الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th April,2005 العدد : 102

الأثنين 9 ,ربيع الاول 1426

(بدايات)... وقصتي مع الكتابة
محمد بن عبدالرزاق القشعمي
جاءت الكتابة مصادفة فلم أفكر بها من قبل.. إذ كنت أقرأ فقط وأبدي إعجابي بما يكتبه بعض الأصدقاء..
فقبل ست سنوات أو تزيد قليلاً في منتصف سنة 1419هـ اتصل بي الأستاذ محمد الدبيسي من المدينة المنورة، ولأول مرة أسمع صوته صحيح أنني أقرأ له وأسمع عنه ما يسر. وقال لي بحكم مسؤوليته بالقسم الثقافي بجريدة الجزيرة إنهم بصدد فتح ملف أو نشر بعض المقالات عن الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وكان يعرف مكانته عندي.. فاعتذرت بأنني لم يسبق أن كتبت مواضيع أدبية، وكنت متخوفاً من أن أدخل هذا المجال.. فذكرت له بعض الأسماء الذين لهم علاقة بالجهيمان ولهم قدرة على الكتابة وقلت إنني سأتابع الموضوع معهم، وكان من ضمنهم الزميل عبدالله حسين (السالومي) الذي أبدى استعداده على شرط أن أكتب أيضاً وقال: يمكنك أن تكتب عن انطباعاتك عن الجهيمان من خلال ذكرياتك معه وسفرياتك فهذه الخصوصية أو الحميمية يجهلها الكثير، فقلت سأحاول شريطة أن تصحح لي ما قد يعتري هذه الكتابة من أخطاء.
وهكذا كتبت شيئا من الذكريات عن الجهيمان وبعثتها للأستاذ الدبيسي بالمدينة والذي اتصل بي قبل نشرها مشيداً بها، ورافعاً من معنوياتي بأنها أفضل مشاركة في الموضوع وترقبت موعد نشرها في ذات خميس ضمن الملحق الثقافي فوضع المقال في مقدمة الملحق. وهكذا أصابتني العدوى.
بعد أشهر تولى الأستاذ خالد المالك رئاسة تحرير الجزيرة، أو على الأصح عاد لها مرة أخرى فذهبت مع الفنان عبدالجبار اليحيا مهنئين له فطلب منا المشاركة بالكتابة، فكتبت متذكراً زيارتي لوالده قبل ثلاثين سنة عندما كنت أعمل بمكتب رعاية الشباب بالقصيم، وكنت برفقة الزميل محمد العمار مدير المكتب المشرف على إحدى المباريات الرياضية بالرس فذهبنا لزيارة والده الشيخ حمد المالك بصفته من وجهاء مدينة الرس، وكانت الزيارة قبيل المغرب حيث استقبلنا وشاركناه تناول طعام العشاء قبل غروب الشمس وكان عبارة عن (مرقوق) مليء بالحار من (الحبحر) والذي بقيت ذكراه ولا تزال.
في هذه الأثناء فكرت بما سبق وأن وجهه لي الصديق عبدالعزيز مشري من تساؤل في جريدة عكاظ(1)، فقد وجه عدة رسائل للأساتذة محمد علوان وعلي الدميني وفهد الخليوي وشاكر الشيخ وراشد الشمراني ومحمد صالح الشنطي وحشرني بينهم قائلاً: الأستاذ محمد القشعمي.. كلما مسني الخجل، ووجدت الجواب حينما أرغب في التعرف على كيفية التعامل المهذب الحريص مع الآخرين يبرز وجهك الأبيض كالعلم..
أسألك: ألم تفكر في جمع رحيق تجاربك المديدة بين جناحي كتاب؟
وكان وقتها نزيل المستشفى التخصصي بالرياض وكنت أزوره بين وقت وآخر فكرر ما سبق أن وجهه من رسائل قصيرة لبعض أصدقائه وجعلني منهم.. فقال: ألم يحن الوقت لتسجيل ما تختزنه ونشره للآخرين؟! فرددت عليه بأن هذه الأشياء لا تخفى على أحد فكلها حوادث تحصل لكل الناس. فقال مستحثاً إنها عبر وإن هذا الجيل يجهل ما تتكبده الأجيال السابقة.
فكرت في الموضوع فكتبت الحلقة الأولى تحت عنوان (بدايات من ذكرياتي) وضمنتها ما علق في ذاكرتي من أحداث دخول الفتى لدى (كتاب) القرية، وذهابه مع أقرانه للقرية المجاورة حيث يقيم (المطوع) ب(عشته) (ليستقبل) (القرابة) دون أن يأكل شيئا إذ كانت والدته قد ولدت في المساء دون أن يشعر، ولم يهتم به أو يقدم له ما يأكله من (غبيب) باقي عشاء البارحة. ولم يعرف أنها قد ولدت إلا بعد أن سألته زوجة (المطوع) هي أمك والدة البارحة؟ فرد عليها بأنه لا يعرف واستدرك من وين تلد المرأة فرفعت يدها لتريه كم ثوبها وقالت له تلد من هنا.
وبدأت الصور والذكريات القديمة وما سبق أن سمعته من والدتي تعود إلى ذاكرتي وتلح بالخروج.
ذهبت للمشري (رحمه الله) بالمستشفى لأطلعه على ما كتبته قبل أن أبعثه للجريدة وما أن قرأه حتى شجعني على سرعة نشره والاستمرار على هذا النسق.. وقال إنه لا داعي للعنوان الطويل يكفي مقطع واحد ولهذا اكتفيت بالكلمة الأولى من العنوان (بدايات) وجدت ترحيباً من الكثير.. والكل يقول هذا عانيت ما يشبهه والبعض يقول والله كأنك تحكي عما حصل لي، وغيرهم يقابلني بالسوق قائلاً: أنت فلان، ويذكرني ببعض ما حصل له في القرية. فكلنا (أبناء قرية كل يعرف أخيه).
بعد عدة حلقات مما كان ينشر في الملحق الثقافي بجريدة الجزيرة وصلني فاكس من الأخ محمد السيف مشيداً ومرحباً بما أكتبه ومطالباً أن يكون هذا بداية مشروع رواية.. وأعقب ذلك بمقال بالجزيرة في 181 1421هـ بعنوان (بدايات القشعمي.. مدخل لرواية لم تكتمل).
بعد نشر ثماني عشرة حلقة أوقفت الجريدة نشر بقية الحلقات بدعوى أنني قد تعرضت لبعض أبناء البلدة بألقاب أو (معايير) لا تليق وأنه قد جاءتهم شكاوي ولفت نظر ولهذا عزمت على استكمال بعض الحلقات ونشرها بين دفتي كتاب ونويت إهداءه لمن حفزني على هذا العمل بعد رحيله قلت فيه:
(إلى ذكرى الصديق عبدالعزيز مشري.. الذي دفعني للكتابة وتابعها في بدايتها، حيث اختار عنوان هذه الإضمامة (بدايات) ورحل عنا قبل أن يرى هذا العمل النور).
وما ان نشرته في دار الكنوز الأدبية ببيروت بداية عام 2001م وكنت متخوفاً من أن لا يرقى إلى المستوى المطلوب حتى بدأت أقرأ ما ينشر عنه مما شجعني على المضي في الكتابة.
لقد قرأت ما كتبه أستاذنا الفاضل الشاعر محمد العلي بجريدة اليوم تحت عنوان بعد آخر.. (بدايات..)... هذا الكتاب الفريد لا شأن له بالبلاغة، ولا طلاء الوجه بالصورة الشعرية، أو تقديم الواقع على طبق من أخيلة. لا. أبداً.. إنه مسك الواقع من يديه، ووضعه أمام القارئ عاريا.. صور متلاحقة للحياة، بنكهتها (الخام) يصبها أمامك صباً، وبتدفق نقي كتدفق نار.
السؤال الذي كان يخترقني، عند قراءة الكتاب من أول سطر إلى آخر سطر.. هو السؤال التالي: كيف نجا هذا الإنسان من المآسي.. كيف نجا من العقد؟! كيف لم يصبح عدوانياً وحاقداً، وناظراً إلى الحياة والأحياء بعينين من جمر وشرر؟!
إنها لنعمة كبرى أن تهوي كل المعاول على إنسان، ثم تبقى روحه شديدة الإضاءة.
وكتب غيره من الأساتذة عبدالحفيظ الشمري ويحيى سبعي وأحمد الدويحي وعبدالرحمن الدرعان وعبدالباقي يوسف من سوريا ويوسف الذكير وعاشق الهذال ونالين عبداللطيف اوسو من مجلة قرطاس بالكويت.. وما سمعته من الروائي الكبير عبدالرحمن منيف بعد أن اطلع عليها قائلاً: إن هذا العمل كان يجب أن لا يخرج هكذا بل يجب أن يطلع عليه أحد الروائيين وأن يصاغ بشكل أفضل ففيه من المعلومات والصور الاجتماعية المكثفة الشيء الكثير فقد ضغطتها وأفسدت ما كان سيستمتع به القارئ بشكل أفضل فليتك تريثت قليلاً وأريتها من له خبرة في هذا المجال.. فرددت عليه بأنني قد وثقت ببعض الأصدقاء وعرضت عليهم المسودة قبل طبعها وقد تجاوب معي اثنان (جبير المليحان ومحمد السيف) واللذان وافقا على ما اطلعا عليه من بعض التعديلات البسيطة.. أما الآخر فرغم أنه شاعر وروائي فقد أجابني بأنه قرأ حلقة أو اثنتين وأنها لا تخرج عن باب السرديات العادية.
ويلتقي مع الأستاذ عبدالرحمن منيف ما كتبه مؤخراً عن بدايات الأستاذ حسين بافقيه في جريدة الرياض يوم الخميس 1051425هـ تحت عنوان (ذاكرة ثرة وسرد لاهث).
في الختام طالبني البعض بالاستمرار بالكتابة عن القرية وعن ذكريات الطفولة.. ولكن والدتي أطال الله عمرها تقول (واخزياه وش هالخرابيط اللي فشلتنا بها بالجرائد..).
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved