الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th September,2006 العدد : 171

الأثنين 25 ,شعبان 1427

نقد النقد الأدبي 2
د. سلطان سعد القحطاني

يعتبر أبو محمد عبدالله بن قتيبة الدينوري، العالم الأديب، كان لغوياً نحوياً (ت276881) أول من طرح آراء جريئة ضد هذا التيار من اللغويين والنحويين والبلاغيين، وقد اختلف عمن سبقه وعاصره في آلياته النقدية، فابن قتيبة درس العلوم الكونية والنقلية ودرس الشعر، فتربى له ذوق نقدي حر، وتكونت له ذهنية خاصة كانت هي المعبر بين القديم والجديد، وقد ألف كتابين في النقد هما (الشعر والشعراء) و(أدب الكاتب) وما سنتناوله في هذه الدراسة، كتاب، الشعر والشعراء، لما أورد فيه من آراء تعتبر ظاهرة أدبية نقدية جديدة في زمانها، وكان ابن قتيبة جريئا في طرحه، واضحاً في آرائه، معتدلاً في نقده للنقاد القدامى، أنصار الشعر الجاهلي والإسلامي، الذين لا يعترفون بشعر جاء بعد القرن الأول الهجري. أما المحدثون، فهم أنصار الشعراء من الجيل الثالث من وجهة نظري مثل: بشار بن برد، ومروان بن أبي حفصة، ومطيع بن إياس، وابن هرمة، والعتابي، ومنصور النمري، وأبي نواس، ومسلم بن الوليد، وابن المعتز، وابن الرومي، وأبي تمام، والبحتري، والمتنبي، والمعري، ومن هم في حكمهم من العصر.
ولم تكن الخصومة بين القدماء والمحدثين قد قامت على آلية نقدية فنية، فآليات القدماء آليات نحوية ولغوية، للأسباب التي أشرت إليها في بداية الحديث، حيث إن الشعر القديم يقع في مقدمة ثقافتهم وتكوين شخصياتهم الأدبية والعلمية، وهو زادهم في الاستشهاد والتذوق، فرجل مثل أبي عمرو بن العلاء لم يكن يفضل الشعر الجاهلي والإسلامي من الناحية الفنية، بل من أجل أقدميته وصلاحيته للاستشهاد، لذلك أقام ميزانه على العصر، وليس على الشعر، ولعل مقولته المعروفة ليست عنا ببعيد، وهي دليل على تمسكه بالقديم على حساب الحديث، حتى لو كان يوما واحدا، يقول: (لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهلية ما قدمت عليه أحدا). وهذا دليل آخر على تعصب هذا الفريق. وقول الأصمعي: (جلست إلى أبي العلاء عشر حجج ما سمعته يحتج ببيت إسلامي) ويذكر عنه أنه قال مرة: (لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى هممت أن آمر فتياننا بروايته) ويعني بالمحدث شعر جرير والفرزدق. هذه الآراء ليست مقصورة على أبي عمرو بن العلاء، بل هي صفة العصر من خلال الآلية العلمية وليست الفنية، فها هو ابن الأعرابي يقول عن شعر المحدثين: (إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل: أشعار أبي نواس وغيره، مثل الريحان يشم يوما فيذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيبا. وأنشد رجل شعرا لأبي نواس أحسن فيه فسكت، فقال له الرجل: أما هذا من أحسن الشعر؟ قال: بلى، ولكن القديم أحب إلي. إن النمط السائد والآلية النقدية والرؤية العلمية، جعلت هذا الرعيل من النقاد اللغويين يتبعون هذا المنهج ولا يحيد عنه إلا متمرد على الوضع المألوف، لسببين: الأول، أن الظروف العلمية تحتم على المشتغل بهذه الفنون أن يساير الوضع باستخدام آليته العلمية التطبيقية، وقد أشرت إلى شيء من ذلك. والثاني، عدم وجود آلية نقدية فنية، قبل ابن قتيبة وابن طباطبا، وقدامة بن جعفر وابن المعتز، حيث كان الاتجاه إلى اللغة والنحو، عند أبي زيد الأنصاري، وخلف الأحمر، والأصمعي، وأبي عبيدة، والمفضل الضبي، وأبي عمرو الشيباني، وحماد الراوية.. وغيرهم من اللغويين والنحاة.
وبتأثير هذا التيار سواء في هذا الزمان أو في غيره هناك أشخاص يسيرون في ركاب القوي، فنجد نقادا لغويين ونحويين ينقدون في ظل هذا التيار، وهي مآخذ على بعض الشعراء، من الناحية اللغوية النحوية، مثل نقد عيسى بن عمر الثقفي للنابغة الذبياني في قوله:
(فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السُمُّ ناقع)
ويقول عيسى بن عمر: والصواب (ناقعاً) منصوب على الحال. أو نقد عبدالله بن إسحاق الحضرمي، لبيت الفرزدق عندما شكا حاله لعبدالملك بن مروان:
(وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلفُ)
ويرى ابن إسحاق أن الصواب (مجلفا) وهذا النموذج قد أتعب النحويين في تخريجه، وغير ذلك كثير. ولعلنا في المحور التالي نعثر على أول تجربة من نوعها عند ناقد استطاع الخروج على مذهب هذا التيار بحرفية لم تسلم من النقد والاختلاف حولها.


Dr_sultan1@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved