الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 18th October,2004 العدد : 81

الأثنين 4 ,رمضان 1425

فلسفة لشمس الحوار
د. صالح زيَّاد *

لا يملك المرء إلا أن يشعر بالغبطة والبهجة تجاه الوعي بقيمة الحوار، والإدراك لجداوه المعرفية والاجتماعية، وتجاه الحفاوة به والسعي إلى تأسيس منهجيته في منظورنا للحقيقة والذات والآخر؛ لأن ذلك يعني أننا أمام دلالة واضحة على عمق التجربة، ونضوج الذات، واستواء معاييرها الأخلاقية، واتساع منظورها تجاه الوطن والعالم، كما يعني أننا نكرس مبدأ المسالمة والتسامح الذي يستلزم تحييد مواقف الإملاء والإكراه فيما يتسع لقولين أو أكثر.
وليس من شك في أن بهجتنا المغتبطة بمعاني الحوار هذه تقودنا، بصدق إلى مباركة جهود المسؤولين في بلادنا على فتح نوافذ الحوار، وبذل طاقتهم لتنظيم مؤتمراته، وتأسيس جهاز تنسيقه والإشراف عليه المتمثل في (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني).
إن فقدان القدرة على الحوار، تعني معرفياً فقدان منهجية العلم، فالعلم سعي إلى الحقيقة، والسعي إلى الحقيقة يقتضي التنازل عن الصفة الشخصية الذاتية؛ لأن الحقيقة ملك للجميع، والكشف عنها غاية إنسانية لا ترتهنها فئة دون غيرها، ولا يحتكرها شخص دون سواه.
العالم لا يعمل، في سبيل الكشف عن الحقيقة، لحسابه الشخصي، فهذه الشخصانية أول محظر يتحيف علمية العلم، ويذوِّت موضوعيته، هو إذن يتجاوز ذاتيته، ويتخطى علاقته
الشخصية بالمعرفة ليؤسس لمنظور موضوعي يتلاقى فيه مع الآخرين دون عوائق، ويتلاقون معه دون قيود، وفي هذا المستوى يكون الحوار قناة تعارف وإثراء وترقية واستدراك ومشاركة وتفاعل، وهو بالتالي دال من دوال الحيوية في المجتمعات والثقافات.
لا أحد يحتكر الحقيقة العلمية والمعرفية على المستوى البشري، حين نقول بعكس ذلك لا يغدو للعلم حركة، ولا للحياة جدل وتفاعل وإغناء متبادل، ومن ثم لا وجود للحوار أمام حقائق مطلقة ومعارف يقينية. الحوار المعرفي وليد لعقلية تتساءل وتقلب الأمور وتُعمل العقل تحليلاً واكتشافاً ومراجعةً واجتهاداً.. العقلية، هكذا هي في مستوى
القدرة على إنتاج المعرفة، وليس تلقيها فقط، هي عقلية تغني المائدة الإنسانية ولا تفقرها، وتضيف إليها بقدر ما تستهلك منها، وتحركها في الوقت الذي تتحرك بها.
الحوار أخلاقياً سلوك إيجابي يقوم على الثقة في النفس والإحساس بالندية ورحابة الذات وسعة الأفق. فقدان الحوار يعني، من الزاوية الأخلاقية، فقدان الصدق والمسؤولية، ويعني الأنانية البغيضة والجبن والاهتراء. أن تفقد مصداقيتك يعني أن تفقد شجاعتك، وأن تفقد مسؤوليتك يعني أن تفقد حريتك، وناتج ذلك في الحالين الانطواء والانكماش الذي يعني في العمق: الموت وجودياً.
أما في العلاقات الاجتماعية والإنسانية فإن الحوار ضرورة سلام وتعايش، السلام بين المجتمعات البشرية لا يعني اتفاقها التام، وإنما يعني تنظيم وجوه اختلافها واحتوائه. إنها تجتمع على المتفق عليه، ويعذر بعضها بعضاً في المختلف فيه، بدائل الحوار، هنا ليست شيئاً غير القهر والتسلط والإكراه، والقوة تصنع الإذعان، ولكنها أبداً لا تصنع الإقناع.
الحوار جوهر معرفي وأخلاقي واجتماعي، ويوم أن نخضع لشروطه المسلكية والموضوعية سنغدو أكثر ثقة في غدٍ مشرق بنا ومن أجلنا.


* الرياض جامعة الملك سعود
Zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved