الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th August,2003 العدد : 25

الأثنين 20 ,جمادى الآخر 1424

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات (22)
الرجل الأصعب

بقلم/علوي طه الصافي
لم تكن مهمته في عملية التنمية الشاملة سهلة ومفروشة بالورود، والرياحين.. كان يحفر الجبال ليصنع الانفاق ايجاداً لوسائل الاتصال والمواصلات ويهد الجبال لإقامة الاحياء الجديدة بمساكن و «فلل» على آخر الطرز الحديثة وهو في القيام بدوره التنموي لا يكتفي بالتخطيط وتمويل المشروعات وهو جالس خلف مكتبه.. بل كان يقوم بزيارات ميدانية متتالية للاشراف بنفسه على سير المشروعات وتحقيقها في الفترات الزمنية المحددة لها دون تأخير.. ومحاسبة المقصر والمتقاعس حسب العقود والأنظمة.
بالنسبة للبيئة وقبل ان تنشأ «هيئة حماية البيئة والفطرة» بسنوات كان قد أصدر أمراً ملزماً يمنع قطع الأشجار كما أذكر من القصة التي سمعتها من سموه وعمَّم أمره إلى جميع الجهات المختصة لإبلاغ كل المزارعين للتنفيذ وفي إحدى العصاري ذهبت مع مرافقيه إلى إحدى الغابات للتنزه.. وبعد ان افترشوا مكاناً للجلوس خلع مشلحه وعقاله وغترته وطاقيته وذهب منفرداً للتجوال بين الأشجار وأثناء سيره سمع صوتاً غريباً اتجه نحوه ليفاجأ بأن أحد المزارعين يقوم بتقطيع الأشجار فاقترب منه وقال له: ألم تعرف أن الأمير أصدر أمراً يجب أن ينفذه الجميع، وذلك بمنع قطع الاشجار؟ فرد عليه المزارع دون أن يعرف أن الذي يكلمه هوالأمير نفسه قائلاً: مالي ولأمر الأمير، فهذه أرضي وأنا حر في التصرف فيها، وعمل ما أريد.. ثم صمت المزارع مستمراً في قطع الأشجار!!!
تركه الأمير عائداً إلى مرافقيه ليرسل اثنين من (اخوياه) لإحضار المزارع الذي ما أن حضر وعرف ان الذي كان يكلمه قبل دقائق هو الأمير نفسه فشعر بفداحة تصرفه، وارتعدت فرائصه خوفاً معتذرا بأنه لن يعود إلى فعلته معللاً ذلك بأنه لم يعلم بالأمر ولم يبلغ به.. فرثى الأمير لحاله، وصدَّق عذره، متوعداً بعقابه اذا عاد لفعلته مع امره بإبلاغ جماعته بهذا الأمر بعد أن شرح له مصلحة المنطقة في المحافظة على شجرها..لأنه لو قام كل واحد بقطع أشجار البيئة لتحولت المنطقة إلى أرض جرداء لا جمال فيها.. وهذا لن يتحقق إلا بتعاون الجميع صغيرهم وكبيرهم لأن الوطن وبيئته ملك عام للجميع.. ومن يسيء إلى وطنه بأي شكل من الأشكال وفي أي صورة من الصور هو مواطن غير صالح.. والمواطن غير الصالح هو عدو وعدو الوطن خائن له!!!
ومن القصص التي حدثني عنها أن قرية من القرى بعد مشاهدته لها رأى أنها تفتقر افتقاراً كاملاً إلى «البنية التحتية» وباستشارة جهة التخطيط عن المبلغ الذي تستحقه هذه القرية لإنشاء بنيتها التحتية.. قدروا مبلغ ثلاثة ملايين ريال.. فوضع المبلغ ضمن الميزانية وتم إقراره من قبل وزارة البلديات والشؤون القروية..واعتمدته وزارة المالية والاقتصاد الوطني.. وحين عادت الميزانية.. أشعرت وزارة البلدية والشؤون القروية بالرياض كما يقضي النظام رئيس بلدية القرية الذي لم يكن على علم بماهية المبلغ.. وقبل أن يرجع إلى رئيس بلديات المنطقة في أبها الذي كان على علم بهذا المبلغ، تصرف من جانبه بإرسال برقية مباشرة منه إلى الوزارة بعدم حاجة القرية إلى هذا المبلغ، مما حدا بالوزارة إلى تحويل المبلغ لمصلحة مشروع آخر..
وأشعرت رئيس بلديات المنطقة بذلك الذي قام بدوره إلى بإشعار الأمير بما حدث ورغم تأنيب الأمير لرئيس بلدية القرية على تصرفه متجاوزاً بتصرفه الشخصي رئيسه العام المباشر في أبها يقضي نظام التسلسل الاداري في تحديد المسؤولية.. إلا أن هذا التأنيب لم يغير شيئا مما حدث الذي حرم القرية من حقها في التنمية التي يرعاها ويتابعها الأمير بنفسه في القرية، والمدينة على السواء فأدى ذلك إلى التأخير لعام كامل، وربما لأكثر وهو ما لا يرضي تطلعات الأمير.. ولا يستجيب لطموحاته التنموية المتتالية المتسارعة للاستفادة من مرحلة «الطفرة» الاقتصادية التي تمر بها المملكة أو «الوفرة المالية» كما يحلو لي تسميتها.
وفي رأيي الشخصي أن أمثال تصرف رئيس بلدية القرية، وتصرف المسؤول عن «الدائري» لمدينة أبها السلبيين.. وصفتها بالسلبية صفة قاصرة، وهما أقرب إلى الجريمة.. مثل هذه التصرفات لا تعيق مسيرة «التنمية الشاملة» لأي منطقة أو لأي بلد من البلدان فحسب بل هي تصرفات تساعد على الابقاء على «التخلف» بكل أبعاده في عصر أصبحت فيه «الدول المتخلفة» دولاً تابعة لا متبوعة دولاً تقف في آخر صفوف المتفرجين على «فيلم تافه» أو «مسرحية سخيفة يعرضان في حي شعبي يليق بالمتفرجين المتخلفين.. وقد يقود تخلف أي بلد إلى فقدان مكانه المرموق على خارطة دول العالم.. ومكانته في اتخاذ قراراته دون تدخل أي طرف خارجي.. وقدرته الذاتية على المشاركة بندادة في القرارات العالمية!!
ومن أبرزه أعماله التنموية بشرياً انه جعل من أبها مدينة تحتضن الثقافة، والمثقفين، والفنانين.. فقد أصبح احتفال أبها السياحي السنوي تظاهرة ثقافية، وتعليمية وأدبية من خلال الاحتفال بجائزة أبها التي يمولها من جيبه الشخصي، يكرم فيها المواطن المثالي، والموظف المثالي، والادارة المثالية.. كما يكرََّم عدداً من الطلبة المتفوقين.
وكانت قيمة الجائزة مليون ريال سعودي، ثم رفع المبلغ إلى مليون ونصف المليون.. وأدخل عليها أنواعاً جديدة من الجوائز الأدبية والفنية التشكيلية مثل جائزة الشعر الفصيح.. وجائزة الشعر العامي.. وجائزة أفضل لوحات تشكيلية وجائزة افضل مجموعة قصص قصيرة لم يسبق طبعها.. وجائزة أفضل بحث أو دراسة.. وجائزة أحسن نص مسرحي كما اعتقد وربما غيرها من الجوائز التي لا أتذكرها كما استن سنة منذ سنتين أو ثلاث بتكريم بعض الشخصيات التي لها أثرها وتأثيرها وتاريخها الطويل في الأدب، والصحافة، والاعلام، والتاريخ.. وأذكر أسماء ثلاثة أشخاص من الزملاء الذين كرمهم.. وهم الأصدقاء والاساتذة (عبدالله عبدالرحمن الجفري.. ومشعل محمد السديري.. وعبدالله نور) هذا إلى جانب معارض الكتاب.
ولن يفوتني أن أشير إلى إنشائه (قرية مفتاحة) للفنانين التشكيليين قبل أكثر من عشر سنوات.. بحيث يستطيع أن يقيم فيها الفترة الزمنية التي يريدها،ليتمكن من خلالها رسم لوحاته في هدوء ومناخ جوي ساحر مناسب للإلهام والاستيحاء والابداع.. والقرية فيها كل ما يتطلبه الفنان من اقامة مستقلة عن غيره من الفنانين.. وللقرية سوقها الخاص بها.
وفي اعتقادي وحسب معرفتي المتواضعة فإن «قرية مفتاحة» للفن التشكيلي القريبة من مدينة أبها بعشرات الأمتار، وما تشتمل عليه من إمكانات، ومتطلبات تكاد تكون الوحيدة في الشرق الأوسط!!
وحين تتجول في مدينة «أبها» حاضرة منطقة عسير تجد المجسمات المتنوعة تتناثر في شوارعها.. وأغلبها إن لم يكن كلها مستمد من بيئة عسير.. كما تشاهد بعض اللوحات الفنية التشكيلية على عدد من حيطان المدينة.
والأمير في تنميته يحرص أن تكون مستمدة من البيئة.. لإيمانه الراسخ أن التقليد أو المحاكاة الحرفية هو نوع من انسلاخ الانسان عن واقع بيئته المحلية وتاريخه التليد ويرى في الجمع بين التالد والطريف أو القديم بالجديد..يحقق عدم انسلاخ التنمية عن ماضي الإنسان وتاريخه.. وعدم انفصالها من روح العصر، ومعطياته.. وهي معادلة استطاع تحقيقها بكل جدارة.. وبكل قدرة واقتدار.
وحين تزور مركز «الامارة» في أبها تتجسد أمامك صورة جديرة بالتأمل والتفكير في تطبيق هذه المعادلة التي قد تبدو لك من الناحية النظرية صعوبة تحويلها إلى واقع مشاهد، وملموس.. ولا أستبعد وجود ما يشابهها في دوائر حكومية أخرى، لم أتمكن من زيارتها ومشاهدتها.
وكان حريصاً على قيام «جامعة» مستقلة اداريا وماليا بمختلف اختصاصاتها تجمع الكليات التي كان بعضها يتبع جامعة، وأُخَر يتبع جامعة أخرى تقعان في العاصمة (الرياض) فولدت (جامعة الملك خالد) التي تعد أول جامعة تنشأ في جنوب المملكة.
ومنذ كنا نسعى لإصدار مجلة (الفيصل) كان يحلم ساعياً لإنشاء مؤسسة صحافية في المنطقة تصدر جريدة يومية، تواكب العصر، وتنتشر ليس في المملكة فحسب بل في العالم العربي.. وكان حلماً يبدو صعب التحقيق من حيث تمويل المؤسسة وتوفير الامكانات الطباعية الفنية.. وتوفير الكفاءات البشرية لتحريرها وبعد عقدين من زمن حلمه أو تفكيره أو أكثر من عقدين نفاجأ بتحقيق كلما كان يحلم ويفكر فيه بانشاء المؤسسة بكل امكاناتها الفنية.. وصدور جريدة (الوطن) اليومية بكامل كفاءاتها البشرية الوطنية من خلال طبعتين ، إحداهما محلية، والأخرى دولية!!
ولم يفته عالم الرياضة من منطلق الحكمة القائلة «العقل السليم في الجسم السليم» فاعتنى بها من عدة جوانب، ومن أنواع الرياضات التي لم تعرفها المملكة في كل مدنها الكبيرة والصغيرة، رياضة تسلق الجبال المعروفة في العالم إلى جانب غيرها من أنواع الرياضات التي أجهل أي معلومات عنها.
ومن أوائل ما أوجده العربة المعلقة التي تسير بواسطة الكهرباء (التلفريك) لنقل المواطنين والسياح والزائرين لمدينة أبها بإيصالهم إلى حرود الجبال.. والمتنزهات ومواقع الترفيه الواقعة على رؤوس الجبال.
أكتفي بهذا لأقول: إن الاشياء الصعبة التي حققتها التنمية الشاملة في المنطقة، أرضاً وبشراً كانت تحتاج إلى رجل أصعب.. وكان هذا الرجل الأصعب هو الصديق العزيز الأمير خالد الفيصل.. الذي جعل من عسير منطقة جذب مؤثر على خارطة السياحة في المملكة./. فإذا كان مواطنو المملكة وصحافتها تقول عن مدينة «جدة» إنها عروس البحر الأحمر فإنني أرى أن مدينة أبها هي «لؤلؤة المملكة».


ص.ب7967 / الرياض 11472

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved