الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

سارة أبوحيمد وقصيدتها (الأطفال والأزهار)
* عبد الرحمن بن سليمان الرويشد

بينا أنا مشغول بتصفح مجموعة من الأعداد القديمة لمجلة الشبل بحثاً عن مواد تستحق إعادة النشر لأضمنها العدد الممتاز الذي سوف يتم إصداره بمناسبة مرور ربع قرن على صدور العدد الأول من هذه المجلة، فإذا بي أفاجأ بقصيدة رائعة بعنوان (الأطفال والأزهار) من شعر الأديبة الكاتبة سارة سليمان أبوحيمد، سبق أن نشرت في مجلة الشبل في أوائل أعدادها، وكانت المجلة قد استعارت نشرها من صحيفة سعودية نشرتها من قبل، وحينها لم يساور المحرر أي شعور بالذنب وهو يلتقط تلك الزهرة من منبتها الأول ليغرسها في الحقل الجديد واضعاً في اعتباره أن الشاعرة هي إن لم تكن قد علمت بذلك إلا أنها ستكون سعيدة؛ فيما لو علمت، فكل ما يهمها هو تغريد الأطفال حول ذلك البرعم الباسم بغض النظر عن أدبيات، ومصطلحات السبق الصحفي، لا سيما وأن شاعرتنا الفاضلة قد طالت غيبتها عنا، فلم نعد نراها تطل علينا من خلال صفحات الجرائد والمجلات مما جعلنا نعتقد بأنها شغلت عن قرَّائها بمال وفير أو جاه عظيم أنساها العودة إلى منازلها الأولى ومخيماتها القديمة، إذاً، فليس في تلك الاستعارة ما يشين أو يعيب!! ثم أن صاحب المجلة ورئيس تحريرها تربطه بوالد الكاتبة وبأخيها وبأسرتها عموماً، وشائج حميمة تكفر مثل ذلك الخطأ إن وجد فآل رويشد وآل سليمان أبوحيمد تجمعهما صداقة وقرب وقرابة، فسليمان بن إبراهيم أبوأحيمد، وكنيته (أبو إبراهيم) ينتمي لبلد تجمع الأسرتين، وأسرته آل أبو أحيمد من الأسر القديمة الراسخة الجذور في بلدة منفوحة القريبة من مدينة الرياض والمندمجة فيها الآن، حلَّ بها أجداده منذ زمن يقرب من زمان أعشى قيس شاعر بني ثعلبة، وصاحب المعلقة المعروفة.. ومادح النبي الكريم بقصيدته المشهورة..
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
وعادك ما عاد السليم المشهّدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما
تناسيت قبل اليوم خَلة مهددا
فبيت آل أبي أحيمد لا يزال من البيوتات المنتشرة اليوم في بلدة الرياض وما حولها من بلدان العارض وعلى ضفاف الخليج والبحرين وأخواله -كما حدثني بذلك هم من آل حسين بن قراش أسرة منفوحية قديمة تعيش في موطنها الأول إلى الآن وأتذكر أنه بعد أن انعقدت الصلة بيني وبينه بواسطة ابن العم الشيخ سعد بن رويشد، وبعد أن أصبح يزور الرياض بصفة متكررة طلب مني آنذاك أن أصحبه في زيارة خاصة لبلدة منفوحة التي لم يزرها منذ زمن طويل كي يسعد بالتجول في أزقتها الضيقة ويستمتع بمشاهدة معالمها ومرابع صباه فيها، على أمل أن يتعرف بأقاربه هناك، فكانت استجابتي فورية لذلك الطلب، وبدا مسروراً بتنفيذ الفكرة، وكانت بلدة منفوحة آنذاك لم تتغير معالمها التي كانت عليها قبل مئات السنين فلم تزل تحتفظ بسورها المتهدم، وبواباتها وقلاعها..
وكانت بلدة منفوحة الجديدة على وشك الظهور والبروز فوق المرتفعات الشمالية الفاصلة بينها وبين الرياض وهي المرتفعات المعروفة قديماً ب(ظهرة منفوحة).
دخلنا بلدة منفوحة القديمة عن طريق البوابة الشمالية تاركين وراءنا أكوام المنازل المهدَّمة، وقلعة (المنفوحي) التي يزعم الناس أنها تضم قصر أعشى قيس وقبره، ويتحدثون عن أساطير مرعبة حول تلك القلعة المهدمة، وأن بها أرواحاً شريرة تحل في مطاوي ذلك الركام، وتتمثل في صورة ثعبان مخيف، قد يشاهد أحياناً، لذلك ترى سكان القرية يتجنبون المرور بالقرب من تلك القلعة الطينية المحطمة.
كان المرحوم الشيخ سليمان أبو أحيمد والد الكاتبة سارة يسبقني في التعريف بأسماء المواقع المحيطة بقرية منفوحة ويؤكد بأنها كانت على ما هي عليه يوم أن غادرها، كان يتحدث عن ذكرياته عن تلك البلدة العريقة وعيناه مغرورقتان بالدموع، وفي وسط البلدة طلب مني أن أتوقف بسيارتي، وأخبرني بأنه يحتاج أن يزور بعض من يعرف دورهم في تلك القرية من عماته وبعض أقربائه، وبعد أكثر من ساعة أقبل إلى، وقد عادت صفحة وجهه للإشراق، واستعاد مرحه بعد فترة اكتئاب لم تطل، وأخبرني بأنه وجد عمته أو قال خالته.. لا أتذكر، وأنها تدعى (قوت) وبعضا من أقربائه من كبار السن.
ثم طلب مني أن نعود إلى الرياض قائلاً كفي!! سأعود إلى زيارة ابن أختي من أسرة آل عمران واسمه عبد الرحمن، فقد لا تعلم أنني خاله، وأنني قد زوجته ابنتي الكبرى!!
في هذه الأثناء سألته: إذا، متى تركت بلدة منفوحة؟ وما الذي دعاك إلى هجرتها؟ فأجاب: تركتها في سن الفتوة وكان عمري لا يتجاوز السادسة أو السابعة عشرة، كنت في سن الصبا، وكان ضيق العيش وقسوة الحياة قد اضطراني - كما غيري - من شباب نجد وفتيانها إلى الهجرة، فما أن بلغت مرحلة الشباب، حتى دفعت بي همتي إلى أن أخرج إلى أرض الله الواسعة مثل غيري حيث نذهب إلى أقرب البلدان إلينا، ثم ترمى بنا الأقدار إلى بلدان أخرى، فقد رحلت إلى بلدان الخليج العربي ثم إلى ضفته الشرقية من بلاد فارس، ثم الهند وعدت مرة أخرى ليستقر بي المقام في جزر البحرين، تلك البلاد التي كانت حينها موطناً لكثير من السلالات والعوائل من مختلف أقاليم نجد، وهناك عملت وكافحت، ولم يمض كثير وقت، حتى أصبحت من تجار البلد، وكنت أتردد فيما بين البحرين والأحساء، واتعاطى وأمارس ضروباً من البيع والشراء!!
وفي إحدى زياراتي لبلاد الأحساء، وكانت إذ ذاك عامرة بالنشاط التجاري فقررت أن أرتبط بزواج من أسرة نجدية من الأسر القديمة في الأحساء أسرة (آل أبونهية) وهم -كما تعلم هكذا يقول- من أشهر الأسر في الدرعية التي هاجرت إلى الأحساء إبان سقوط الدولة السعودية الأولى، حيث تركتها العائلة بعد اجتياح جيش محمد علي، وسقوط مدينة الدرعية، وبعد أن قتل الكثير من أبناء تلك الأسرة وهم يدافعون عنها وكان ممن استشهد في سبيل ذلك الدفاع لصد الأعداء كبير العائلة (محمد بن عبد العزيز أبونهية) الذي ذكر ابن بشر في تاريخه أنه من مشاهير من أستشهد في تلك المعارك، وقد أنجبت لي زوجتي الأحسائية وابني ناصر، وابنتي سارة، وعدداً من البنين والبنات.
والمعروف أن ابنه ناصر من الشعراء المعدودين، وقد بدأ في الكتابة وفرض الشعر في سن مبكرة، كانت تنشر له صحف البحرين وبعض صحف المملكة، وكان أحد الشعراء الذين تنشر لهم مجلة الأديب البيروتية الكثير من القصائد والمقطوعات، وله دواوين شعر وإنجازات أدبية أخرى.
وأخته الشاعرة الأديبة سارة.. اشتهرت بالكتابة وقرض الشعر، ونشر إنتاجها في عدد من الصحف والمجلات في الرياض، والبحرين. وفي الثمانينات الهجرية كانت تنشر لها جريدة القصيم ومجلة اليمامة وجريدة عكاظ موضوعات ومقطوعات شعرية في مجالات أدبية واجتماعية وتاريخية مختلفة.
وقد استقرت عائلة سليمان أبوحيمد في آخر السبعينيات الهجرية في الرياض حيث استقر الشيخ سليمان والدهم في سكن حديث جنوبي مدينة الرياض 1379هـ لكنه لم يلبث أن وافته المنية بعد عمر طويل، وكان مع ما يتمتع به من ظرف وحيوية شديد التدين محافظاً على الصلوات الخمس والنوافل يحب الصدقة، وتعهد الأخرين ممن يحس بفقرهم وعوزهم وله طرائف ونكت ومداخلات مع أصدقائه ومحبيه، ليس هذا مجال نشرها.
رحمك الله أبا إبراهيم.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved