الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

لمحات من سيرة كاتب.. (3-3)
عبدالعزيز بن عبدالله السالم

وقد حان وقت رحلة العذاب، فهذا الجمّال يُنيخ الجمل ليحمله عليه ثم أخذه بين يديه - وهو خفيف المحمل - ووضعه على ظهر الجمل وشدّه بوثاق قوي بين كيسين كبيرين هما حمولة الجمل، وعليه أن يوطِّن نفسه على مواجهة الشدائد، فحين اشتكى شدة الحرارة بعد انطلاقة القافلة: رد عليه قائد القافلة بأنَّ ما بعد ذلك أشق وأشد مما تشكو منه الآن، فأدرك أنه مطالب بأن يبتلع شكواه، ولأن الفصل صيفي ترتفع فيه درجة الحرارة فقد كانت القافلة تسير في الليل وترتاح في النهار تحت بعض الأشجار.. كان أشبه بالسجين وهم يعيدون وثاقه عند استئناف كل مسيرة، وبعد خمسة أيام من العنت والإرهاق وصلت القافلة إلى مرحلتها قبل الأخيرة، وفي هذه المحطة أقاموا في عشش متواضعة المظهر عشوائية التصميم. تُماشي حال الساكنين وطبيعة احتياجاتهم في ذلك العهد، وما دامت مقولة: السفر قطعة من العذاب، فإن هذه العشش من صور العذاب في السفر وفي الحضر.
* * *
وفي إحدى هذه العشش نام الصبي والرفاق من حوله، وحين استيقظ في الصباح لم يجد أحداً منهم، وبحث عن طعام فلم يجد شيئاً، وتجوّل بين العشش لعله يرى أحداً من رفاقه والعشش متشابهة في أشكالها وألوانها، فسعى بينها على غير هدى، وحينذاك شعر بالخطر يُحدق به وهو غريب وفي مكان لا يعرفه، وتوترت أعصابه حتى افتقد الحاسة التي تمكّنه من الاهتداء إلى العشة التي خرج منها، ومما زاده توتراً وفزعاً في دوامة الضياع: أن رأى كلبين يجريان خلفه فركض خوفاً منهما فلحقا به يركضان وراءه، وتمثل له مشهد الكلب الذي تابعه في طريقه إلى المدرسة بأبها، وشاغله بما كان يرمي له من قطع الخبز الذي كان يحمله معه في مخلاته. لكن الآن لا شيء لديه يُشاغل به الكلبين وهو يعاني من الجوع والخوف، فوجد نفسه يقتحم عشة تؤويه من خطر الكلبين وكان بها زوج وامرأته، وحكى لهما ضياعه وحيرته والحملة التي جاء معها، فما اهتم الزوج بكلامه ولم يلتفت إلى رجائه بإيصاله إلى حملته، فعطفت عليه الزوجة وشفعت لدى زوجها ليوصله إلى حيث يريد، وكان رفاق الرحلة بدورهم يبحثون عنه وقائدهم كان أكثر حرصاً على العثور عليه شعوراً بمسئوليته عنه، ولذا فحين وصل إليه قام بصفعه صفعة ذاب ألمها بفرحته بلقاء رفاقه، وهم يستعدون للمرحلة الأخيرة التي بها يصلون إلى مدينة جازان حيث والده، وحمد الله على انقضاء الأيام الستة في رحلة العذاب، وقد فرح والده بمقدمه وتعجب من إقدامه - مع صغره - على هذه الرحلة المريرة، وبعد هذا الجهد الشاق: عليه أن يتكيف مع جو المنطقة التي وصل إليها والبيئة الجديدة التي سوف يواجهها وهما مختلفان كل الاختلاف عما ألفه في منطقة عسير.
* * *
وبعد ما استقر به المقام عاوده هاجس مواصلة الدراسة. وكان حضور وَعْي والده المشجع له على الالتحاق بالمدرسة حافزاً له على ذلك، وكيف لا يهتم بدراسة ابنه وهو الذي روى له قصة لقائه مع المؤرخ الكبير أمين الريحاني عندما التقى به في بلده شقراء وعرض عليه أن يصطحبه معه لاستكمال دراسته في لبنان وحين استشار والده (جدّ كاتب السيرة) لم يوافق على سفره إلى بلاد بعيدة في نظره بمقياس ذلك الزمن، وانتظم الابن بالدراسة الابتدائية بجانب والده الذي ما نسي العرض السخي ليتعلّم في لبنان ولكنّه فرّط فيه، وقد حفزه هذا التفريط على أن يكرس جهوده في بعث روح الإقبال على العلم في ابنه. فكان يمدّه بكل وسائل التشجيع ويدفعه إلى التفوق فقرر له مبلغاً من القروش للفسح الدراسية في هذه المدينة.. وقد ارتاح في كنف والده وبعد الدراسة يزوره في متجره وبدا سعيداً بحفاوته به وحرصه عليه، وإن كان الحنين لا يزال ينازعه إلى أمه التي تبادله هذا الإحساس، وقد حمله الشوق لها إلى العودة إلى أبها لكن لم تطل إقامته بها، وكذلك انتقل والده من جازان إلى الطائف ولهذا الانتقال قصة أخرى.
* * *
كان حريصاً على أن يكون بجانب والده لما يلمسه من عاطفة الأبوّة نحوه، وحين عرف أن والده انتقل إلى الطائف قرر اللحاق به، والوسيلة التي ستحمله من أبها إلى الطائف سيارة البريد، والرحلة هذه أكثر تقدماً من الرحلة إلى جازان، ومع ذلك فقد ناله فيها بعض المعاناة فرقاه بها: منهم سجين مكبل بالأغلال يلازمه جندي، وفتاة مصابة بطلق ناري لإجراء عملية لها في الطائف، إلى جانب خاله المكلف بمرافقة السجين ومن طبعه العبوس على الدوام، وبعد أيام تم الوصول إلى مدينة المصيف، وقد انبهر الصبي وهو يشهد من نافذة السيارة مرور دراجة نارية، فقال لخاله بصوت مرتفع وبلهجة عسيرية: انظرْ إلى الجني، وكان جوابه صفعة قوية على وجهه دارت به الدنيا لشدتها ولكنه تمالك نفسه من البكاء خوفاً من صفعات أخرى، وإذا كان خاله قد أساء إليه بهذه الصفعة فقد أحسن إليه بأن تولّى أمره حتى يثق من وصوله لأبيه، وكان من حسن حظه أن له قريباً يعمل لدى مسئول حكومي مرموق المكانة، فذهب به خاله إلى هذا القريب، وقد وجد لدى الأسرة التي يعمل لديها قريبه استقبالاً حاراً واهتماماً به وربما استظرافاً لشكله بثيابه العسيرية، وانسجم مع أولاد هذه الأسرة انسجاماً تاماً يختلف عما كان يحدث له مع أولاد زوج أمه، ومن صور الاهتمام به أن أحضروا له ثياباً جديدةً تبدل بها مظهره عما كان عليه من ثياب متواضعة وقد ارتداها في غمرة من الفرح والابتهاج، وظل أياماً سعيدةً يُقدَّم إليه كل أنواع طيبات الطعام وألوان الفواكه فارتوى جسده النحيل، ولأول مرة في حياته ينعم بنزهة في سياره مع أنجال الشيخ المسئول بعد عصر كل يوم، وكان من قّبل يقطع المسافات الطويلة مشياً على قدميه، وهو الآن موضع التكريم وقد وشعر وهو في هذه الحالة البهيجة أنه استعاد جزءاً من طفولته التائهة في منعطفات ظروف شحيحة العطاء قاسية المعاملة.. وأمضى عدة أيام سعيدة في بحبوحة من العيش الرغيد لا يريد التحول عنه، وفي ظل هذه الاحتفاء والتكريم لم يعد يُلحّ في السؤال عن مكان والده والبحث عنه، فقد كاد ينسى المهمة التي تجشم الصعاب من أجلها والقصد الذي حضر إلى هذه المدينة من أجله. وعند إطلالة عيد الفطر السعيد كانت الأسرة قد أحضرت له ملابس جديدة للعيد، وكانت سعادته لا تُحّد وهو مغمور بصور الابتهاج، وقد شغلته مظاهر العيد وحفاوة الأسرة الكريمة به وحسن معاملته، وهو لأول مرة في حياته يلبس عباءةً وعقالاً فوق ملابسه المتميزة التي لم تكن ضمن أحلامه الوردية التي لم يعهدها في أبها وجازان.
* * *
وجاءه النبأ بمعرفة مقر والده، وتباينت عنده مشاعر الغبطة باستئناف اللقاء بوالده: بمشاعر الأسى على الانتقال من بيت الأسرة التي أمضى أياماً سارةً في رعايتها وحبها له وما نسي فضلها عليه. ولكنْ لا بد مما ليس منه بد، فقد ذهب إلى والده وحظي باستقبال عمة والده وهي مشهورة بأم عبدالرحمن السبيعي، ولها مكانة مرموقة لدى أسد الجزيرة الملك عبدالعزيز، ومعروفة على نطاق واسع في الوسط الاجتماعي بالمملكة، وقد غمرته (العمة) بالهدايا والنقود ما أسعده وخفّف عنه فراق الأسرة العزيزة التي استضافته من قبل. وفي حياة بطل هذه السيرة مواقف مدهشة وعجيبة فإلى جانب ما سلف ذكره منها فإن الموقف الآتي جدير بالتأمل الممزوج بالعجب فقد سأله أبوه: هل أجريت الختان فلما أجابه بالنفي. قال له: لا بد من إجراء الختام ولك أن تختار إحدى طريقتين الأولى: أن تجريها حسب طقوس المنطقة عند أخوالك في مظاهر احتفالية مشهودة من جميع مَنْ له علاقة بحضور هذا المشهد الاحتفالي كما هي العادة المتبعة هناك، والثانية: إجراؤها وفق عادتنا هنا ولأنه قد بلغ التاسعة من عمره يصعب عليه أن يُشهَّر بختانه على ملأ من الناس، وتمت العملية على أفضل ما يتمنى، فقد حضر الذي سيقوم بإجرائها وهو يترقب قدومه متحفزاً تتنازعه بواعث الرهبة والخجل، وحين أبصر شيخاً مسناً يربط حماره في سارية البيت تحولت رهبته إلى طمأنينة فهذا الرجل الكبير في السن لا بد أنه خبير في إجراء هذه العمليات، وفي غرفة منعزلة في السطوح تمت العملية في هدوء وسرّية دون علنيّة كما هو المعتاد سابقاً في بعض مناطق الجنوب بهذه البلاد.
* * *
كان والده محباً للعلم داعياً إليه، وحين فاته قطار التعليم حاول تفادي ذلك بالإقبال على القراءة الحرة، واهتم بشكل خاص بقراءة المؤلفات الحديثة لكبار أدباء العصر في الأقطار العربية، وقد دفعه هذا الإحساس لمتابعة أبنائه في دراستهم لئلا يفوتهم ما فاته مما يتحسر عليه في واقعه، ومع مزاولته للتجارة فإن هاجسه العلم، ومَنْ أولى من أولاده برعايته وتوجيهه لهم، وذلك ما بدا واضحاً في حرصه على توفير الوسائل التعليمية لابنيه عبدالرحمن ومصطفى على أفضل مستوى في ذلك العهد فبعثهما إلى لبنان للدراسة، ومبالغة في اهتمامه بهما فقد كلف سكرتيراً وهو لبناني بمرافقتهما وألا يعود إلا بعد الاطمئنان على انتظامهما في الدراسة، وبعد عام دراسي عادا للبلاد لاستكمال دراستهما في جدة ثم في الرياض وأكملا المرحلتين المتوسطة والثانوية بمدينة الرياض حيث انتقل والدهما إليها موظفاً حكومياً.
* * *
ويقص علينا صاحب السيرة أنه تخرج من الثانوية بتفوق أتاح له الابتعاث للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية.. وتطلّع حوله فوجد أن والده المحب للعلم يؤيد سفره خارج البلاد وتحمس لابتعاثه وتشجيعه على ذلك، لكن ما هو دور أمه وهذا مهم بالنسبة إليه. التي سافر إليها في أبها ليحمل إليها بُشرى حمله للشهادة الثانوية وأنه لتفوقه اُختير ضمن مَنْ سوف يُبعثون إلى أمريكا ولكنّها فزعت وهي تسمع أن ابنها سيتركها إلى بلاد بعيدة جداً، وهي تحنّ إليه وهو في داخل المملكة فكيف إذا فصلته عنها بحار ومحيطات ومسافات شاسعة، وحضر زوجها وهي في حوار مع ابنها حول السفر فاقترح اقتراحاً عجيباً لو قبله صاحبنا لظل نكرة إلى يومنا هذا.. فقد كان اقتراحه أن يوظفه في شرطة أبها بـ(650 ريالاً) وهذا أقصى ما يتمناه شاب في مثل عمره. وحاول أن يتخلّى عن البعثة للدراسة بجامعة الملك سعود بالرياض، وظل يراوح مكانه ثلاثة أيام في محاولة للتوفيق بين رغبة والدته البقاء بالمملكة وطموحه للسفر خارجها تدفعه رغبة والده.. وقضى على تردده برقية من والده - البعيد النظر الحريص على مستقبل ابنه - يعنّفه فيها بالتخلّي عن الابتعاث وأن وزارة المعارف تلحّ في طلب حضوره استعداداً للسفر، وأن عليه ألا يُضيع مستقبله تحت ضغط عاطفة وقتية، وتلقى كذلك من أخيه مصطفى برقية يحضّه على العودة للرياض وألا تفوته منحة الابتعاث التي يتطلع إليها كثيرون لم يبلغوا ما بلغه من التفوق وناشده العودة السريعة، وبين تأكيد الوالد ونصيحة الأخ استجاب عائداً لينهي أوراق ابتعاثه.. وفي رحلة السفر إلى أمريكا عانَى شيئاً من العذاب وإن لم يبلغ مستوى معاناته في رحلته من أبها إلى جازان. أما هذه المعاناة ففي الطائرة من فرانكفورت إلى نيويورك: جلس إلى جواره أمريكي إفريقي الملامح ضخم الجثة بائن الطول. يرتدّ البصر قبل أن يمسح تضاريس خارطة جسده الذي يضيق به المقعد المحشوّ فيه. تلو هامته قبعة لم تفارقه مدة الرحلة، وتحجب بصره نظارة سوداء تحمل لون بشرته وتغطّي مساحة من وجهه المحفور بأخاديد العمر، وبيده سيجار ضخم يتّفق مع ضخامة جسمه، وظل هذا السيجار في فمه لا يمل نفث دخانه على جاره الذي يضاعف من وحشة غربته مجاورته لمثل هذا الرجل الذي تخلى عنه الذوق، ولم يجد صاحبنا مكاناً سوى هذا المكان الذي وضعه فيه سوء حظه بجوار هذا الآدمي المتوحش. ولم يتصل بينهما حديث لتعطل اللغة بين الاثنين وتنافر الطبعين.
* * *
انتهت الرحلة وهو الآن يقص علينا مواقفه بعد أن استقر في مدينة لوس أنجلوس سكناً ودراسة، ولأن الإنسان مرتبط بأهله وبيئته، فإنه بعد أن استراح من شواغله الذهنية المتعلقة بدراسته وسكنه، فقد انبعثت أمامه تصورات مزدوجة من الانتصار على نفسه لتحقيق آماله بالدراسة الجامعية في أمريكا، وما يواجهه من صعوبات في الإحساس بالغربة وصعوبة تلقي العلوم بلغة أجنبية غير لغته، وكان يفكر أنه لن يحقق التفوق في أمريكا كما حققه في بلاده.. ولكنه حين أدار في ذهنه هذا الخاطر زاده إصراراً على بذل المزيد من التفوق وهو يرى مبتعثين من شتى أنحاء العالم يدرسون ويتخرجون ويعودون لبلدانهم بمستويات عالية، فماذا ينقصه ليجاريهم بل بإمكانه بالجد أن يتميز عليهم، وذلك اهتم بأن يكون من رواد مكتبة الجامعة وأن يمضي بها جُلّ وقته فلا يضيعه فيما لا يفيد، وصارت المكتبة هي شاغل ذهنه الأول حتى أنه في إحدى الليالي كان مستغرقاً في المطالغعة ونسي الزمن. فإذا بحارس المكتبة يربّت على كتفه قائلاً له: الساعة تدنو من منتصف الليل وأنت الوحيد في المكتبة والعمل بها ينتهي في هذا الوقت.
* * *
كان جاداً في رغبته في التعلم وآمال أبيه تحفزه لأن يكون عند حسن ظنه به، ولأنه شاب جاد في حياته فلم يتطلع إلى فسح تُؤدي به إلى لهو يصرفه عن رسالته وجدّيته، فقد أحب أن يستفيد مراناً في اللغة الإنجليزية فعمل في النادي الخاص بالجامعة خلال فترة الغداء وعلى امتداد ساعتين ونصف الساعة يومياً عدا يومي السبت والأحد، وفي مرحلة الماجستير انتقل إلى العمل في مكتبة الجامعة وعمل فيها فصلين دراسيين - ولم يكن هدفه المردود المادي - وإنما كان قصده تطويع لغته بمخالطة الأمريكيين على مختلف المستويات.
* * *
وحين ركب الطائرة عائداً إلى وطنه بعد أن حقق ما كان يصبو إليه. كانت الفرحة تملأ جوانحه والمسرة ترتسم على محياه، وحين هبطت الطائرة بمطار جدة استعاد في ذهنه رحلة السفر الأولى نحو أمريكا وما كان يحفها من تردّد وما كان يزدحم به رأسه من أفكار كان يظن أنه لن يحققها، ولكنه يعود الآن محققاً كل أمانيه والبشرى تفيض على وجهه الباسم، وزاد من اتساع دائرة الابتسام هذه أنه يعود وهو يحمد الله على ما أنجزه في بعثته، وبينما هو مستغرق في آماله الواعدة إذا بصوت رجل يخترق الظلام المحيط به لا يعرفه ولم يعرّفه بنفسه، وبادره بسؤال: هل أنت فلان؟ فأومأ برأسه: نعم؛ وقد عقد الخوف لسانه وشلّت المفاجأة قدرته على التساؤل عن هذه السيارة وما المراد به، وازدادت الحيرة حين قال له مستقبله بلهجة حادة: تفضل معي وأشار إلى السيارة، وذهب معه وهو في حيرة من أمره: هل وصلتْ قبله وشاية ليكون استقباله إلى مكان مجهول؟ أم تشابه في الأسماء لمطلوب سواه، وإلى أين سينتهي به هذا الموكل باستقباله على هذا النحو المريب؟ ودار في ذهنه أنها ليلة القبض عليه لمحاكمته فيما نُسب إليه، وحين همَّ بالدخول في السيارة وجّه أسئلة لمستقبله: من أنت ومن أرسلك وإلى أين سنذهب؟ فرد الرجل بأنه ابن الشيخ الذي عرف بمقدمه فبعث سيارته لاستقباله، وهنا استعاد هدوءه وأَحَسَّ كأن الليل قد طوى ظلامه لتشرق شمس نهار جديد.
* * *
على الرغم من دهشة الغربة الطويلة وقلة المعين في ديار الاغتراب فلم يفلّ عزمه إحباط، ولم يتسرب إلى عزيمته يأس، ولم تكسر إرادته مواجهة الصعوبات فقد تخطاها بقوة إيمانه وسمو نفسه. لقد كان مصمماً على بلوغ الغاية التي ينشدها مهما كلفه ذلك من مشقة وما اجتازه من عقبات.
وكان مما يدور في ذهنه هاجس الكتابة منذ تفتّح وعيه الثقافي. ومن أطرف المواقف التي واجهها لنشر ما يكتبه: يتمثل في أول لقاء له بأستاذنا الكبير الشيخ حمد الجاسر في صحيفة اليمامة. ذهب إليه يحمل معه مقالة كتبها في ذلك الوقت عن نقد (العمالة الوافدة) وحين قرأ الشيخ حمد المقالة قال له: ما هذا الهراء؟ الأمة العربية اليوم تبحث عن أسباب توحدها وأنت تريد خلاف ذلك؟. ولكنه لم ييأس وإنما عاود التجربة هذه المرة بمقال عن اعتداء عبدالكريم قاسم على الكويت ولم يذهب بالمقال خشية ألا يلاقي الاستحسان كما حدث من قبل وإنما أرسله بالبريد، وكانت المفاجأة أنه نُشر في صدر الصفحة الأولى من اليمامة، وكان ذلك إيذاناً بميلاد كاتب قدير هو كاتبنا أخي الأستاذ عبدالرحمن بن محمد السدحان الذي أقدمه من خلال سيرته الذاتية التي تحمل عنوان: (قطرات من سحائب الذكرى).
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved