الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 18th October,2004 العدد : 81

الأثنين 4 ,رمضان 1425

(المروة لا تفلق الصفا.. ولكنها تقدح شرارة وتوقد نارا..)
محمد حسن عواد

وولي الدين يكن (33) ومي زيادة (34)، وسلامة موسى (35). وتطرق لأسماء كثيرة من الأدباء والمفكرين، مثل أمين الريحاني، وهيكل والمازني، وجبران ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي وبشارة الخوري وفؤاد الخطيب (36)، وغيرهم، مما ينبئ عن سعة اطلاعه.
الرافد الثالث / أفكار قاسم زينل
تشرب العواد أفكار قاسم زينل التقدمية الوافدة من الهند التي كانت وجهة البعثات التعليمية الأولى، ومناط المتاجرة والمثاقفة، وقاسم زينل هو شقيق الحاج محمد علي زينل رضا مؤسس مدارس الفلاح.
يقول محمد حسين زيدان معزيا في العواد ومؤاخذا له (خضع في أول أمره لتأثره بقاسم زينل، فقد كان قاسم زينل صاحب آراء حضارية وإن كان فيها بعض التطرف، فكل ما سلف مما أخذ على العواد كان من انطباعه وتأثره بقاسم زينل) (37) والآراء الحضارية لا توصف عادة بالتطرف، وربما قصد الزيدان التطرف في الوسائل الموصلة إلى تحقيقها.
ويورد العواد موقفا يدل على تلك الصلات التنويرية مع الهند (38) التي غالبا ما يكون لها تأثير بصورة أو بأخرى.
يقول (يوم أن زار مدرسة الفلاح أحد زعماء الهند الذي كانت هناك معرفة شخصية من السابق بيننا وبينه، أخذ يباحثني في الأدب لأن الرجل له اطلاع جيد في الأدب القديم والحديث، وبالمناسبة سألته أنا عن (تاغور) شاعر الهند الكبير، ورسول الحرية الأدبية فيه.. ولم يكد الرجل يسمع ذكر تاغور حتى سألني: هل يمكن أن نجد مثل هذا الرجل هنا؟ ومثلت معه دور الجهول، فقلت: أين؟ قال: في الحجاز.) (39)
كانت كلمة صديقه الهندي تنطوي على تحريض واضح، وربما انعكس أثرها في كتابه. والملاحظ أن العواد لم يتعرض في الكتاب (للتابوهات) التقليدية، كما انه يظهر التعظيم لثوابت الأمة الأساسية، ومع ذلك أثار كل هذه الضجة، مما يدل على أن هناك من كانت لديه (تابوهاته) الصغيرة، مثل عدم التعرض لخزعبلات أصحاب الطرق الذكرية، أو للمصالح الطبقية والفئوية، في حين كان يطمح إلى تفكيك الخطاب المنتج لكل ذلك، لينشأ على أنقاضه خطاب تنويري جديد، وربما تأثر في ذلك بظاهرة (الفسخ) عند الهنود، الذين يؤمنون أن العالم يتفكك ويتكون منه أجزاء جديدة.
ونستخلص تأسيسا على ذلك أمرين هامين يلخصان طبيعة تكوين العواد, واتضح أثرهما في كتابه:
الأمر الأول: أنه يقرأ إنتاج الآخرين، ويستفيد منه، ولكنهم لا يستلبونه، فمن الاستلاب هرب، ويمكن الاستشهاد بحالة سلامه موسى، الذي وصفه الزركلي بأنه (كاتب قبطي مصري مضطرب الاتجاه والتفكير) (40).
إذن العواد ليس لديه عقد من أي نوع في هذا الخصوص، فهو يأخذ المعلومة المجردة أو الفكرة أو المنهج ويتمثله، ثم يطبعه بطابعه الشخصي وقناعاته الخاصة.
الأمر الثاني: أنه يتمتع بروح المبادرة، أو ما يسميه الآشي (تدفق الروح الحية) فحين أحس بواجبه في تنوير قومه لم يتردد في إصدار كتابه المثير للجدل، في الوقت الذي كان الآخرون يستغربون إصداره للكتاب، فضلا عن أن يكتبوه هم.
والمبادرة هي الصفة الأولى من صفات ذوي الفعالية العالية، وهذا ما فعله العواد، وكأنه يتمثل عبارة غاندي الشهيرة
(قد يغدو كل ما نفعله بلا أهمية.. ولكن من المهم فعله).
«4» المفهوم
وكل ما سبق يوضح سعة اطلاع العواد على حداثة سنه وأهم الروافد التي كونت شخصيته الثقافية، وبالتالي يمكننا استقراء مفهوم التنوير عنده سواء على المستوى النظري، أوالتطبيقي.
وبالرجوع للكتاب لمعرفة أكثر التعبيرات دورانا فيه، نجد أن كلمة الفكر ومشتقاتها وردت حوالي (110) مرات، وكلمة الحرية (69) مرة، وكلمات المعاصرة والتحديث مثل: العصري والحديث والجديد والحاضر (61) مرة، وكلمات مثل: النور والضوء والنار والشمس والفجر (53) مرة، والنهضة والرقي والتقدم (37) مرة، والعقل ثماني عشرة مرة والفتوة (15) مرة، والخيال والابتكار والإبداع (13) مرة. والتكرار بهذا العدد في كتاب صغير الحجم (80 صفحة) يعطي دلالة استحواذ هذه الكلمات على تفكيره، ويكشف نمط مفهومه للتنوير، فهو يرى أن تخلف الأمة ناشئ في أساسه عن خلل فكري، ولا بد من إطلاق حرية الفكر، لأنه يريدها (ثورة فكرية) (41)، والحرية عنده قيمة عليا، فهي القيمة الأولى في (منافيستو) التعليمات (عش حرا) (42)، وغالبا ما تأتي مفردتي الفكر والحرية متلازمتين بحيث تكون إحداهما مضافة إلى الأخرى.
والألفاظ الخاصة بالتنوير عنده تأتي مرتبطة بالجدة والحداثة والمعاصرة، لتحقيق الرقي والتطور والنهضة، عن طريق الإبداع والابتكار والخيال الخلاق.
ويخلص من كل ذلك إلى محاولة تطبيقه على الواقع، فيلخص تحديده للوسائل (نأتي بفكر جديد) (43) والأهداف (ليترقى الحجاز)(44).
وفي العموم فإن مفهوم العواد للتنوير يكاد يطابق الأفكار التي نادى بها الألماني كريستيان توماسيوس (1655م 1728م) الذي عاصر بدايات حركة التنوير في أوروبا، ودعا إلى حرية التفكير دون الخوف من أية سلطة، ورفض الخرافات، وعدم قبول أي قول من دون تفكير أو تمحيص، حتى لو كان من الوالدين أو المعلمين، وأن الدين منزه عن الخطأ، في
حين أن الجميع يخطئون ما عدا الإله(45) وعلى المستوى التفصيلي، فإنه يمكن إجمال مجموعة من الأبعاد التي تشكل محاور المشروع التنويري لدى العواد والمجموعة المحيطة به في ذلك الوقت وهي في أغلبها لا تخرج عن مفهومه العام للتنوير:
المحور الأول:الحياة لأجل
الحياة وليس من أجل الموت
كان الهدف إذن واضحا في أذهانهم، وهذه من صفات ذوي الفعالية العالية, يقول الآشي في المقدمة (نحمد الله على أن قيض بين ظهرانينا ناشئة صالحة ترغب في الحياة لأجل الحياة) (46), وذلك لإخراج المجتمع من أسر التخويف بالموت والتزهيد في الحياة، باعتبار أن تلك هي الوسيلة التي يستخدمها الخطاب السائد للسيطرة على الناس، مع ما تسببه المبالغة فيها من يأس وقنوط وعدم رغبة في البناء
والتقدم، بحيث يتلبس المستقبل بوعيد الموت بدلا من وعد النماء والتطور.
المحور الثاني: تصحيح المفاهيم
تباشير توحيد البلاد أطلقت آمال المثقفين من عقالها، وفتحت لهم آفاقا واسعة باستعادة مجد الأمة التليد.
وكانت أغلبية الناس في ذلك الوقت غير مهيأة للانخراط في مقتضيات العصر، ويرون أن السبيل الوحيد هو العودة للماضي المجيد على أساس أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، ولكنهم يغفلون ما تقتضيه العبارة نفسها، أي أنه لا يفسد آخر هذه الأمة إلا بما فسد به ذلك الأمر بعد صلاحه.
وهذا ما وعاه العواد ورصفاؤه، فقد كانوا يرون أن التنوير والأخذ بأسباب التقدم والتحديث كفيل بوضع مجد الماضي في سياقه الصحيح بالانفتاح على العالم والمنجزات الإنسانية التي كان للعرب في يوم من الأيام نصيب من الإسهام فيها، وكانوا يرون عدم الخضوع لسلبيات الماضي، بل إخضاعه للرؤية المستقبلية، فهم ينظرون إليه من زاوية بؤس أدائه في الحاضر، وفي نفس الوقت احتفاظه بالقيم الأساسية التي يمكن الرجوع إليها مباشرة، دون العبور بغابة المذهبيات والتقاليد المتخلفة، ويشعرون أن هذه البلاد أحق بالقيام بهذا الشرف من البلاد الأخرى، كما كانت هي صاحبة الشرف الأول، كونها أرومة العروبة، ومهد الإسلام، وأنه (جدير بهم أن يباروا جيرانهم من أبناء سوريا ومصر الذين ضربوا في الأدب بسهم وافر، وقطعوا في العلم مراحل شاسعة.. حتى يعود السيف إلى قرابه ويرجع الحق إلى نصابه)(47)
المحور الثالث:
أهمية الأدب في التنوير
اختار العواد الأدب عموما والشعر في القلب منه ليكون قاطرة مشروعه التنويري، وذلك لعدة أسباب أهمها، أنه أديب، ويعرف أن الأدب هو المصدر الأولي للمعرفة، إضافة إلى ما أشير إليه من الحرية الأدبية النسبية في تلك الفترة، وأن المرجعيات الثقافية العليا للأمة قوامها اللغة والأدب والفصاحة والإعجاز البياني.
فهي مستودع قيم الأمة، وميدان
مناظراتها ومنافراتها، وسجل مفاخرها وإنجازاتها.
وفي غياب مؤسسات المجتمع المدني، والنخب السياسية، والصحافة المؤثرة، فلا غرابة أن يكون (لأدب هو أول الطريق) (48)، و(سبيل النهوض) (49) كما يقول الكتاب.
لقد ابتلع الخطاب السائد قاسم زينل، وأهال عليه تراب النسيان، لأنه ليس من الأدباء الذين يخلدون أفكارهم بواسطة الكتابة، في حين أن أدب العواد أشعلها وأبقى جذوتها متقدة على مر السنين.
أي أن هذه الأفكار التنويرية لو لم يتصد لها أحد الأدباء لدفنت كما دفن قاسم زينل ومسح من ذاكرة الوطن.
والدعوة إلى التجديد في الأدب لها أبعاد كثيرة وعميقة، ففي علاقة الفكر باللغة تؤثر طرائق التعبير على طرائق التفكير، وتحكم عليها الخناق ولا بد من طرائق تعبير جديدة تناسب الأفكار الجديدة، وتفتح الآفاق لتطور المجتمع وتقدمه.
ولذلك يركز على اللغة (لا يحسن باللغة العربية أن تقف جامدة) (50) ويعتبر الأدب خط الدفاع الأخير، وبداية الطريق للتنوير (إذن فما بالنا نرجع إلى الوراء حتى في الأدب؟)(51)
المحور الرابع: إطلاق حرية التعبير
إن متلازمة (التفكير التعبير التأثير) لا يمكن إيقاف قوتها إلا بتحطيم أحد حلقاتها، وحيث إن التفكير يصعب إيقافه لأنه مثل التنفس ونبض القلب، وإن التأثير أيضا لا يمكن ضمان إمكان السيطرة عليه، لأنه لا يعرف تداعياته إلا الله سبحانه وتعالى.
فإن الرقابة الاجتماعية عادة ما تركز على الحلقة الوسطى, وهي التعبير بكبتها وفصمها لكسر حلقة التوصيل بين التفكير والتأثير، وبالتالي تتوقف آلية اشتغال هذه المتلازمة.
كان المتبع قبل العواد في انتقاد النقائص، ما يقوم به بعض البسطاء أو الخبثاء من إظهار المنقصة أو العيب أو الشبهة بحجة الرد عليها، الأولون بحسن نية والآخرون بهدف إظهارها للناس بطريقة غير مباشرة لعلهم ينتبهون، ولكن العواد تجاوز كل ذلك وسمى الأشياء بأسمائها أو كما قال الآشي (يرى الأشياء كما يجب أن ترى).
المحور الخامس:
اعتبار ما قاموا به ثورة تنويرية ولذلك
يقول العواد (تناولت مشعل النار لأننا في ظلمات. وسيف الحرب لأننا في بدء تكوين ثورة فكرية، هي ثورة الجديد على القديم والحرية على التقليد). (52) فالثورة لا غيرها هي التي تستطيع زحزحة الفكر السائد المتجذر، ولذلك يؤيد الآشي ما قاله العواد (إن هذه الثورة الفكرية أو الأدبية عندي أنجح سعي وأسرع نتيجة لأولئك الذين يريدون أن يحيوا رمام النفوس، ويحركوا جوامد الأفكار، وينطقوا صوامت الإحساس والوجدان )( 53)
وفي سياق الثورة يتحول القلم إلى سيف (سلوا اليراع يا أدباء الحجاز) (54)، وسمى العواد كتاب خواطر مصرحة (ثورتي الأولى) ( 55)، أو (الثورة الجهيرة) (56) ولا غرابة في مماهاته بين الأدب والثورة، فهو يعلي من شأن الثورة الفرنسية, ويرى أنها (ثورة كبرى.. في الأدب والسياسة)(57)


* ألقيت مختصرة في ملتقى جماعة حوار في نادي جدة الأدبي الثقافي 2181425هـ
510 2004م . وخص بها كاتبها « الثقافية».


المصادر والمراجع
***
1 أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، محمد علي مغربي (ص 155) ط1 تهامة جدة 1401هـ 1981م.
2 فلسفة بول ريكور، ترجمة وتقديم سعيد الغانمي (ص21) ط1 المركز الثقافي العربي 1999م.
3 لسان العرب ( ص 2469 ) طبعة دار المعارف بمصر
4 لسان العرب (ص 4188)
5 خواطر مصرحة، محمد حسن عواد (ص 36) أعمال العواد الكاملة، المجلد الأول دار الجيل للطباعة بمصر 1401هـ 1981م
6 الخواطر (ص 36)
7 الخواطر (ص 75)
8 الخواطر (ص 35)
9 المقدمة (ص 26)
10 الساحر العظيم، ديوان العواد الجزء الثاني (ص 17).
مطبعة دار العالم العربي بالقاهرة 1398ه 1978م
11 الخواطر (ص 58)
12 الخواطر (ص 61 ) 13
13 مقدمة الخواطر (ص 30)
14 المقدمة (ص 34)
15 العواد قمة وموقف، عبد الحميد مشخص ومحمد سعيد الباعشن (ص 51) دار الجيل للطباعة بمصر 1980م عن جريدة المدينة العدد 4885 2 جمادى الثانية 1400هـ
16 المقدمة (ص 25)
17 الخواطر (ص 36)
18 الخواطر ( ص111)
19 مقدمة الخواطر ( 25)
20 المغربي، الأعلام (ص 150)
21 مقدمة الخواطر ( ص 26)
22 الخواطر (ص 69)
23 العواد قمة وموقف (ص 47) عن جريدة المدينة العدد 4885ـ 2جمادى الثانية 1400هـ
24 العواد قمة وموقف (ص 58) عن جريدة المدينة العدد 4891 ـ 9 جمادى الثانية 1400هـ
25 العواد قمة وموقف (ص51) عن جريدة المدينة العدد 4885 2 جمادى
الثانية 1400هـ
26 مقدمة ديوان البراعم، محمد حسن عواد (ص 4) ديوان العواد الجزء الأول
27 مقدمة الخواطر( ص 27)
28 أعلام الحجاز (ص 154)
29 الخواطر (ص 40)
30الخواطر (ص 42)
31 الخواطر (ص 70)
32 الخواطر (ص 71)
33 الخواطر (ص 74)
34 الخواطر (ص 84)
35 الخواطر ( ص 35) و(ص 84)
36 الخواطر (ص 74)
37 العواد قمة وموقف (ص 137) عن جريدة الجزيرة 7 جمادى الآخرة 1400هـ
أفكار المودودي، وجماعات التبليغ، وما شابه ذلك.
39 الخواطر (ص96)
40 الأعلام، خير الدين الزركلي المجلد الثالث (ص 107) الطبعة الرابعة، دار العلم للملايين بيروت لبنان 1979م
41 الخواطر (ص 36)
42 الخواطر (ص 57)
43 الخواطر (ص 61)
44 الخواطر (ص 55)
45 دليل الناقد الأدبي، سعد البازعي وميجان الرويلي (ص132) ط3 المركز الثقافي العربي 2002م
46 الخواطر (ص 28)
47 مقدمة الخواطر (ص 28)
48 مقدمة الخواطر (ص 62)
49 الخواطر ( ص98)
50 الخواطر (ص 71)
51 الخواطر (ص 62)
52 الخواطر (ص 36)
53 مقدمة الخواطر (ص 26)
54 الخواطر (ص 117)
55 ديوان في الأفق الملتهب (ص 57) ديوان العواد الجزء الثاني
56 الأعمال الكاملة (ص 15)
57 الخواطر (ص 104)
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved