الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

رائدة رفعت لواء المطالبة بتعليم المرأة
أمل زاهد
يحق لنا أن نعتبر سارة بو حيمد إحدى الرائدات الأُوَل اللواتي رفعن لواء المطالبة بتعليم المرأة، ولعل الهم الأكبر الذي كان يشغل سارة -المولودة في أوائل الستينات هجرية الأربعينات ميلادية - ويتأجج في فكرها هو تحسين وضع المرأة السعودية، ورغبتها في إلحاقها بركب التعليم النظامي الذي ظلت متخلفة فيه عن الرجل حتى بداية الستينات حين فرضه الملك فيصل، رحمه الله، رغم الممانعة الاجتماعية آنذاك. كونها رفلت في نعمة التعليم وجنت طيب ثماره وأحست بما يمكن أن يضيفه إلى وعي المرأة، وبقدرته على فتح الآفاق أمامها كي تدرك وتحدد موقعها ومكانتها ودورها في نهضة مجتمعها، المتطلع بعينين نهمتين إلى تحقيق خطوات التحديث التي سبقته في تبنيها وتفعيلها على أرض الواقع أوطان عربية أخرى.
فقد تلقت تعليمها الابتدائي وشطرا من تعليمها الثانوي في دولة البحرين، ثم عادت إلى المملكة وبقيت فيها لفترة ثم انتقلت مع أخيها إلى بيروت لدراسة اللغة الإنجليزية والدراسة بكلية البنات هناك. ودون شك كانت تلك الفرصة التي أتيحت لها للنهل من المعرفة دافعا ومحركا، كي تدعو إلى تعليم المرأة داخل جدران وطنها بدلا من تكلفها عبء الاغتراب ومفارقة الوطن والأهل كي تنال حظوة التعليم وتهنأ بجني ثماره اليانعة.
ففي مقالة لها بعنوان (دور المرأة في خدمة المجتمع) كُتبت في عام 1962م أي قبل إقرار تعليم المرأة النظامي، تدعو إلى فتح باب التعليم أمام المرأة، وتشدد على أهمية العلم ودوره في تنمية شخصية المرأة وفي رفع قدراتها وأدائها في مجال الأمومة نفسه فتقول: يتساءل الكثيرون اليوم عن واجبات المرأة العربية في عصرنا الحاضر وقد أصبح التعليم أمرا معترفا به في معظم الدول العربية، وهنا من واجب المرأة أن تعمل على إنماء ثقافتها لترفع من شأن أمتها بعلمها، فالكثيرون في بلادنا مانعوا تعليم المرأة ووقفوا ضدها قائلين أنها ليست بحاجة لتعليم لأنها خلقت أما والأمومة خلقة فطرية في النساء فلا داعي لتعليمهن، وهذه أقوال خاطئة لان من واجب هؤلاء أن يدركوا أن الأمومة وحدها لا تكفي لتستطيع عن طريقها أن تنشئ أطفالا مهذبين متعلمين واضطر الكثيرون للسفر بعائلاتهم للبلدان العربية المجاورة من أجل تعليم فتياتهم لأنهم أدركوا أن بقاء المرأة دون تعليم فيه ضرر لها ولمجتمعها ولوطنها.
ولنا أن نتخيل ماذا يعني أن تكتب امرأة سعودية من قلب مناخ اجتماعي يتسم بالمحافظة الشديدة والانغلاق في ذلك الوقت عن الدعوة إلى تعليم المرأة، مع كل ما يحيط بذلك الموضوع من أسلاك شائكة ومن موانع ثقافية واجتماعية.
ولا يسعنا إلا أن نكبر تلك الشجاعة والجرأة والقدرة على الخروج بغير ما ألفته أسماع الناس وما رسخ في وعيهم وما زرع في عقولهم آنذاك. ولعلنا أيضا نستطيع أن نفهم تحفظها في نفس المقالة على عمل المرأة في ميادين شتى، واستنكارها على السيدات العربيات الأخريات رغبتهن - على حد قولها - في مزاحمة الرجال في أرزاقهم باحتلال مناصبهم. ولعل هذه الصيغة التوفيقية التي دعت فيها إلى تعليم المرأة في حدود وظيفتها كزوجة وأم فقط أو داخل دوائر محددة كمهنتي التعليم والتمريض، كانت هي الأسلم والأقدر على مغازلة الوعي الجمعي إبان ذلك الوقت.
ولعل انتقادها للمرأة العربية الساعية لتقليد الغرب وتشديدها على ذلك، يأتي كوسيلة دفاعية تتخذ من الهجوم وسيلة للدفاع حتى تنفي عن نفسها تهمة الرغبة في إفساد المجتمع والدعوة إلى التغريب. وهي تهمٌ ما فتئت ترمى في وجه كل امرأة تجرؤ على الدعوة إلى تغيير أوضاع المرأة الاجتماعية في مجتمع يعض بالنواجذ على أعراف وتقاليد تجذر لدونية المرأة وإقصائها وتهميشها، ويتمنطق بمفهوم خاطئ عن خصوصية ثقافية يجعل منها مكبلا للمرأة عن ممارسة حقها الطبيعي في الكثير من الأمور، التي لا يعارضها الدين ولا تقف في وجهها سماحة الشريعة ومرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
عادت سارة بوحيمد إلى أرض الوطن محملة بالأماني وممتلئة بالطموحات والرغبة في المساهمة في توعية وتثقيف مجتمعها، فأنشأت ناديا للأطفال يضم مكتبة وغرفة ألعاب وفصلا لدراسة اللغة الإنجليزية، وآخر لمساعدة الطالبات المتأخرات في الدراسة، ولكن مشروعها مات في مهده لعدم قدرته على استقطاب الأهالي لإلحاق أطفالهم به، ولم تتمكن أيضا سارة من تحويله للشؤون الاجتماعية فتحول المشروع الثقافي إلى محل تجاري للسيدات!!
دعت سارة أيضا إلى إنشاء جمعيات خيرية نسائية أسوة بما شاهدته في البلاد العربية التي زارتها كي تحد من الجهل وتساهم في توعية المرأة،واشتغلت سارة أيضا من خلال نتاجاتها الفكرية على الكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية المفصلية في المجتمع، كقضية الاضطهاد الذي تعامل به المرأة المطلقة والظلم الاجتماعي الذي يقع عليها جراء استخدام الرجل لحقوق لم يدرك أن ه يتحتم عليه القيام بواجبات معينة كي يحصل عليها، وكتبت عن قضايا اجتماعية مستحدثة كقضية استقدام السائق في البيت السعودي واهمال رب الأسرة لواجباته وإلقاء عبئها على السائق.
من خلال مقالاتها أيضا ركزت على دور الأسرة في المجتمع وأهمية تثقيف المرأة حتى تلعب الدور المنوط بها في تكوين أفراد متوازنين يساهمون في تنمية ورفعة أوطانهم ودعت إلى خلق محيط من الحب والتسامح وزرع البسمة وبذر الأمل والتفاؤل.
لم تقتصر اشتغالاتها الثقافية على الشأن السعودي الخاص أو قضية تحسين وضع المرأة بل تجاوزت ذلك فشغل الهم العربي حيزا جيدا من اهتماماتها ونتاجاتها، وهجست بحرية الأوطان العربية الواقعة تحت وطأة المستعمر الأجنبي والمتلظية بقسوة أصفاده. ففي قصيدة لها عن جميلة البطلة الجزائرية المعروفة تقول سارة عن لسان جميلة للمستعمر الفرنسي: أين المبادئ التي تدّعون؟ مساواة وإخاء وحرية وهماً تريقون الدماء الزكية متى كانت الجزائر فرنسية مهلا فسننال الحرية وتصبح بلادنا عربية.


Aaz868@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved