الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th January,2004 العدد : 44

الأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية
«تجربة شخصية ) 54
علي الدميني

ولا يشير إلى الأبعاد الفكرية والفلسفية المتضمنة في تاريخية التسمية، وإنما يتعاطى مع المصطلح، باعتباره انفتاحا وتحديثا وتجديدا في لغة الشعر وفي بنيته النصية، كنص مغاير للسائد أو الموروث، ولعل ذلك الموقف يعود إلى طبيعة انشغالات المنهج الألسني نفسه.
أما سعيد السريحي فإنه يؤكد بشكل واضح، على أن الحداثة ليست كسر عمود الشعر وحسب، ولكنها «رؤية» تستهدف التأكيد على حرية الإنسان إزاء العالم،.. وان علينا ان نسلك بالتعبير السبيل الذي سلكته الرؤية في ضرورة التجاوز والاستعلاء على النسق (الكتابة خارج الأقواس ص44).. بيد ان في اهتمامه الكبير بقصيدة النثر، وما تحتفي به دراساته التطبيقية من تأكيد على الجمالي المختلف، والشعرية الصافية، التي تجافي أي تعالق بينها وبين المعنى أو الوظيفية الاجتماعية، ما يسمح لنا باعتبار السريحي يؤسس لمنحى ما بعد الحداثة وليس إلى الحداثة، حسب توصيفي.
وأما محمد العلي، فإنه يتفق مع من يرى أن الحداثة «رؤية» للكون وللإنسان وللحياة، ولكنه يقف ضد مفهوم القطيعة مع التراث حيث يقول، في حوار لمجلة النص الجديد معه:
«الحداثة كما أفهمها مصطلح عربي تليد، قبل أن يكون مصطلحاً غربياً. الغرب ابتكر حداثته وفق مقاييسه.. (أما نحن) فقد أدخلنا عليها مفهوماً غريباً أحالها إلى شبح مخيف بالنسبة للغالبية من مثقفينا وقرائنا. هذا المفهوم، هو أن كل حداثة تبدأ من (القطيعة) مع التراث، وهذا مفهوم خاطئ ومضلل.
إن الحداثة ليست شيئاً سوى (التطوير) والارتقاء على الذات، وانتقاء الايجابيات في التراث، وتعميقها لإغناء الحاضر.» (النص الجديد العدد الأول اكتوبر ص93).
وقد ذهب سعد البازعي إلى أبعد من ذلك، حيث وسم كتابه النقدي الأول ب«ثقافة الصحراء»، للتدليل على عمق ارتباط شعراء الحداثة بهويتهم الخاصة من خلال توظيف الموروث الشعري العربي، والتراث الشعبي أيضاً في نصوصهم الحداثية.
ولذا يمكن الخلوص إلى أنه قد جرت محاولات خلاقة أو ملتبسة لتبيئة المصطلح، أو «لسعودته»، وفقاً للمرجعية المعرفية لكل من شارك في جدل الحداثة في المملكة، وقد كاد سعيد السريحي أن يظفر بتأكيد مشروعية «سعودة الحداثة»، حيث سعى لتضمين البيان الختامي لملتقى الشعر الخليجي بالرياض في عام 88م، ما يؤكد هذا الأمر، ولكن حرس ابن قتيبة ونواب المؤسسة المحافظة، قد حالوا دون ذلك.
وبإيجاز، يمكن الذهاب إلى ان هذا الالتباس أو التشتيت المفاهيمي في التعاطي مع المصطلح وتطبيقاته، ليس ظاهرة شاذة أو غريبة، لأن المصطلح نفسه متعدد حتى حدود التناقض، ولأن البيئة الثقافية في المملكة، شديدة التعقيد بما يطال التعبير عنها ليصبح أكثر تعقيداً، عند مقاربة مثل هذا المصطلح الشائك.
غير ان صدمة المصطلح، وصراع المرجعيات المعرفية في حقل النقد الأدبي، قد خلقت مناخاً خصباً للحراك الثقافي والاجتماعي أيضاً، حول ظاهرة التجديد والحداثة، كما أنها حسمت الصراع حول مشروعية قصيدة التفعيلة، وأنتجت مرحلتها عدداً من أهم النصوص المتميزة، مثل «تضاريس» و«تغريبة» الثبيتي و«هواجس» الصيخان، و«خديجة» محمد جبر الحربي، و«خبت» علي الدميني، التي يمكن إضافتها إلى ما أبدعه محمد العلي، والشعراء الشباب من نصوص تأسيسية لخطاب الحداثة الشعرية في بلادنا.
وقد أفاد هذا الخطاب بشكل أساسي، من منجزات قصيدة التفعيلة العربية، مع تميز بعض ملامحه بالسمات التالية:
1 حضور المكان التاريخي في ثنايا الخطاب، لأن العربي حين يقرأ متن ديوان العرب، ولا سيما في نصوصه المؤسسة، فإنه يتخيل المكان الذي احتفت به قصائد العرب في الجزيرة العربية، ولكننا في المملكة كنا نتنفس هواء المكان ذاته الذي رسم أطلس الجزيرة، كما أننا وفي الآن عينه، ما زلنا نعيش في أكنافه.
يقول محمد الثبيتي في «التضاريس»:
«...
وخيول ليلٍ أمطرت شبقاً على البيداء
فاحمرت نبؤات البروج
وقوافل الدهناء صادية
إلى ماء السماء
...
قد كنت أتلو سورة الأحزاب في نجدٍ
وأتلو سورة أخرى على نارٍ
بأطراف الحجاز
قد كنت ابتاع الرقى للعاشقين
بذي المجاز».
2 تشكل ثقافة المتن الديني وخطابه، خلفية ثقافية لشعراء المملكة، ولذا رشحت مفردات وتراكيب وبلاغة ذلك المتن في خطاب الحداثة الشعرية في المملكة.
يقول عبدالله الصيخان في «الغناء على أبواب تيماء».
«وتيماء كيف،
وهداج، هذا السنونو المليح الكلام
توضأ في شفة الصبح
ثم أقام،
فقبّل كل العصافير ثم انحنى للزواريب
يلثمها
وفتش عن شفتيك
فكنت المواعيد منسية»
3 حيث انفتح النص الشعري، في بلاد الرافدين وبلاد الشام، ومصر، على أساطير، ومكونات حضارات مواطنهم القديمة، فإن خطاب الحداثة لدينا (في قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر معاً)، قد انفتح على استحضار الشخصيات، والأمكنة، والرموز التاريخية، والدينية، بشكل كبير.
يقول عبدالكريم العودة في «وجه الشنفرى يملأ الأفق»:
«صرنا نؤرخ فيك
ولادة أولادنا، ونهاية أعمارنا
وصرنا نطالع في الأفق،
يمضغنا الانتظار،
أما يتفتح قبرك يا شنفرى؟»
4 الاهتمام بتجليات الوطن الحلم والوطن المنتظر، وبروز كثافة تعالق المرأة بالوطن، والوطن بالعشق، وبالمنقذ.
يقول محمد جبر الحربي في قصيدة «خديجة»:
«جاءت خديجة
طلعت فتاة الليل، من صبح الهواء، فأورقت تيناً وزيتونا
وألقت للنخيل تحية الآتين من سفرٍ، فأورقت الوجوه (شقائقا)
ونمت حبيبات الندى مطراً على تعب القرى، قمرا على
الباب العتيق لعالم نسي الحديث الطفل، والكلم المذاب
...
لهفي على وطنٍ يغادرنا
ليسكن في المحافل والفنادق
تترك الصحراء أنجمها
وتبحر في ملفات العويل».
5 ظاهرة التناصّ، أو «التعالق النصي» بحسب الدكتور علوي الهاشمي، الذي أضاء هذا الجانب في كتابه الهام بنفس العنوان، وبروز هذه السمة يعبر عن محاولة الشعراء لتأكيد الهوية والانتماء، وربط طرفي الحداثة والتراث برابط استحضار مكونات التراث وبلاغته في تبديات الشعرية الجديدة.
(والأمثلة في ذلك لا حصر لها، ولعل أبرزها ما تجلى في قصائد أحمد الصالح)
6 محاولة التغلب على سطوة «الثقافة الشفوية» بحسب الدكتور البازعي التي تتطلب وضوح الرسالة، والنبرة العالية للإنشاد المنبري الموجه إلى جمهور مضمر، وذلك من خلال السعي لبناء شعرية السرد والانشاد، واستخدام التفعيلات الشعرية القادرة على رفع درجة حضور الموسيقى في النص، وتوجه الخطاب إلى المستمع، وتبطين الكتابة بانفعال وجداني عالي الحضور (الغنائية).
7 انفتاح النص الواحد على خطابات شعرية أخرى من العمودي والشعبي والنثري، وبروز الطابع التركيبي في النص.
(ويمكن ملاحظة ذلك في قصائد الحميدين، والثبيتي، وعلي الدميني)
وقد هيأت فاعلية النص المضاد، المناخ الثقافي لاستقبال قصيدة النثر، حيث واصلت فوزية أبو خالد ومحمد عبيد الحربي مسيرتهما الشعرية لتبيئة قصيدة النثر في فضاء اتسم بمعاداتها، حتى من داخل سياق التجربة الشعرية الحداثية ذاتها، وقد أشار محمد عبيد الحربي إلى ذلك في أحد نصوصه:
«لقد أصابنا اليتم
من كثرة آبائنا
ومن نحيبهم المتواصل في الليل».
مجزرة الحداثة
لم يتوقف التيار المحافظ لحظة واحدة عن هجومه على تيار (التحديث/الحداثة) في السعودية، وقد أصدر أحمد عقيلان في مطلع الثمانينات، بياناً مضاداً شاملا، في كتابه «جناية الشعر الحر»، ولأن الباب كان مفتوحاً لحظتها للرد على ما جاء في ذلك الكتاب من آراء، فإن سجالاً واسعاً قد جرى حول مضامينه، وأصبح مجرد حوار ثقافي يجوز فيه الاجتهاد مثلما يجوز فيه الاختلاف.
كما أن نفس التيار قد نجح في إيقاف جريدة اليوم لنشرها قصيدة في ملحقها الأدبي «المربد» عام 77م بعنوان «مزّقيه»، والضمير هنا يعود إلى البرقع، ورغم ان تراثنا الفقهي يتضمن ما يجيز كشف المرأة لوجهها، فقد اعتُبرت تلك القصيدة انتهاكاً للمحرم.
ومنذ منتصف الثمانينات أصبحت الساحة الأدبية مجالاً للتعبير عن الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي، لكافة القوى والتيارات الثقافية فاختطف السياسي والايديولوجي المتشدد الساحة الثقافية، كما رفع التيار المحافظ من درجات شغبه ضد تيارات التجديد/ الحداثة، عبر وسائل عديدة، منها استعداء الدولة، وإقامة الندوات التحريضية، واختلاق الشغب في الملتقيات والندوات التي يشارك فيها رموز تيار التحديث/ الحداثة، ومن خلال دعاية أشرطة الكاسيت، ومنابر المساجد، وقد تم تتويج كل هذا الجهد المبرمج، بإصدار كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» الذي اشتمل على تأويلات شتى لنصوص شعرية ومقالات أدبية، تضع كاتبها في موقع المرتد أو الكافر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved