الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th May,2003 العدد : 12

الأثنين 18 ,ربيع الاول 1424

من طرائف الرقابة
محمد عبدالرزاق القشعمي

تعرف الموسوعة العربية العالمية الرقابة بقولها: التحكم فيما يسمح للاشخاص بقوله او سماعه، او كتابته، او قراءته، او رؤيته او فعله «...» وتفرض الرقابة الرسمية عندما يطبق المسؤولون الحكوميون القانون بقصد التحكم في حرية التعبير.. الخ وعرفت الرقابة على المطبوعات في المملكة منذ صدور نظام المطابع والمطبوعات الصادر بالارادة السنية برقم 12/2/6 وتاريخ 21/2/1358هـ والمبلغ لوزارة المالية بالامر السامي رقم 451 وتاريخ 29/3/1359هـ.
وشكلت لجنة في العاصمة «مكة المكرمة» مناط بها تدقيق المطبوعات الواردة من الخارج والمطبوعات في الداخل قبل نشرها وتوزيعها وعرضها للبيع مؤلفة من:
عضو من ديوان النيابة
عضو من رئاسة القضاة
عضو من قلم المطبوعات
عضو من مديرية المعارف العامة
واما في الملحقات فتؤلف اللجان من:
عضو من قبل الحاكم الاداري
عضو من المحكمة الشرعية
عضو من المعارف
استمرت الرقابة على هذا الشكل حتى يوم السبت 24 رجب 1379ه حيث دعا سمو الامير فيصل ولي العهد آنذاك الصحفيين السعوديين للاجتماع به، اعلن سموه الغاء الرقابة قائلاً: ان القائمين على الصحف هم ابناء البلاد، ومن الصفوة الطيبة التي يجب ان تكون قدوة صالحة في كل عمل نافع.. وان لهؤلاء الصحفيين من التقدير في نفسي ومن الثقة بهم ما يحملني على ان ارفع الرقابة عن الصحف».
وبهذا انتقلت الرقابة الرسمية الى الرقابة الذاتية.
في العدد 123 ليوم الخميس 6/3/1381هـ من جريدة الخليج العربي التي تصدر بالمنطقة الشرقية من المملكة تقرأ في الصفحة الثانية وتحت عنوان «قف لا تطبع»:
في الصفحة السادسة من هذا العدد وفي الصفحة الخاصة بشئون المجتمع بالذات اضطررنا لاقتطاع جزء من باب «دبابيس» هذا الجزء لا صلة له البتة بالباب، ويبدو ان عامل الصحف وضع بعض اسطر لا وحدة موضوعية تتحد بها كانت قد حذفت في عدد مضى بعد ان ضاق نطاق الصفحات عن استيعابها ووضعها ضمن مواد الباب ولما كان نشرها بشكلها المزري قد يقابل بالكثير من الاستهجان فضلنا اقتطاعها، خاصة ان المصحح لم يلتفت اليها قبل الطبع.. فنعتذر آسفين لما حدث»..
وفعلاً صدرت الصحيفة وقد اقتطع منها 10 سم x 4 سم في وسط الصفحتين 4 و 5. وقبل ذلك هددت الجريدة بالايقاف لنشرها ميزانية شركة كهرباء الخبر عام 77/1378هـ وكانت الميزانية المعلنة وهمية بينما اكتشفت الجريدة الميزانية الصحيحة فنشرتها فاضحة تلاعب الشركة.
ويذكر صاحبها ورئيس تحريرها الاستاذ عبدالله شباط انه كان يحمل مواد العدد القادم من الصحيفة ويعرضها على الشيخ سليمان بن عبيد رئيس المحكمة الشرعية بالظهران فهو الذي يجيز نشر المقالات وغيرها.
يذكر الاستاذ عبدالله عبدالجبار في كتابه «التيارات الادبية» ص 199200 ان حسين خزندار قد نشر مقالاً في جريدة الندوة وردت به جملة «شاءت الطبيعة» ولأن الطبيعة لا تشاء وانما الذي يشاء هو الله، فهذا التعبير في نظر الرقيب كفر وإلحاد.. اذن فلابد من التوبة.. ويحاول ان يقنع الشرطة بأن هذا من المجاز على حد قولهم «انبت الربيع البقل، وانه مؤمن اعمق الايمان بأن الفاعل في الامور هو الله.. والخ.. وينتهي الامر بسجنه شهراً يقضيه بين اللصوص والمجرمين..
وبعد انقضاء مدة سجنه راح يعلن توبته ويشهر اسلامه من جديد على يد رئيس القضاة.
وقال: كتب حمزة شحاته ذات مرة مقالة شبه فيها اشياء بالتماثيل، فلم ترق الرقيب الذكي هذه التماثيل المحرمة فحذفها، وكتب بدلاً من عبارة «كالتماثيل» شيئاً يماثل التشبيه الآتي «كنقش في جدار او عتبة دار» وظهرت المقالة في الجريدة على هذا النحو.
ومدح الغزاوي شاعر البلاط السعودي جلالة الملك الراحل بقصيدة ولفت نظر الرقيب الشيخ حسين عبدالغني فيها بيت لابد ان يعلق ما ورد فيه على مشيئة الله، وطبعت القصيدة بجريدة «ام القرى» وقد حشرت في صميم الشطر الثاني هذه العبارة «ان شاء الله تعالى».
ويقول الاستاذ محمد علي مغربي في كتابه «اعلام الحجاز» نقلاً عن مجلة المنهل حيث نشرت مذكرات احمد محمد جمال، ومنها انه وزملاؤه في المعهد السعودي اصدروا مجلة خطية سموها «الامل» اشترك معه في اصدارها عبدالعزيز الرفاعي وسراج مفتي وعبدالقادر جان وعبدالعزيز الربيع وسراج خراز وعلي غسال وغيرهم.
وكان الطلبة ينشرون في هذه المجلة الخطية الكلمات والقصائد من انتاجهم ويقول احمد جمال: فاذا بنا نفاجأ بطلب من الشرطة لكل واحد منا في بيوتنا مما افزع اباءنا وامهاتنا، وذهبنا الى مقر الامن العام فيما كان يسمى الحميدية على على عهد مهدي بك وكان رجلا مهيباً رحمه الله واقتادونا الى غرفة القسم العدلي، وكان يرأسه طلعت وفاء رحمه الله وهناك اخذ منا تعهداً بعدم اصدار المجلة.
ويذكر الاستاذ عبدالقدوس الانصاري من طرائف الرقابة على الصحف، ان الشيخ حسين عبدالغني من مراقبي الصحف كان يضيف عبارات من عنده بين سطور المقالات والقصائد المراد نشرها في جريدة ام القرى التي يتولى الاستاذ الانصاري رئاسة تحريرها ما بين سنة 1359هـ 1369هـ وانه كان متشدداً جداً.
ومما عاناه الانصاري من شدته انه كان يشطب من المقالات جملة السعادة الاجتماعية ويعلل تصرفه بقوله في هامش المقال انه ليس هناك سعادة في الدنيا وان السعادة في الآخرة.
كما اضاف ذات مرة في قصيدة للشيخ احمد ابراهيم الغزاوي كان قد القاها في احتفال لجلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله جملة «بإذن الله» بعد كل عبارة بها سنعمل سنضع سنقوم.
ونشر الاستاذ الانصاري القصيدة بهذه الاضافات الشاذة التي اضطرب لها وزن القصدة، متعمداً اثارة الشيخ الغزاوي، وفعلاً كان له ما اراد واسرع اليه مستنكراً.
ومشاكل الرقابة مع الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عند اصدار صحيفة اليمامة بالرياض كثيرة فيقول في مجلة العرب ج 1112 س 23 الجماديان 1409هـ.
كان الاستاذ عمران محمد العمران نشر كلمة في العدد ال «96» بتاريخ 20/2/1377ه عن «آغا خان» وتعرض فيها لذكر حكومة الباكستان، وكان الرقيب قد اجاز نشرها، فلما احتجت الحكومة الباكستانية وعرض الامر الشيخ يوسف ياسين على الرجل المسؤول في الدولة في غياب الملك وولي عهده امر بايقاف الصحيفة وسجن صاحبها.
وقال انه قد حمل ملفاً يحتوي على مقالات رفض الرقيب السماح بنشرها، حملها الى الشيخ عبدالله بلخير المدير العام للاذاعة والصحافة والنشر، وكان من بين تلك المقالات مقال للاستاذ محمد علي العبد عن احتجاج جميعة الرفق بالحيوان في بريطانيا بشأن «الكلبة لايكا» وسكوتها عن قذف الطائرات البريطانية القنابل المحرقة على الشيوخ والنساء في الجنوب العربي، ومقال آخر للاستاذ عبدالكريم بن جهيمان عن ضرورة ايجاد امكنة لقضاء الحاجة في الميادين والساحات العامة في مدينة الرياض استكمالاً لنظافتها. فلما استوضح الشيخ بلخير من المراقب عن عدم السماح بنشر عدد من المقالات كان مما اجاب به: بريطانيا صديقة لنا ولا يسوغ ان نوجه لها نقداً، كما ان مدينة الرياض ينبغي الا يقرأ الناس عنها انها غير متكاملة في مظهرها الحسن.
وقال ان اول مرة تتعرض فيه صحيفته وهي مجلة آنذاك من كبوة بنشرها مقال في العدد الثاني عشر من سنتها الاولى الذي خصص ل «البادية» الصادر في شهر ذي القعدة 1373ه «يوليو 1954م» بعنوان «اين نحن مسوقون؟» لاحد كبار موظفي الدولة في ذلك الوقت الشيخ عبدالله الطريقي فكادت تلك المقالة تؤدي بحياتها لولا الاعتذار، والتعهد بعدم التعرض بالنقد.
وختاماً فقد كان الاستاذ حمد الجاسر والطيب الساسي رئيس تحرير جريدة ام القرى اثناء الحرب العالمية الثانية، ومجموعة من طلبة العلم يجلسون في المسجد الحرام وكانت الجريدة وقتها تصدر بحجم صغير وبأربع صفحات لشح الورق وتوقف بقية الصحف. فقال الطيب الساسي لحمد الجاسر: ماذا تقول بجريدة ام القرى او ما رأيك بها؟
فأجابه الشيخ حمد هل تريد رأيي بها شعراً ام نثراً؟ فأجابه الساسي بل شعراً.
فقال الجاسر:
جريدة صغيرة تحكي جناح اللقلق
كم قد حوت من صورة وخبر ملفق
فرد عليه الساسي بغضب: اتقول هذا بجريدة الحكومة.. والله وبالله وتالله لولا انني رئيس تحريرها لقلت صدقت وبالحق نطقت.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved