الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th April,2004 العدد : 55

الأثنين 29 ,صفر 1425

النص وسلطوية فعل القراءة (12)
سهام القحطاني
لاشك أن الحرية في قراءة النص لا تعني الفوضى، والانعتاق لا يعني العبثية، كما أن تحديد سقفية معايير التوقع التي نتعامل من خلالها مع النص لا تعني هي أيضاً أننا نصنع من الشجرة مشنقة، تلكم مفاهيم غالبا ما تختلط مقاييسها عند القارئ أثناء تجواله في عالم النص.
القراءة هي تفكيك الشفرات المنتظمة داخل سياق متشابك من العلامات والإشارات اللغوية والسياق عند شولز مجموعة القوانين والقواعد العامة التي تمكن الفرد من إنتاج دلالة، وهي قواعد عادة ما تتغير وفق الظروف الاجتماعية والثقافية واللغوية للقارئ أثناء إنتاج الدلالة، والقراءة في نظرية التلقي هي عملية نفسية حركية، تقوم على إعادة النص إلى مدركاته الأولية عبر بعثرة النظام الإشاري اللغوي وعلائقه المختلفة، فاللغة عند دوسوسير نظام يقوم على بنية ذات علاقات متداخلة هي منتجة النص التعبيري التواصلي، والنص هو الإطار الناقل للعلامة اللغوية، ثم إعادة التوازن بين الروابط المنتجة لمجموعة الدوال مع المدلولات، وهذا ما نسميه بعملية التأويل، فالقارئ يتعامل مع النص، وهو بذلك يركز على بنيته وعلاقاته وروابطه وكيميا بناه، وهذا ما يخلق التأويل العام لفهم المقروء، والتأويل هاهنا هو محصول عمليتي المواءمة والتمثل مع النص، باعتباره فضاء بيئيا جامعا لمحركات التكيّف الذي يعتبر النص انعكاسا له، وهذا هو ما يمنح القارئ قدرة التفاعل مع النص نمائيا وانتقاله أثناء عملية التأويل من مزج النظام الإشاري بين المستوى السطحي الفوقي لهذا النظام والمستوى التحتي العميق له لفهم العلاقة بين الدال (الإشارة اللغوية) sign التي تكتسب طبيعتها ومشروعيتها من النسق اللغوي (السياق) ومن خلال علاقاتها الجدلية بالعلامات الأخرى والتي تشكل في مجموعها وحدات النص ضمن وظيفته التواصلية وضمن العلاقة المتبادلة بين المرسل والنص والمتلقي، والمدلول (المفهوم العقلي للمادة) لكن علاقة الدال بالمدلول في النص الأدبي ليست ثابتة لتغير معطيات الإشارة اللغوية بتغير السياق، وهو أمر يمنحنا حرية التأويل في جملة النص ضمن تفاعلاته كدوائر متداخلة فيما بينها، فالبنية السطحية أي العلامات والإشارات اللغوية الموظفة في خط أفقي هو انعكاس لمجموع من العلاقات الداخلية المفرز المتكرر للبنية التحتية للغة التي تنبثق من ذاتية تطور المجتمعات، والتي تنتح وظيفة العلامة اللغوية وفق العلاقات الدلالية لثقافة النص المختلفة والتي تعطيها الثابت الوظيفي التعبيري، في حين أن علاقاتها الداخلية ضمن السياقات تمنحها تغيراتها، أي تشكيل النظام اللغوي المكون لمعرفة القارئ من علوم ومعارف وموروثات تساعد على تنامي مجموع، التأويلات المنتجة من تداخل العلاقات والأنظمة في النص كما يذهب إلى ذلك تشومسكي، كون النص مجموعة من العلاقات الداخلية والإشارات اللغوية والأنظمة المدلولية الموزعة على مساحاته التي تعبر عن فكرة أو مفاهيم، قابلة للتفاعل والتحرك خارج المدرك الأول لها، ليمنح النص تعددية القراءة.
إن علاقة القارئ بالنص تتبلور في ردة الفعل التي تتخذ أشكالاً مختلفة في التشكيل، فالاستباق والتبسيط في العملية القرائية هما أول النتائج المبرزة لها حيث ينظمان معايير التوقع لكنهما لايتناميان لمرحلة التأويل إلا في ضوء كفاءة المُأول الذي يفكك شفرات النص المختلفة بمستوياتها المتعاقبة متناقلا من البنى البسيطة إلى البنى المعقدة، أي تجاوز القوة الكامنة إلى الموجود المحلل لبنى النص المختلفة الخطابية والسرديّة والوظيفية والعقائديّة وخبرات وثقافة المُأول، مثل الثقافة القاموسية لمعرفة مضامين الكلمات ودلالاتها ومعانيها، خبراته بعلائق الإحالات التي تعينه على الفهم الصحيح للرموز الإشارية، خبراته بقواعد الإسناد التي تساعده على المراقبة الدقيقة لحركية النص الداخلية، وكيميا تفاعلاته،خبرته بالتعابير البيانية وتعقيداتها والقوالب الأدبية وخصائصها، ومعرفته بخصوصية السيناريو العام للنص، وللسيناريو الأدبي نوعان، السيناريو القائم على الخبرات الاجتماعية المشتركة، والسيناريو القائم على التناص. وأولهما يقوم على مجموع الحوادث المتسلسلة وفق مشتركات عامة يجتمع عليها أبناءُ الثقافة الواحدة. وهذا المشترك المخصوص يسهل على المُأول فهم وتأويل ما يفعله منتج النص بصورة مقاربة لمدرك المُأول. والخطاب الأدبي يقوم على تنظيم وسائل متعارف عليها في المشترك الثقافي هي جزء من الخبرة الكلية للقارئ، وهي التي تعينه على تفسير سلوك شخصيات النص الدبي وغاياتها، ووفرة هذه الخبرة المشتركة بين النص ومدرك المُأول، هي التي تدفعه إلى استحضارها عند تأويل النص الأدبي. وأما سيناريو التناص، فلا يتحقق للمُأول إلا عن طريق معايشته الطويلة للنصوص الثقافية.
نقصد بالتأويل صرف اللفظ عن معناه الظاهر، إلى معنى يتحمله، وهو الإخبار عن معنى الكلام، وقيل: التأويل: استخراج معنى الكلام لا على ظاهره، بل على وجه يحتمل، مجازاً أو حقيقة، والنصوص القابلة للتأويل تتصف، بأسلوبها البياني بكل ما يتميز به هذا الأسلوب، لحرصه على ترك مساحات مبهمة، وفراغات مقصودة ليقوم القارئ بملئها بما يتناسب مع إمكانياته، وحالته الوجدانية، الإجمال والاعتماد على الكليات والمنطلقات والمبادئ العامة، الخصوصية الفنية لاستخدام اللغة بصرفها عن معناها المألوف والمتداول إلى معان مجازية، أو بابتكار صور جديدة، وأساليب وسياقات لفظية وتعبيرية.. تتولد عنها معانٍ جديدة، إذا توفرت هذه المواصفات في النص، كان حقلا ثرياً للقراءة التأويلية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved