الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

أماني قد صحت.. فما أطيب المنى!!
محمد بن صديق الحربي
عندما يُذكر الأدب النسائي السعودي - على رغم إشكالية التسمية - فلا بدَّ أن يقفز اسم أديبتنا الكبيرة سارة بوحيمد إلى ذهن المتابع للمشهد الثقافي لدينا كإحدى الأديبات السعوديات اللواتي تعاطين مع ضروب الكتابة الأدبية؛ إذ هي شاعرة وقاصة ومهتمة بأدب الطفل وداعية للاهتمام به، وكاتبة له في وقت ندر فيه من يعطيه مساحة من جهد، وظلالاً من رعاية.
وفي هذه المقالة سأتجاوز عطاء أديبتنا في مجال الأدب - وأحسب أن في هذا الملحق من أدبائنا من سيكفيني الحديث عنه - إلى الحديث عن الهمِّ الاجتماعي الذي شغل حيزاً من تفكيرها، فترجمته إلى أحرف تطالب من خلالها بالالتفات إلى هذا الجانب المهم من جوانب الحياة الاجتماعية لدينا، وأقصد هنا (رعاية الأسرة، والجمعيات الخيرية النسائية) من خلال حديثها المبكر عن المرأة ودورها في خدمة المجتمع، واهتمامها بالأسرة لتكوِّنَ مع الرجل أسرة مثالية تمثل النواة لمجتمع فاضل، ومطالبتها بتكوين جمعيات خيرية نسائية تحتوي المرأة وتسهم في إخراجها من ظلام الجهل إلى نور العلم، إضافة إلى المشروع العملي الذي ضربته مثلاً لرعاية الطفل وتثقيفه في مراحل عمره المبكرة والذي بكل الأسف تحول بسبب الإهمال وعدم الوعي بأهميته في ذلك الوقت من قبل الأهالي والجهات ذات الاختصاص إلى مشروع تجاري تذكره بحسرة كلما جاءت للحديث عنه مناسبة عارضة.
وأحسبها أحلاماً كانت تراودها حين كتبت عنها، ثم أضحت واقعاً ملموساً ومنجزاً حضارياً لا يجحده مجحف، ويشيد به كل منصف.
وبين يدي ثلاث قصاصات - زوَّدني بها ضمن من زود - الأستاذ الكريم محمد القشعمي الذي تبنى مشكوراً - وليس ذلك عليه بغريب تجاه روَّادنا - فكرة هذا الملحق احتفاءً بهذه الأديبة الفاضلة.
أما أولها فهي مقالة نشرت لها في مجلة اليمامة في عددها رقم 300 بتاريخ 11-6-1381هـ بعنوان: (جمعيات خيرية نسائية) بقلم (الآنسة سارة بوحيمد)، تحدثت فيها عن نسبة الجهل من خلال الإحصائيات التي تقول إنه بلغ لدينا في ذلك الوقت نسبة 95%، معتقدة أن هذه النسبة المرتفعة بسبب (أن المرأة ظلت لسنوات طويلة محرومة من العلم، وطبعاً لن يكون بإمكان المرأة الجاهلة أن تبني أسرة مثالية توطد دعائم المجتمع وتسير بالبلاد في طريق الرقي والتقدم).
ثم تشدِّد على الحاجة الضرورية والملحة لإنشاء جمعيات خيرية نسائية تسير جنباً إلى جنب مع الخطوات المباركة التي فتحت أبواب التعليم أمام المرأة، وتهتم بشؤونها من جميع النواحي، مشيرة إلى اعتقادها أن هناك الكثير من سيدات البلاد المثقفات مستعدات للمساهمة في هذه الجمعيات التي نرجو أن تكوِّنها بنات الأسرة الحاكمة؛ لأن المجال أوسع أمامهن لمختلف أوجه النشاط ليساهمن في العمل على النهوض بنساء بلادهن من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة، ويجب ألاَّ يقتصر عمل هذه الجمعيات على ناحية واحدة من نواحي الخير، بل يشمل جميع الأمور التي تكون المرأة بحاجة إليها: نفتح مراكز في جميع المدن والقرى لرعاية الأمومة والطفولة، مشاغل للنساء المعوزات لمساعدتهن على تدبير أمور معيشتهن بالوسائل الشريفة، ملاجئ لليتيمات وللعاجزات، ومدارس للسيدات الأميات لمحو الأمية من بينهن، وهو حلم قد أصبح واقعاً ملموساً تبنَّته بنات الأسرة الحاكمة الكريمات - كما رأت كاتبتنا - وشمل غالبية مناطق مملكتنا، وغدت مشروعاته واضحة للعيان، وآخرها هذا المشروع الذي افتتح باب التبرع له صاحب السمو الملكي ولي العهد، ورعاه سمو أمير منطقة الرياض، وتبنَّته (جمعية النهضة النسائية) التي تقوم على خدمتها الأميرة الإنسان (سارة الفيصل)، وأعني مشروع (وقف الأم) الخيري، كما أن فصول محو الأمية فتحت للمرأة، وأصبحت هناك مشروعات أسرية صغيرة تتبنَّاها الجمعيات الخيرية النسائية، وبعض الغرف التجارية كَفَت الأسر المحتاجة شر العوز حتى غدت خارج دائرته.
أما القصاصة الثانية فمقالة نُشرت لها في صحيفة (عكاظ) في عددها رقم 90 في 10-9-1381هـ بعنوان: (دور المرأة في خدمة المجتمع)، وفيها تحثُّ بنات جنسها على العمل؛ إذ هي - أي المرأة - إضافة إلى كونها (أماً تربي أجيالاً صالحة لتقوم بخدمة بلادها بتأديتها أعمالاً تنسجم مع طبيعتها وجنسها.. وهناك ميادين أخرى تستطيع أن تظهر فيها كفاءتها ومقدرتها كأن تكون مدرسة... وتستطيع أن تكون ممرضة تحنو على المريضات من أطفال ونساء). وهي تركز على أهمية التعليم وتربط بينه وبين تكوين الأسرة المثالية التي يرتبط أفرادها برباط من المحبة والتعاون والاحترام، وتقول: إن هذه الأسرة المثالية ستوطد دعائم مجتمعنا على كل ما هو فاضل، وتسير ببلادنا في طريق الرقي والتقدم (مقتصرةً في ذلك على الأفراد المتعلمين الذين يكوِّنون تلك الأسرة)، وأحسب أن في ذلك مغالاة تُغفر لها؛ نظراً إلى الحماس الذي ملأها للحضِّ على التعليم في ذلك الوقت.
وعلى كل حال، فهي نظرة متقدمة في حينها تدل على وعي منفتح واضطلاع مبكر - لمن في مثل سنها حينذاك - بالمسؤولية تجاه المجتمع.
وهاهي المرأة السعودية اليوم قد تجاوزت حلم أستاذتنا الكريمة، فأصبحت طبيبة، ودكتورة في الجامعة، وسيدة أعمال مرموقة، وأصبحت الأسرة المثالية - حسب تعريفها - هي أساس المجتمع.
أما القصاصة الثالثة فهي تعريف عنها جاء في معرضه حديثها حول: (مشروع ثقافي للطفل)، وقد نُشر في كتاب للأستاذ عبد الله الشباط باسم (أدباء من الخليج العربي)، صدرت طبعته الأولى في عام 1406هـ عن الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع بالخبر، إذ تقول: (عندما استقلت من عملي.. قمت بعمل مشروع ثقافي تجاري.. وافتتحت نادياً للأطفال أو بالأحرى للفتيات الصغيرات.. يضم مكتبة وغرفة للألعاب وفصلاً دراسياً للغة الإنجليزية، ومساعدة الطالبات المتأخرات في دراستهن. وظل المشروع لمدة عام، ثم وجدت أنه ليس هناك تشجيع من قبل الأهالي.. وكنت أنوي تحويله للشؤون الاجتماعية، فلما لم أجد الإقبال المنشود اضطررت مع الأسف الشديد إلى تحويل ذلك المشروع إلى محل تجاري للسيدات. قد نجح هذا المشروع بينما فشل المشروع الثقافي).
وكم كان حرياً أن يجد هذا المشروع الدعم والتشجيع من قبل الجهات الرسمية لتبنِّيه وتعميمه؛ لما يمثله من أهمية تفرش للطفل أرضية من الوعي بقيمة الكتاب في حياته كأساس ومنهج حياة، ووسيلة توعية تحميه من غول الفراغ الذي يقضيه كثير من شبابنا اليوم في الأسواق والشوارع وأمام المحطات التلفزيونية بلا هدف يعود عليهم بالنفع.
إن المتتبع لكتابات الأستاذة سارة بوحيمد حين بدأت الكتابة منذ ما يزيد على ستة وأربعين عاماً سيجد ذلك الشعاع التنويري الواعي لديها بادئةً بصحافتنا المحلية (اليمامة وعكاظ والقصيم، وأخيراً وإلى وقت قريب مجلة الحرس الوطني وغيرها) منطلقة منها إلى الصحافة العربية (الأديب) البيروتية. كما سيجد الحس العروبي الذي يحمل قضايا الوطن العربي من فلسطين إلى الجزائر يوم كانت تحت الاحتلال، ودور المرأة في الكفاح لنيل الاستقلال، مشجعة لها على الاستمرار في الكفاح ضد المحتل.
وبعدُ، أفلا تستحق هذه الأديبة الرائدة - على رغم الإقلال - أن تكرَّم (في حياتها) اعتذاراً عن لبس حدث نشترك جميعاً في تحمل وزره؟! وإن لم يكن التكريم من الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام فليكن من الجمعيات الخيرية التي نادت أستاذتنا بإنشائها قبل ما يقارب الخمسة عقود من عمر الزمن.
إن النادي الأدبي في المنطقة الشرقية يتحمل الجزء الأكبر من هذا اللبس الذي نقلها وأخاها الأستاذ ناصر بوحيمد من عالم الأحياء إلى عالم الأموات، وفيه دلالة واضحة على أن هناك سياجاً يحول بين المبدعين في المنطقة وبين النادي الذي أغرق نفسه في مهاترات غطَّى صوتها على صوت الإبداع رغبة في البقاء أو أملاً في احتلال كرسي الرئاسة بعيداً عن خدمة أدباء المنطقة وتقوية أسباب التواصل بين أجياله وخدمة الأدب والإبداع الحقيقي الذي أنشئ النادي من أجله.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved