الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 18th October,2004 العدد : 81

الأثنين 4 ,رمضان 1425

في بيتنا عاطل..!!
أمل زاهد
يكاد لا يخلو بيت سعودي من عاطل عن العمل أو أكثر، يتملل بين جدرانه ويتحرق شوقاً إلى عبور بوابته.. حيث تشرق شمس العلم نافضة غبار الضجر ومبددة قسوة رتابة الأيام وكآبة إيقاعها. ولو تحدثت مع أحد أفراد هذه الفئة لرأيت الإحباط يتدلى من عباراته، واليأس يكاد يخنق كلماته بين شفتيه. حتى صار التخرج من الجامعة شبحاً مخيفاً يطل برأسه على كل طالب جامعي أو طالبة، لأنه سيجلب في معيته نتائج ما بعد التخرج، والذي يأتي في أول قائمتها كابوس البحث الدؤوب والمضني عن عمل قد لا يرضي أقل طموحات ذلك المتخرج. حتى أن كثيراً من الطلاب صاروا يتعمدون تأخير تخرجهم ويتلكأون في دراسة هذه المادة أو تلك، حتى لا يجدون أنفسهم يصطلون بنار البحث عن فرصة عمل قد لا تحقق لهم أبسط احتياجاتهم المعنوية والمادية، وتأخير تخرجهم من دون شك يضاعف الأعباء الاقتصادية التي تتكلفها الدولة.
والبطالة مشكلة لها آثار عميقة الغور في نفوس الشباب، الذين تتدفق دماء النشاط والحيوية في عروقهم، ثم لا يجد ذلك النشاط متنفساً ولا تلك الحيوية مجرى على أرض واقعهم.
ومن نافلة القول أن العمل حاجة أساسية ومطلب حيوي يحقق الإنسان به ذاته ويشعر من خلاله بأهميته وفعاليته في مجتمعه، كما يقيه شر الفقر والحاجة والعوز.
وأخطر ما في هذه المشكلة هو ذلك الإحساس القاتل بالعجز وبقلة الحيلة، ومن ثم الدخول في لجة اليأس الذي يدمر الطاقة والروح الإبداعية الإنتاجية المثمرة التي تتأرجح بها هذه المرحلة العمرية، فتتحول تلك الطاقة الخلاقة إلى طاقة مدمرة وتقوم بعملية عكسية ارتجاعية تدمر فيها صاحبها والمحيط الذي يعيش فيه، فتقفز به إلى مهاوي الفراغ ومستنقعات الملل ويصبح الشاب لغماً مزروعاً يتهيأ لتلك اللحظة التي ينفجر فيها وينفث حممه على ما حوله ومن حوله.
ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يشعر به المتقدم إلى عمل ما وهو يرى مئات الراغبين فيه أمثاله، وهم يتناهشون الفرصة على عدد محدد جداً من الوظائف، وغالباً ما تتحول عملية التقديم نفسها إلى آلية متكررة، يغلفها اليأس ويكسوها ذلك الإحساس الممض المؤلم بمعرفة النتيجة السلبية حتى قبل إكمال تعبئة أوراق تقديم الطلب. وهنا يبدأ الشاب بالقيام برحلة اللوم التي يجد نفسه مرغماً عليها ولكنه لا يدري أي اتجاه يسلك فيها. فهل يلوم النظام التعليمي الذي فشل في ربط العملية التعليمية بالتنمية وبمتطلبات سوق العمل؟ أم يلوم سوء التخطيط وعدم القدرة على استشراف المستقبل من المسؤولين عن التعليم في السابق، وبالتالي الفشل في خنق الأزمة ووأدها قبل أن تولد.
أم يلوم نظام العمل وعدم قدرته على خلق الفرص المناسبة للعاطلين بشرائحهم المختلفة؟ أم يلوم القطاع الخاص وعدم شعوره بالمسؤولية نحو الوطن والمواطنين؟
أم يلوم المجتمع ونظرته الدونية
لأرباب المهن والحرف؟ وعدم قدرته على تهيئة المناخ لاحترام هذه الأعمال الحيوية؟
أم يلوم نفسه على سوء اختياره لدراسته وتخصصه؟ وهنا قد يصل إلى تلك الهاوية التي يجتر فيها أخطاءه ويلوك مثالبه وعيوبه، ويسقط في إحدى فخين إما الرثاء للنفس والبكاء على اللبن المسكوب والحظ المنكود، أو فخ القسوة على النفس واتهامها بعدم الجدية في السعي إلى انتهاز أي فرصة ولو متواضعة تتاح له. ويكون بهذا قد قرر أن يسلك الطريق الوعر المدمر.. الطريق الذي يجلد فيه ذاته ويحاكمها بدلاً من أن ينقدها ويقومها؟ الطريق الذي سيكبل قدميه عن القيام بأية خطوة تدفعه إلى السير قدماً في طريقه المحفوف بالمصاعب، وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي يتجسد في تحويل طاقات وقدرات الفرد الإيجابية إلى قوى سلبية تهدمه بدلاً من أن تبنيه. وربما وصل إلى تلك الحافة الخطرة التي يفقد فيها القدرة على صنع وخلق الحلم، أو أن يلجأ مضطراً إلى أن يُلبس حلمه جواز سفر يذهب بواسطته إلى منفى يصنع فيه حلماً لم يتمكن من خلقه وتشكيله على أرض وطنه.
وفي الحقيقة تخلق البطالة كثيراً من المشكلات في جميع المجتمعات وتتفاوت حدتها من بلد إلى آخر، وتكون إحدى العوامل الأساسية التي يقوم عليها سقوط مرشح أو فوز آخر في الدولة الديمقراطية, وذلك لأهمية تقديم الحلول الناجعة لهذه المشكلة التي تنخر في جسد القوة الاقتصادية لأي دولة، وتسري في بنيانها كالحمى فتضعفها وتوهن كيانها. وعلماء الاجتماع يدركون أن بنية المجتمعات وخارطتها لا تتغير إلا بتغير ظروفها الاقتصادية، وأن التحولات الكبرى في المسيرة الاجتماعية تتم عبر التغيير الاقتصادي الذي يعيد توجيه دفة الأفكار ويحول مسارها وليس العكس، فالأفكار لا تخلق تغييراً إلا بمصاحبة نقلة اقتصادية. كما أن توفير اليسر المادي للطبقة الفقيرة سيساهم في خلق ونشوء الطبقة المتوسطة القادرة دائماً على الفعل والتغيير والتي نكاد نلمح انقراضها تحت وطأة وحش الرأسمالية وهيمنة رؤوس الأعمال الضخمة واكتساح الشركات الكبرى.
المستقبل لا يبشر بالخير إذا ما استمر الحال على ما هو عليه خاصة في المنظومة التعليمية، والأجيال القادمة قد تدفع فواتير أبهظ ثمناً مما يدفعه هذا الجيل. ولقد استشرف الدكتور غازي القصيبي الواقع الذي نمر به الآن منذ أكثر من عشرين سنة، واستبطن الأحداث الحالية من خلال استقراء بعض الإرهاصات والظواهر، وحذر من مغبة فصل التعليم عن التنمية ومن جحافل البطالة الزاحفة إلى مجتمعنا في أكثر من مؤلف، ولكننا كنا ننام في عسل الطفرة في تلك الحقبة غير عابئين بما يحمله المستقبل في جعبته. والتحدي الصعب الذي يواجه معالي الوزير القصيبي الآن يتبلور في تقديم حلول جذرية وحاسمة لهذه المشكلة، فقد تعبنا من تناول المسكنات ومن تجرع لذع مرارتها!!


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved