مطالعات
«بياض» شعري لأحمد قران الزهراني:
( الديوان ) بوح شعري تعلوه نبرة الحزن الابيض
عبدالحفيظ الشمري
|
الشاعر أحمد قران الزهراني وببياض معهود يطل على القارئ من خلال ديوان جديد وسمه بعنوان «بياض» واشتمل على العديد من القصائد المنتقاة بعناية واضحة.
ديوان «بياض» صدر هذا العام عن المركز الثقافي ببيروت 2003م.
واستهله الشاعر «الزهراني» بخطاب إنساني سوداوي يصف واقعنا بتأمل مدهش، لتأتي قصيدة الاستهلاك «الطريق» بياناً شعرياً مغرقاً في سوداويته:
«هذا الطريق غمامة
والموت تحدوه السحابة
هذا الطريق المظلم الآتي على كف الضباب
يُقلُّ بارود الطغاة
وهذه الأضواء توغل في تواشيح السواد...»
(الديوان ص 9)
القصيدة الأولى في الديوان حقيقة لا نختلف كثيراً على كونها رسالة الشاعر الأولى وعنوان بوحه في الديوان كاملاً، فالقصيدة محملة بالآتى (الموت، الظلام، الطغاة، السواد، هولاكو، التلوث، الثكل، الكآبة، النفط)، وهذه الكلمات هي حصيلة صفحة واحدة من الديوان، لنرى أن الشاعر قدمسه فعلاً حزن هذا الطريق وصعوبة هذا الواقع الذي لم يعد عاقلاً لتخاطبه أو جاهلاً فتردعه، هو فعلاً مزيج بين هذا وذاك ملامحه الإرهاب وهويته الجهاد وعالمه الجشع المادي وصراع عنيف في غابة التاريخ التي يذكرها الشاعر الزهراني.
فكلما لامس الشاعر قضايانا الساخنة زاد بريق الحزن وغابت عن كلماته غمامة الفأل لنراه وقد أسرج خيل اللغة ليصور واقعنا وكأنه بلا أمل وروح قد تنهض من كبوتها، أو تصحو من سباتها، أو تفيق من إغمائها أما أن تجعلها يا شاعرنا الموسوم بفأل «البياض» عنواناً ومنهجاً ميتته لا ننتظر حياتها فهذه قمة الألم والثكل والكآبة.
«نصوص».. قصائد تتأمل بهدوء..
يسعى الزهراني ومن خلال هذه الاضمامات المنتقاة من قصائده إلى خلق فضاء خاص بديوانه «بياض» لتأتي إضمامة أو قصائد «نصوص» (ص 73) عملاً شعرياً يخرج من إطار ألحان الحزن والفاجعة لنراه يأخذ مكاناً قصياً من مقهى عربي يراجع فيه حسابات الخسارة تلو الخسارة لكنه ينظر إلى ما حوله بواقعية تؤكد أهمية نقد الذات أولاً وثانياً.. و...
«جالساً.. خارج الذاكرة
في فضاء رحيب
يحضر المؤتمر
... جالساً في فراغ مهيب
... وحده لا يعي ما يدور»
«الديوان ص 73»
هذه النصوص التي أوردها الشاعر الزهراني تأتي على هيئة ومضات متأملة ترصد واقع الإنسان العربي حيث يأخذ هذا المثال وما أكثرهم هذه الصفة التي تعيدنا إلى الوراء نحو عتمة التراجع لنراه وقد كثف لقطات هذه الصور المتلاحقة بلغة شعرية جاءت أقل حدة من لغة القصائد الأخرى في الديوان ولاسيما القصائد الثلاث الأولى؛ وتجديبه هذا يأتي تتويجاً لمشروع «بانورامي» يجمع فيه أطياف معاناته ومكايداته كشاعر مثقل بالهموم.
فواصل بين عنوان
«الديوان» وقصائده
يلمح القارئ لديوان «بياض» أن الشاعر أحمد قران قد عمد عن قصد أو غير قصد أن تكون لفظة «بياض» أنشوطة استدرج القارئ فيها نحو متاهة سوداوية يصبح الطريق فيها «غائماً» وموحشاً كما في قصيدة «الطريق»، و«غربة» و«مناف» و«شعث» في قصيدة «مشكاة»، و«رياح» و«غضب» في قصيدة «صوت» وصراع «الشك» مع «اليقين» في قصيدة «نبوءة التراب».. وأمثلة كثيرة على هذه الشهادات الواقعية التي فَصَّلَ فيها الشاعر الزهراني كثيراً؛ بل أنه حولها إلى مشاهد تصويرية لما يحدث في فلسطين والعراق، وأفغانستان وبلاد أخرى لا زالت تعاني ويلات حرب وفرقة كبيروت في قصيدة «بيروت» «الديوان ص 29».. إلا أن هذه السوداويات والهالات المعتمة قد ظهر لها مقابل هام في العنوان «بياض» لنرى الشاعر وقد أوجد معادلة إنسانية طرفاها البياض ممثلاً بالعنوان الرئيس للديوان، واللغة السوداوية المعتمة للقصائد؛ فضلاً عن هذا وذاك فإن للشاعر مفارقة أخرى هي لون غلاف الديوان المطبق سواداً والمبيض عنواناً ليكرس الشاعر أحمد قران هذا المفهوم الاستشرافي لحالة التناقض التي يعيشها شأنه شأن من حوله في هذا العالم الذي يسير حسب رؤية القصائد إلى فاجعة لا تقل إيلاماً عما نراه اليوم من ابتلاء..
يقع ديوان «بياض» في نحو (96 صفحة) من القطع المتوسط، يعد هذا الديوان الثاني في تجربته الشعرية حيث سبق بديوان دماء الثلج عام 1998م..
سبقت قصائد الديوان بمقولات لبعض الفلاسفة والكتاب والشعراء، وذُيِّلَ بسيرة ذاتية وأدبية للشاعر.
إشارة:
* «بياض» (ديوان شعري)
* أحمد قران الزهراني
* المركز الثقافي في بيروت 2003م.
* يقع الديوان في نحو (196 صفحة).
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
