدهر إلاّ بعد 1400ه، وتنبّه معي إلى جس نبض الشارع القارئ والتوجُّس والتخوُّف من إعلان السيرة، على كلِّ حال كانت بوابة دخل منها من يستحق ومن لا يستحق فنشكر السباعي على المبادرة، والسيرة إمّا عامة كما مر أو لجانب من جوانب الحياة كحياة في الإدارة وحياتي الشعرية للقصيبي ورحلتي مع المكتبات لعبد العزيز الرفاعي و46 يوماً في المستشفى لمحمد توفيق. وسأختم هذا المقال (الكنتي) المبطن بهذا السؤال والجواب، اتفق أنّ جاء في الامتحان النهائي للسنة الأخيرة من الجامعة سؤال من أستاذ الأدب وهو: س: كثر في السنوات الأخيرة كتّاب السيرة السعوديون إلام تعزو هذا؟ ولا أدري هل هذا السؤال من تداعيات إجابتي في القاعة عن السؤال الأول أم لا .. على كلِّ حال أجبت كما يلي: السبب في ذلك يعود إلى أنّ الذين كانوا يستحون ويتواضعون ماتوا.


تركي بن رشود الشثري

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved