الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th January,2004 العدد : 44

الأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي (14)
الصالات التجارية تغض الطرف عن اللوحات المحلية وتبحث عن المستورد
انعدام الرقابة الرسمية أتاح الفرصة لاستنساخ اللوحات دون علم أصحابها
محمد المنيف

تحدثنا في الحلقة السابقة عن صالات العرض الرسمية التي تتبع بعض الجهات، منها ذات العلاقة بالثقافة والفنون واخرى غيرها تضم في مرافقها ومبانيها قاعات عرض لاغراض تختص بها ويتم فيها عرض ما يتعلق بتلك الجهات من معارض اعلامية او لاقامة المناسبات والاحتفالات ووجد فيها المعنيون باقامة المعارض التشكيلية ما يفي بالغرض او يقوم ولو بأقل ما يمكن لتحقيق الهدف والاستفادة منها في الوقت المناسب في اوقات لايجدون فيها بديلا عنها عندما يقابل المنضمون للمعارض اعتذار تلك الجهات لوجود برامج خاصة تشغل الصالات او لتفادي مايتبع الموافقة من تبعات التنظيم وللتخلص من اي مسؤوليات نتيجة اي خطأ من القائمين على المعرض تجاه استخدام الصالة وما قد يتعرض له ما تحويه من تجهيزات وخلافها لعدم معرفتهم بما يمكن القيام به ولعدم جاهزية مثل تلك القاعات للمعارض التشكيلية، لتصبح تلك المواقف في مقدمة العقبات بل من ابرز ما يواجه اقامة المعارض التشكيلية ولدينا من الادلة والمواقف الكثير لتلك الاعتذارات وفي اضيق الظروف حينما تتعلق بموعد محدد لافتتاح معرض ما او لوجود معرض زائر او مناسبة للفن التشكيلي دور هام في المشاركة فيها ما يؤكد ضرورة واهمية وجود مراكز جمعية خاصة بهذا الفن ينشأ لها مبنى خاص ثابت مشتمل على تلك القاعات وباحجام تتناسب مع مستوى كل معرض عند اقامة عدد من المعارض في وقت واحد أو ايجاد صالة يمكن التحكم فيها اضافة الى ان في حالة تحقيق الحلم بإنشاء مثل هذا المركز او الجمعية ما يضع الفن التشكيلي السعودي بعد هذا المشوار المشرف في موقعه العالمي اضافة الى ما يمكن ان يقوم به ذلك المركز او تلك الجمعية من مهام سبق التطرق اليها مع امكانية الاشارة الى ما يتعلق بصالات العرض وما ينتج عنها بوجود ادارة متخصصة من اعداد بحوث ودراسات وتوثيق للمعارض وحفظ للحقوق واقامة فعاليات مرادفة للمعارض المقامة فيها كالندوات والمحاضرات والدراسات عن كل معرض.
الصالات الخاصة
نعود للجانب الثاني الخاص او ما يمكن ان نسميه او نطلق عليه الصالات التجارية التي تتعامل مع الفن من منطلق الكسب المادي عبر الاستفادة من سلعة مجهولة الثمن ومجهولة الكيفية في التسويق يقوم عليها افراد تمكنوا من التعامل مع هذا الفن واكتشفوا دروبه ومسالكه التي يجهلها الفنانون مع ان البعض يرى ان في وجود هذه الصالات وهؤلاء الباعة ما يكمل الدور السابق للصالات الرسمية مع ان الكثير منها لايقل بأي حال في تدني مستوى الاعداد والتجهيز الا ما ندر ومع هذا نعتبرها كما يقال مؤدية لجزء من الهدف المرجو رغم تغليفه بغطاء براق يضيفه اصحاب تلك الصالات يوحي بخدمة الفن والفنانين ونحن هنا نحترم هذا التوجه ولكن على ان يكون مؤطرا بالمصداقية مع ان الكثير منهم بعيد عن الحقيقة، مع احتفاظنا بما يمكن ان يحسب لها من تعريف بالفن التشكيلي للجمهور وجعله متواجدا باستمرار مهما كانت الجدوى او الهدف التجاري خصوصا الصالات التي تحترم الابداع وتسعى للارتقاء بنوعية العرض فيها عبر تحديد واشتراط حجم التجربة والمستوى الذي حققه الراغب في العرض من الفنانين ومستوى الاعمال الا ان مثل هذا الاجراء لم يتم الا في صالات محدودة في مدينتي جدة والخبر اما البقية فالامر مختلف والابواب مشرعة اضافة الى دور اصحاب تلك القاعات خصوصا ان الكثير من تلك المعارض لايخضع لأي رقابة تجارية او اعلامية مما يبعث الخوف ان يصبح ما يقدم في بعض تلك الصالات من معارض وما تشتمل عليه من اعمال رديئة في الشكل وخالية من المضمون مؤثراً على الذائقة المحلية.
يبقى ان نقول قبل الاستعراض الموجز عن حالات واحوال الصالات التجارية للفنون التشكيلية انها ظاهرة صحية وهامة مهما لحقها من ملاحظات خصوصا المقتربة اكثر من هموم ومصالح الفن والفنانين بالقسمة المرضية للطرفين لا ان تكون عونا على الاحباط او قناة لسلب حقوق الفنانين مع ان تواجد الكثير من تلك الصالات لم يكن جديدا او وليد التجربة التشكيلية باستثناء الصالات التي اعدت لاحقا وتخصصت في هذا الفن ويدير الكثير منها فنانون تشكيليون فهناك مايمكن تسميته بمحلات او اسواق الاكسسوارات والانتيكات تجمع كل ما يتعلق بتجميل المنازل من تحف ومصنوعات يدوية وزهور وتأتي اللوحات ضمن هذا السياق مع الاشارة الى ان تلك اللوحات لاتمثل مانحن بصدده من اللوحات الاصلية التي تنتجها اسماء معروفة عربيا او عالميا وان وجد شيء من تلك الاسماء او اللوحات فهي مستنسخات للفنانين العالميين من عصر النهضة او للوحات من شرق اسيا ومن المناظر الاوروبية مع ما اصبح ينتجه الرسامون المحليون من لوحات منقولة من الطبيعة اخذت لها مكان من بين سابقاتها فظاهرة وجود هذه المحلات او الدكاكين او الاسواق منتشرة في كل الدول العالمية منها اسواق العديد من الدول العربية واشهرها في مصر والعراق خاصة التي تعتني بانتاج الرسامين المحليين من الرسومات التي تصور البيئة ويقتنيها السياح.
اما ما يهمنا هنا فهي الصالات المتخصصة بالفعل في الفنون التشكيلية من خلال تنظيم المعارض واستقطاب الفنانين بناء على برنامج سنوي مبني على دراسة مستفيضة من قبل مديري تلك القاعات على حسن الاختيار يسبقه معرفة بالجدوى المادية من اقامة المعرض استنادا على شهرة الفنان وتميز تجربته وعلى معرفته المسبقة بأن له معجبين ومقدرين لشهرته وهذا يعني ان السنارة ستنغرس لا محالة كما يقول المثل اذ تقوم ادارة الصالة بالعمل على دعوة اكبر عدد ممكن من المثقفين وتوظيف سبل الدعاية مع تحميل ميزانيتها على حصيلة المبيعات دون اخلال بالربح المحدد سلفا ما بين الخمسة والعشرين الى الثلاثين في المئة من مبيعات الاعمال، وفي احيان اخرى تقوم الصالة بتحميل تلك المصروفات على جهات داعمة تسمى في عرف او اساليب العمل المماثل الجهات الراعية ماديا والتي تشترط ان يكون شعارها وعرض منتجاتها على كل ما يتعلق بالاعلان عن المعرض من مطبوعات او اخبار واحيانا تشترط اختيار الراعي الرسمي للافتتاح ومستوى الحفل فيظهر التباين بين معرض وآخر بناء على مستوى الدعم وقوة تأثير الداعم المادي يليها لعبة التسويق والبحث عن المؤسسات والافراد لتحقيق اكبر ربح ممكن يبرز فيها «شطارة» كل صالة عن الاخرى مع ان هناك معارض تقام ويعود اصحابها بخفي حنين دون ربح لعدم قيام الصالة بأي جهد يذكر لدعم الفنان إما لضعف المستوى وإما لأن اعماله لاتجد القبول في الاقتناء لبعدها عن رغبات وميول المقتني فتأتي اقامة مثل هذا المعرض اما مجاملة وإما لعدم وجود نشاط او لوجود ثغرة في برنامج الصالة بسبب اعتذار فنان او لتأجيل موعده فمثل هذه المعارض لن تكلف الصالة بقدر ما تضمن تكلفة الكهرباء واجرة العمالة من المستحق على الفنان للايام التي اقام فيها معرضه.
ومع هذا فقد تولد عند العامة من الفنانين تجاه تلك الصالات الكثير من الشكوك وكثير من الحقائق وللبعض منهم مواقف موثقة يتم تداولها في منتديات ومجالس الفنانين، البعض منهم يحذر من التعامل والبعض يفضل صالة على اخرى والكل يجمع ان ما يقوم به بعض اصحاب تلك الصالات يصب في مجرى المصلحة الاولى التي قامت وتقوم عليها تلك الصالات دون اي اعتبار للجهد او لمستوى الشهرة التي يتمتع بها من اقيم له المعرض بتسهيل السبل ليكون له من الربح النصيب الاكبر، باستثناء القلة القليلة منها رغم ان عددها في الاصل ليس كبيرا ونعني بها المتخصصة تماما في المعارض التشكيلية وقد نعذر اصحابها حينما يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم نتيجة الكساد الكبير الذي يعيشه هذا الفن عالميا فكيف به في مجتمع لايزال يجهل معنى اقتناء العمل الفني الحقيقي الذي يحمل اسماء يعتز بها من يقتنيها دليلا على رقي ذوق المقتني وثقافته الا ان تلك المصلحة هي الغالبة على حساب ما عاناه الفنان طوال حياته ليصل الى ما وصل اليه. ويمكن لنا ان نقترب اكثر لمعرفة خفايا بعض تلك الصالات كما يتردد ومنها اساليب التسويق لديهم فمنهم من يضع الاعمال الفنية المحلية للفنانين السعوديين طعما لاصطياد المقتني وعند طرح اي مشروع لتجميل مرفق من المرافق الحكومية او الخاصة في المملكة فيدعون باعتبار انهم اهل الخبرة في هذا المجال فتبرز اللعبة باظهار مبالغة الفنانين السعوديين في اسعار لوحاتهم واقناع صاحب المشروع بالبديل من المستورد وهكذا، والحقائق كثيرة، مع ان المبالغة في الاسعار من قبل الفنانين التشكيليين حقيقة لايمكن اغفالها خصوصا اذا كان من يبالغون في الاسعار فنانين معروفين وبارزين على الساحة مما اتاح الفرصة لاصحاب تلك الصالات استبدالها باعمال منفذة من قبل هواة فيكتفي صاحب الصالة باسمائهم المحلية لاقناع صاحب المشروع او من اعمال مستنسخة من مختلف دول العالم، اضافة الى قيام اصحاب تلك الصالات باقتناء اعمال الفنانين المعروفين باسعار متواضعة بعد مداولات وتردد على الفنان يؤكد فيها صاحب الصالة ان السوق تعيش مراحل كساد وخسارة ليكتشف الفنان ان لوحته قد ادرجت ضمن مشروع كبير وبسعر مضاعف عن سعر بيعها للصالة اما المواقف الطريفة فهي في اصطياد اولئك الباعة لمن يتعرض من الفنانين لظروف مادية تجبرهم على التنازل عن اسعار لوحاتهم فيتم اقتناؤها من قبل تلك الصالات باثمان زهيدة جدا اما الادهى والأمر فهو استقدام رسامين من دول آسيوية لاستنساخ لوحات او نقل صور ملتقطة من البيئة وامضائها باسماء محلية مستعارة وهي الابرز في ما يدور خلف الكواليس ولاتخفى على اي من منسوبي الساحة التشكيلية ومتتبعيها كشفتها مناسبات ومشاريع تجميل.
انعدام الرقابة التجارية والاعلامية
ماسبق ذكره قليل من كثير مما يحدث في غالبية الصالات التشكيلية المتخصصة او العامة نتيجة عدم وجود اي رقابة تجارية او اعلامية على اللوحات عامة او مما يتم استنساخه من الصور المطبوعة في الاصدارات التي توزع في المعارض مما اعطى الفرصة لهؤلاء لطباعتها وتسويقها وادخالها ضمن مشاريع التجميل لمؤسسات خاصة ومنها الفنادق وخلافها دون اخذ الاذن من منفذيها من الفنانين.
صالات تشكيلية يديرها فنانون
ويمكن اعتبار الصالات التشكيلية التجارية التي يديرها فنانون تشكيليون حالات مختلفة تبعث للاستغراب فالمعروف ان دور الفنان يبقى في حدود تعامله مع لوحاته ومرسمه وافكاره باحثا ومجربا ومتابعا لكل جديد منشغلا بما يضفي على انتاجه خطوات نحو الاستمرارية والتواصل لا ان ينشغل مع ادارة صالة تعتمد على الارقام والحسابات الا اننا نجد ان في وجود مثل هذه القاعات واولئك الفنانين ما يعوضنا عن الفهم القاصر لهذا الفن وكيفية التعامل معه، فعند ادارة الفنان للصالة سيكون اقرب الناس لهموم وشؤون وشجون زملاء مهنته ويرى العمل الفني بمنظور ابداعي اكثر من منظور تجاري على ألا يكون الجانب الآخراكثر تأثيراً واثراً على تعامله مع المحيط فهو بذلك يفقد الكثير من العلاقات مع هذا يبقى شعور الفنانين اكثر امنا واكثر ثقة في هؤلاء الفنانين الذين ساهموا بشيء من وقتهم على حساب ابداعهم لدعم الساحة ولوضع النقاط على الحروف مقدمين مايمكن ان يمثل الفن التشكيلي مع ما يتم القيام به من نشاطات اخرى ومنها استضافة فنانين عرب او اجانب اثراء للساحة ومهما شاب بعض تلك القاعات من شكوك او اتهامات بأنها ليست بعيدة عن بقية الصالات الا اننا وبشهادة الكثير من الفنانين نرى ان اعطاء الخبز لخبازه اكبر من اي شكوك ولن اكون مجاملا اذا ذكرت بعض تلك الاسماء والصالات دعما لهم لمعرفتي بما يواجهونه من مشاكل وظروف مادية وبما يعانونه من عدم الرضا من رفاق الدرب من زملاء الساحة ونذكر منهم على سبيل المثال الفنانة منى القصبي والفنان طه صبان الممتلكين صالتي عرض في مدينة جدة متخصصتين اقيم فيهما العديد من المعارض لفنانين سعوديين وخليجيين وعرب كما نجد في الرياض تجربة الفنان عثمان الخزيم في مجال تسويق اللوحة التشكيلية اضافة الى ما يقوم به الفنان صالح النقيدان من دعم للفن التشكيلي بالقصيم عبر صالة يديرها لنفس الغرض وتجد اقبالا لا بأس به نظرا لنوعية الاعمال المعروضة التي اهتم فيها الفنان بتسجيل البيئة.
حقوق الفنانين التشكيليين
في مشاريع التجميل
من المهام التي اصبح يقوم بها بعض اصحاب الصالات او ما يمكن وصفهم بسماسرة الفنون تتحدد في البحث عن مشاريع التجميل وتقديم العروض وهذه خطوة محموودة لهم الا ان ما يتم القيام به ليس فيه اي مصلحة للفنان السعودي وان وجدت ففي حدود ضيقة جدا ومن اسماء الكثير منها غير معروف على الساحة ويعود ذلك كما يشير اليه بعض اصحاب تلك الصالات الى ارتفاع اسعار اعمال الفنانين المعروفين ولهذا يلجؤون الى رسامين في غالب الاحيان وفي احيان اخرى لفنانين عرب او اجانب مع اننا لانعترض على مثل هذا الحق لهؤلاء «العرب» بقدر ما نحن حريصون على دعم الفنان المحلي خصوصا اذا كان من يدير تلك الصالات واضعا في اعتباره هذه المهمة او هذا الواجب تجاه ابناء الوطن وبنسبة لاتقل عن الثمانين بالمائة، مع ان الواقع لاتبرره اعذار اولئك المسوقين للفنون التشكيلية فكثير من المشاريع تتم دون علم اي فنان وان حدث فللعلاقات الخاصة دور كبير فيها، فمن تعنيه مهمة التجميل يسعد ان تكون غالبية الاعمال من نتاج الفنانين السعوديين مع علمنا ان الامر لايصل لاصحاب المشروع الحقيقيين وهذه مهمة الفنانين في ايصال العتب او التساؤل لهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved