الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th September,2006 العدد : 171

الأثنين 25 ,شعبان 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«10»
نايف فلاح

...رفات عقل) توقيعاتٌ على درجة من الصلابة الأدبية.. وإيماضاتٌ بل قل لذعاتٌ وإحماضاتٌ متفرقة ينتظمها رغم نثارها خيط خفي من الفن والفكر عليه بقع من الألم والكتابة الوجودية العميقة لا تفوت ولا تعزب على من عنده مسكة من ذوق... شأن هذا الكتاب شأن باقي كتبه، لا يأتي في شيء من كلامه بما يتهيأ لأحد أن يطويه ثنياً أو يأتي بمعناه في أقل من لفظه..
وهذا الكتيب على كثرة مغاليقه يصح عليه أن يكون مفتاحاً أو شرحاً أو حاشية أو هامشاً لآثاره الأخرى سيما (الرجولة عماد الخلق الفاضل).. ففي مكنة أي باحث حريص على معرفة هوى شحاتة الأخلاقي، هذا الهوى الذي يتبدى في القراءة غير المتصفحة وكأنه مذهب نفعي براجماتي.. في مكنته أن ينتهي إلى أن شحاتة كان على الضد من النفعية المرذولة التي لا تلتزم في أخلاقها بإطار شريف متعال عن الضرورة الأرضية المقيتة.. فالمنفعة الفردية قد تحولت عند الفلاسفة بل بعضهم إلى وجوب العمل لمصلحة المجموع فطالب أصحاب المنفعة العامة بتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.. فالصالح العام عند ذوي المنفعة العامة كان وليد الأنانية، فاتسعت فكرته لديهم حتى استوعبت الغيرة، وزاد عليه الذاهبون إلى اللذة الأخلاقية فقالوا: إن الإنسان ينبغي أن ينشد في كل فعل يأتيه لذته ومنفعته، ويصدق هذا حتى على الذين تغيّوا للأفعال الإنسانية منفعة المجموع فكانوا أنانيين حتى في تصورهم للصالح العام.. ليكشفهم شحاتة فيما حرفه: (إن أول من استعمل كلمتي (الصالح العام) بمعناهما المعروف؛ إما أن يكون (خيراً) إلى حد الغفلة: أو مخادعاً إلى حد الإجرام؛ وهو في الحالتين يجب أن يعد من عباقرة المخترعين؛ تماماً كالذين وضعوا أسماء الفضائل). (الأفراد للجماعة.. مبدأ صحيح والجماعة للأفراد.. حقيقة واقعة).
إذن: فلقد أماط شحاتة اللثام عن أغراض النفعيين وأهل اللذة الأخلاقية بل إنه أطاح بكل فلاسفة الأخلاق أو قل بمذاهبهم في محاضرته مبقياً على جوهر الفلسفة الإسلامية للأخلاق ومنظراًً لها.. ولو طاوعت التتبع وظاهرت الاستطراد لأنفقت ساعات طويلة دون أن أعود إلى نظرية المعرفة لدى شحاتة، وهي؛ كما وصفت أغمض نقطة في (رفات عقل) وتكمن هذه النظرية في مقالتيه: (الإيمان معرفة قبل أن يكون اعتقاداً)... (أنا عميق الإيمان بالله ولكني أفكر).
فإن كل من استبطن نظرية المعرفة لدى بعض متكلمي الإسلام والتي ظهرت في مصنفات أصول الدين، يعلم قطعاً أن حمزة شحاتة يقف في تعاكس مع نظرية المعرفة في تلك المصنفات..
فنظرية المعرفة هناك تقول بأن الإيمان فعل أولي لا يسبقه فعل آخر. ومن بعده يأتي دور النظر ليبرره ويقيم الحجج له.. أما نظرية المعرفة التي غرزها شحاتة في كتابه تجعل من النظر فعلاً أولياً يسبق الإيمان، وهو بهذا ينتفض على حركة المعرفة وطريقة الإيمان في مجتمعه، كما ينتفض على المصادر الظنية للمعرفة ولا يسكن إلا إلى النظر بجميع طرقه الاستدلالية والبرهانية والقياسية دون جحود للأبعاد الشعورية التي لا تفتأ تختبئ داخل الاعتبار في محاولة لرسم خط فكري جديد في مجتمعه.. ونظرية المعرفة لدى شحاتة ليست بدعا وإنما قالت بها قديماً أخطر فرقة إسلامية، والتزم بها عباقرة الفكر والأدب، وأخذت تروج وتشيع منذ عقود في العصر الحديث خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة لدى مفكري الإسلام والعربية.. ولا معدى لنا من الإشارة إلى أن هذه النظرية ليست من قبيل النشيد الذي تمضغه الأفواه بل هي ممارسة تستتبع أراء ونظرات تدخل في حياة المفكر الشخصية والعلمية.. وهذا منهاج كل متفوق فإنه لا يخرج شيئاً إلا وقد تهذب أولاً في نفسه فيمسي كل ما هو خارج عنه انبثاقاً طوعياً عن ذلك التهذيب.
وبنظرية المعرفة هذه (الإيمان معرفة قبل أن يكون اعتقاداً)، يبرم شحاتة حواراً سالباً مع معلميه ومشائخة الأولى لقّنوه أن الإيمان وسيلة للمعرفة، ومن ثم يأتي دور النظر في فهم ذلك الإيمان وهو بذلك كان يؤسس بكياسة لنسق عقلي لم يلتفت إليه أحد....
وختاماً ائذنوا لي أن أحول قلمي عن الحديث عن محاضرته الشهيرة وأخلّي بينه وبينها إلى حين، لأقف على آخر ضفة من ضفاف حمزة شحاتة، وهي من الضفاف بمكان المولد..
إنها (الإثنينيات) أو الأضداد: ولا يعني أن هنالك ترادفاً يوحد مابين هذه وتلك، وإنما هي فترتان من فكر شحاتة... الأولى كانت في نظره أضداداً، إذ كان يصارع الواقع بالنظريات، وكان يريد أن يجعل الحياة صورة للمنطق ثم صدف عن هذا جادّاً في الكشف عن منطق الواقع.. وعرف أن الواقع شيء والمنطق شيء آخر، وآمن بأنهما لن يلتقيا من غير مغض وحسرة.. وكان وقتذاك يقول بالأضداد: (كل شيء في الحياة مسلط على كل شيء)...
ولما سلم للحقيقة الحاضرة أمام عينه أصبحت الأضداد في نظره (إثنينيات) تتدافع وتتكامل فتحلت له العلاقة بين (الضروري والفائض) و(العقل والخيال) و(فيما ينبغي أن يكون وماهو كائن).... إثنينيات أفضت في النهاية إلى وحدة كبيرة، وحدة الشخصية التي هي شعور بالانسجام بين أجزائها، والانسجام بينها وبين مايحيط بها.........
فتمظهرت هذه الشخصية في رسائله لابنته شيرين.
.............................................................................................انتهت


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved