الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th September,2005 العدد : 123

الأثنين 15 ,شعبان 1426

الصحوة في ميزان الإسلام
د. علي بن محمد الرباعي

لا أحبذ أن ينقم عليّ قارئ، بدافع من ظاهر العنوان، الذي يبدو منه وكأنما أردت به اختزال الإسلام في شخصي؟ وللحق أني ترددت كثيراً، وأنا أقترف عنواناً كهذا لهذه المادة، التي تتماهى بين الفكر وبين الأدب، ولعلي وفقت في توفير المندوحة، لنفسي حين قلت لها: أما وقد أصبح أغلب قومك اليوم، يتحدثون باسم الإسلام، دون خجل، فلا حرج إذا من الدخول في ذات النفق، وتحمل التبعة ذاتها، إن وجدت. ولا أتوقع محذورا من ركوب الموجة، أبعد من التصنيف الذي أضحى موضة قديمة، خاصة والقوم يمارسون أشنع مما سأمارس، ويجلدون العباد بسياطهم المغلفة بالإسلاموية، ويزنون المقاصد، بميزانهم الذي لا يختل، ولو قيد شعرة دقيقة، لا شعرة معاوية! ثم يحاكمون، ويصدرون أحكاماً لا مجال للاستئناف فيها، أو عليها؟ نعم لقد أغراني طرح الكثيرين من المنتسبين إلى الدين، حين يتحدثون على أنهم هم الإسلام، وحينها لا تملك الحق في مجادلة نصوصهم القطعية التي يشكلها (شيخ) وفق رؤيته، ويصرّفها بمهارة فائقة صوب تطلعاته الحالمة! ولا تثريب على شخصي الضعيف عندما أحاول رصد ظاهرة الصحوة، وإخضاعها لميزان الشرع، وحسبي في ذلك قدوة ما فعله من أخضعوا قيماً مجتمعية، وأفكاراً بشرية، لنقدهم الساخر، تارة، والجارح تارات، بل وأشهد أنهم نجحوا في توظيف مدلولات النصوص الشرعية في غير ما وضعت له، حين أثّموا غيرهم، وزكوا أنفسهم حتى طوقوا أعناق العباد بطرحهم غير القابل للتأويل البريء، واستحوذوا على ألباب الناس بأسلوبية ساحرة، وعزفوا على أوتار المواجع ما أعاد رجع الصدى إليهم أنينا، حتى غدا كلامهم مسلماً به، وفتاواهم ملزمة، ورأيهم لا يقبل نقاشا أو جدلاً،وأعود لأستغفر ربي، وأتوب إليه، من أن أجعل من قدراتي المتواضعة سيفا مسلطاً على رقاب عبيده، أو نوراً وضاءً يشف عن نوايا الخلق، إلا أني سأحاول فقط استقراء المرحلة من منظور شخصي بحت، للتعرف والقراء على الأصول التي بنيت عليها الصحوة؟ ثم هل هي مشروع حضاري، أم سياسي؟ ومن أين نبعت فكرتها؟ وهل هي فكرة دولة أم أفراد؟ وهل هي أصيل نؤسس به منهجاً يملأ فراغاً، أم بديل نزيح به ما لا يستحق أن يكون قائماً؟ هذه الأسئلة وغيرها، ما سأبذل الجهد في محاولة الإجابة عليه من خلال معايشة، وقرب من أدبيات الصحوة، ومن تبناها كخيار تكتيكي، لمقاصد استراتيجية! ولعل الشيخ الجليل يوسف القرضاوي قد سبق بنقده الموضوعي للصحوة في كتاب قيم (رصد فيه غالب مظاهر الصحوة الإسلامية وما لها وما عليها) فأقول: تزامن ظهور فكر الصحوة مع إعلان الثورة الإيرانية على يد الإمام الخميني، في منتصف السبعينيات الميلادية من قرن فارط، وقد تباشرت المشاعر خيراً بظهوره في ذلك الوقت، وكانت الحقبة زاخرة بالتوترات، فالحرب الأفغانية تدق طبول الاستنجاد، وجحافل جبهة الإنقاذ في الجزائر تجتاح الساحات والمشاعر، وكذا بقية الأحزاب السياسية في العالمين العربي، والإسلامي، كانت تمور موراً، وتسير نحو السلطة سيراً حثيثاً، وهذا التوافق الزمني يجعلني أعيد التفكير طويلاً في فترة ما قبل الصحوة، ثم أحاول استكناه ما وراء هذا التوقيت بالذات؟ والحقيقة أني استشعرت أن الصحوة صنيعة أجنبي، وصياغة خارجية، سربت باقتدار عبر مجموعة رموز دعوية، طموحة، ومن خلال وسائط إعلامية خفية كانت تمول من جهات لا تخفى على ذي فطنة! أما عن الأصول التي قامت عليها الصحوة، فهي مبنية على فكرة إعادة تعبيد المجتمع الجاهلي لله، بعد خروجه عن حقيقة العبادة على يد الأنظمة غير المشروعة، كما يرى المنظرون! وقد نجح المقتدرون فصاحة، وبلاغة، من رموز المرحلة في إذكاء روح الكراهية، والعداء، ضد السلطات القائمة، والحكام العملاء، والخونة، وخلخلة الثقة في العلماء المعتدلين، بل وتفكيك العلاقة معهم وبهم، بطرق غير مباشرة، وتوفير الفتاوى البديلة، وتوزيع المنشورات المشبعة برائحة الدم، ومن أبرز ملامح تلك المرحلة إشاعة، وإطلاق أدبيات جديدة، كمصطلح (أدب إسلامي)، (إعلام إسلامي)، (حجاب إسلامي)، (شريط إسلامي)، (كتاب إسلامي)، (اقتصاد إسلامي) ونحوها من الشعارات الأخرى المعلومة المصدر.
أما عن المشروع فهو بدون أدنى شك مشروع سياسي صرف، ولا أدل على ذلك من المفردات السياسية التي أصبحت متداولة في سياقات الوعاظ والخطباء، والمحاضرين، حتى أنك لتشك في مهمة الفرد منهم أحياناً وأنت تستمع لواعظ، يرسم سياسة الدولة الداخلية، والخارجية، من فوق منبر الجمعة! ومن المؤسف بحق أن قادة الصحوة لم يسجلوا لأنفسهم أي حضور إيجابي في واقع المجتمع، فهم لا يتبنون فكرة إنشاء المباني المدرسية، ولا حفر الآبار، ولا الشفاعة لطالب يريد دخول الجامعة، ولا يسعون لعلاج مريض، أو يساهمون في تسديد مديونية مفلس، وهذه جميعها من المساهمات الإنسانية والحضارية، التي يقدمها الأسوياء لأفراد مجتمعهم، وكم حاولت أن أسلم بقناعة يروجها البعض حين قالوا: إن الصحوة صناعة دولة، وليست صناعة أفراد، إلا أن الواقع يدل وبقوة على أن أفراداً أذكياء، تمكنوا من اللعب على مشاعر قادة، وزعماء، وعلماء، تحت ذريعة حماية الدين، من الثورات، والمد الفكري، القادم من المياه، الباردة، والمتجمدة، وتمكنوا من فرض أنفسهم كصناع قرار، ولا يشك المتابع أننا في السعودية على سبيل المثال لم نكن نعاني قبل الصحوة من ضعف ديني، ولا انحلال أخلاقي، ولا فساد مالي، مثل ما هو اليوم؟ فإلى ماذا كان يهدف الإسلاميون بالصحوة، أحسب أنهم بعد نقمتهم على الحداثة، وأخذهم عليها هدم الثوابت، أحسب أنهم سلكوا المسلك ذاته، وحاولوا التغيير، لكنهم بدأوا من القاعدة الجماهيرية، وتحسسوا نقاط الضعف عند أبناء الطبقات الدنيا في المجتمع، وتم تجنيدهم في أحزاب غير معلنة؛ ليكونوا نواتهم الأولى، وشرارتهم المتقدة. وأزعم في هذا المقام أنهم كانوا يتلقون دعماً خارجياً، بدليل أن لندن، كانت مرجعية، صريحة لهم، فمنها كانت تصدر الفتاوى، وإليها كان يتوجه الموفدون، وفيها كانت تطبع الكتب، والمجلات، ثم تصدر، وتوزع مع الكاسيت، وقد صب ذلك الحراك كله في حوض تهييج الجماهير، وتجييشها ضد السلطة القائمة، وهذا من منازعة الأمر لأهله التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، المرفوض في هذا الأمر هو استغلال الدين الطاهر المطهر في قضايا سياسية، وأهداف شخصية، كانت ترمي فيما ترمي إليه إلى تقويض مجتمع آمن، والنيل من مقدراته، وتحجيم قدرات قيادته السلطوية، والشرعية. ولعل الله أراد بنا خيراً، عندما مرت بنا أخيراً أزمات محلية كشفت الوجوه على حقيقتها، ونزعت الأقنعة، وغدا بعضهم لا يتحدث إلا عن عهد الملك عبدالعزيز، وهو لا يريد الثناء، بقدر ما يريد تحريك نعرات الإخوان، التي برزت في عهد الموحد رحمه الله، وبما أن الأدب هو نافذة مثلى لرؤية الأشياء على حقيقتها، فقد حاربت الصحوة كل أدب لا يتحزب تحت مظلتها، ووصفت كل مفكر، بأنه حداثي، لعلمهم اليقين أن كل من يستعمل عقله بشكل سوي لا يوافقهم في توجهاتهم، ولا يسلم بطرحهم. وأعجبتني في هذا المقام مقولة للمنظر إبراهيم طالع حيث يقول: (أنت تفكر إذا أنت حداثي) لأن الصحويين لا يريدون إعمال العقل في فهمهم المغلوط لمعنى الحياة، وحكمة وجود الإنسان فيها، وكانوا يملكون قدرات، من برمجة عصبية وغيرها، في تحويل الكائن البشري إلى أداة طيعة في أيديهم، ولست أريد هنا كشف الأوراق كاملة؛ لأن المساحة لن تستوعب قراءاتي كاملة، ولأن طرح جميع الإجابات هنا سيحرق بقية باقية من أسئلة مشروعة لا تزال بحاجة لتأصيل إجابات شافية، وهو ما أعمل عليه الآن وأرجو أن يرى النور قريباً ككتاب أهديه لمن أراد إشعال الفتنة، ولمن يرد إطفاءها، والله خير مستعان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved