الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

البراك في عمل روائي جديد:
عُمَرْ الشيطان سرد مقتضب لأحداث عميقة
*مطالعات -عبدالحفيظ الشمري:
القاص والروائي عبدالحليم البراك يطل على القارئ من خلال عمل روائي جديد وسمه بعنوان (عمر الشيطان)، يستبطن فيه الكاتب فكرة السرد المألوف ذلك الذي يعتمد على الحكاية، إلا أن هذه الفكرة التي ابتدعها الكاتب تثور على الشكل المألوف والخطاب المطروق، لتصل إلى حقيقة جديدة تحدد مواطن الألم في حكاية (الفتى) عُمَر.. ذلك الذي ترشدنا مقولات الراوية إلى رؤية تؤكد لنا أن شيطانا في تصرفاته، وتكوينه الوجداني.
يذهب القارئ حينما يقرأ عنوان الرواية: (عمر الشيطان) بلا تشكيل حركي إلى صورتين للاسم هما: (عُمْرُ) ويعني العمر و(عُمَرْ) الاسم إلا أن القارئ لا يبتعد كثيراً حينما.. يجد أن الاسم هو المقصود وليس الزمن الذي يحدد عمر الشيطان بوصفه مخلوقا ناريا لا زمن له ولا عمر، لكن القصديات في هذه الرواية ذهبت إلى هذه الشخصية الغريبة في تكوينها، ووجودها.
فالصغير عمر حينما قدم إلى الدنيا جاءت معه نُذُر شر مبيت عن حوله.. فقد مات والده وهو لا يزال جنيناً يتكور به بطن أمه التي ازدادت بها حالات الصرع المؤذي.. ولم تتوقف حالة الأذى عند هذا الحد إنما دمر كل ملمح أو أمل في الحياة حينما بات شقياً بين أقرانه، بل إنه أصبح يتلذذ بهذه الحالة التي بات يعيشها، ليتصرف وفق هذه الرؤية التي اتفرزت في أذهان الناس عنه.
لقد زرع الكاتب البراك في ذهن القارئ هذا الشعور المؤذي عن (عمر) حتى أنه استعدانا عليه بشكل كامل، فليته تحدث عن (عُمْرُ الشيطان) وسني بقائه بيننا نحن البشر فهل يولد الشيطان أو يعمر أو يهدم أو يموت؟!.. فكم من الأشقياء الذين يشبهون (عمر) بطل الرواية.. فيما كان من الأهم أن يتلمس لنا (البراك) قياسات حجم الوسوسة والهواجس التي كان يبثها الشيطان الرجيم في روع (أم عمر) وجارتها (فوزية) حينما أفصحت الأولى عن سر دفين يحدد حجم الشيطان الذي لا يوازي بكل تأكيد حجم شياطين (عمر).
لدى الروائي البراك خامة متميزة استطاع أن يعدها للقارئ بشكل مناسب، لأننا نراه وقد اعتمد على فكرة الاقتضاب في طرح الرؤى التي تدعم موقف الراوي لهذه الأحداث.
لغة رواية (عمر الشيطان) متميزة، فقد خلت إلى حد كبير من الأخطاء والهفوات، إنما ظلت الحوارات العامية شغلت الكاتب عما هو أعمق.. لأن العامية عادة ما تبسط الفكرة فيما تزخر اللغة العربية الفصيحة بإيماءات مهمة قد يلتقطها القارئ.
خلت رواية (البراك) من عالم الماوراء لحالة الشيطان عدا حكاية أو حكايتين فيما ظل هاجس القارئ متعطشاً إلى تلمس انثيالات (الماوراء).. تلك التي توجد أن هواجس الشيطان الحقيقي في الحكاية، إضافة إلى ما يمتلكه (عمر) من صور شيطانية برع الكاتب في تقديمها والاستدلال عليها من خلال ممارسات الشخصية الرئيسة في العمل.. ناهيك أن لكل شخصية في العمل أبعاداً شيطانية أخرى تستحق الحضور في مناسبة الحديث عن حياة (عمر) المؤذية وسيرته الشقية.
الرواية ناضجة، ومحققة لأهداف الكاتب ومراميه منها.. فنراه وقد وظف الشخصيات الأصلية على نحو الأب والأم والصديق سليمان الحامدي بشكل متميز يعكس حرصه الشديد على إيصال الحقيقة التي يمتلكها (عمر) بأقصر السبل وأوضحها، فيما تأتي الشخصيات الفرعية أو الثانوية شبه عابرة إلا أنها تؤدي دور الشاهد على حقيقة شيطانية عمر وهوسه المجنون.. بل يرى القارئ ودون عناء أن الكاتب (البراك) قد وزع الأدوار بشكل مدروس ليجعل الحكاية تلو الأخرى فضاءً ممكناً للتخيُّل والإيماءات بعد أن نفرغ من القراءة.
الرواية بحق تستحق القراءة، فهي نموذج حقيقي لنضج التجربة السردية الجديدة في بلادنا.. ذلك ما تمثله كتابة (البراك) في هذا الفضاء الإبداعي الذي يؤكد أن لهذا الكاتب زمنا باهرا، فها فهو يضعنا على أولى عتبات مجده الروائي الفاتن.
إشارة:
* عُمَرْ الشيطان (رواية)
* عبدالحليم بن صالح البراك
* دار المفردات - الرياض - 1427هـ
* تقع الرواية في (112 صفحة) من القطع المتوسط.
* لوحة الغلاف للفنانة ربى العثيم.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved