الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th September,2005 العدد : 123

الأثنين 15 ,شعبان 1426

دوائر الخوف: تهشيم دوائر الخوف
قراءة في خطاب المرأة عند نصر حامد أبو زيد
أمل زاهد
أعتقد أن اختيار الكاتب عنوان الكتاب (دوائر الخوف) يحضر كدلالة رمزية على الانحباس في فلك دائري يدور فيه خطاب المرأة، فالأسلاك الشائكة المكونة لهذه الدوائر في الوعي الإسلامي تحكم بخناقها علينا، وتسد علينا المنافذ.. فتدور قضية المرأة في مدار يعيدنا دائماً إلى حيث بدأنا أول مرة. والعنوان أيضاً يسوقه الكاتب رغم المفارقة في اللفظ كدلالة على محاولته تهشيم دوائر الخوف في خطاب المرأة.. وإذ ينطلق معه القارئ في هذا الكتاب المحرض على التفكير، لا بد أن يهشم دوائر الخوف واحدة إثر الأخرى، وهو يتفاعل مع الكاتب في محاولاته الدؤوبة لانتشال النصوص من فك القراءة التقليدية التي تصر على إبقائها سجينة تدور في فلك لا تستطيع له تجاوزاً من دون أن تعير السياقات التاريخية أدنى اهتمام. والكاتب وهو يأخذ القارئ إلى آفاق جديدة من الدلالات نافذاً من دوائر الخوف التي تحيط بالضمير المسلم والذي لا يفتأ يجد نفسه ينغمس في ظلامها، يؤكد أن قراءته ليست إلا اجتهاداً قد يتفق معه القارئ وقد يخالفه ولكنه في النهاية ليس إلا دعوة للتفكير وتحريضاً على الخروج من تلك الدوائر.
والكتاب صرخة وفاء لزوجته ابتهال يونس التي كثف واستحضر في شخصها جنس المرأة والتي يهدي لها هذا الكتاب قائلاً: وقوفك ضد القبح دليل دامغ على أن الرجل شريك المرأة وليس العكس. فيك وفي إرادتك تتجلى قوة المرأة مانحة الحياة والحب والنبل. هذا الكتاب لك ولبنات جنسك ولأبنائهن وبناتهن. ألسنا نحلم بالمستقبل؟ فتلك المرأة الرائعة هي التي وقفت إلى جانبه منافحة عن حقه في التفكير ومدافعة عن حق العقل في التحليق، وعن حق الأفكار في التوالد والانطلاق، وعن حق المفكر في الاجتهاد ما دام متمرساً في أدوات البحث ومناهجه، متمكناً من المواصفات التي وصل إليها زمنه في التقدم المعرفي.
يؤكد الكاتب بادئ ذي بدء وجوب التعامل مع قضية المرأة كقضية اجتماعية وسياسية، وأن أية محاولة لتصنيفها قضية دينية ليست إلا محاولة لتزييف الوعي. وفي تقديري أن هذا التأكيد فيه بيت القصيد، ويموضع المشكلة في مسارها الحقيقي، ويشخص داءها في مكمنه الأصلي، وعند جذوره المتوغلة في بنية الوعي الجمعي: (في عصور الانحطاط يتم إخفاء النساء شقائق الرجال.. ويتحول تحريم اللقاء الجنسي خلال فترة الحيض إلى تحريم الحديث معها ومشاركتها الطعام عوداً إلى محرمات التابو الأسطورية. ويتم استدعاء قصة خروج آدم من الجنة في صياغتها التوراتية حيث تتوحد حواء بالحية وبالشيطان ويتم إنتاج خطاب يعزف على أوتار التخلف).
قضية المرأة ليست إذن إلا قضية الإنسان، قضية الإنسان المقموع الذي تشكل المرأة الحلقة الأضعف فيه؛ فقمعها ليس إلا وسيلة لقمعه، وامتهانها دليل على امتهان الإنسانية في شخصها. وتحويل القضية إلى صراع بين الرجل والمرأة ليس إلا طائفية تهدف إلى تفتيت الإنسان إلى قوتين متصارعتين تنتجان تبادلا للسيطرة والعنف في علاقة يسيطر فيها الرجل على المرأة، وتتحدد بغاية التناسل وحفظ النوع. وهذا الخطاب الطائفي تناسل من رحم الهزيمة وانكسار الذات العربية ونتجت عنه ردة في قضية المرأة وفي قضية الأقليات، فراح الخطاب التفتيتي يتراكم ويتكاثر حتى انقسم إلى خطابين منفصلين يحاول كل منهما أن ينفي الآخر ويلغيه ويرفض الحوار معه مباشرة مكوناً بذلك أصوليتين كل منهما تناهض الأخرى.
أدرك خطاب النهضة قوانين ابن خلدون في علم الاجتماع البشري، فالمهزوم يقلد الغالب في طرائق حياته وسلوكه ولباسه، كما أن محاولة التقليد قد تجلب معها بعض المفاسد الأخلاقية، ولكن الحل لا يكون برفض التغيير وحرمان المجتمع من إيجابيات التغيير بل بالتعامل مع سلبيات هذا التغيير والقضاء عليها بالتربية والتعليم. وبنى خطاب النهضة رؤيته على التوفيق بين الإسلام وبين قيم الغرب المتعلقة بالحرية والمدنية والتقدم فليس هناك تعارض بينهما، والتخلف الموجود في المجتمع المسلم ليس إلا نتيجة لعدم فهم تعاليم الإسلام والتباس العادات والتقاليد البالية بالدين، وهذا هو جوهر خطاب محمد عبده وقاسم أمين فيما يتعلق أيضاً بتدني أوضاع المرأة في المجتمعات الإسلامية؛ فبرأ محمد عبده وقاسم أمين الإسلام من تهمة التجني على المرأة، إلا أن الطاهر الحداد تجاوز ذلك إلى طرح فهم شبه تاريخي عن دلالة النصوص المتعلقة بالمرأة، فهي نابعة من وضعية وأنساق المجتمع الذي نزلت فيه، وقراءة النصوص يجب أن تتم حسب المقاصد الجوهرية للشريعة، وهنا يتحتم التفريق بين الجوهري والعرضي والثابت والمتغير.
ولكن حدثت ردة في خطاب النهضة ليتحول إلى خطاب أزمة بسبب التغيرات الدولية والهزائم، وبدأ عصر الشتات العربي الذي انعكس بدوره على وضع المرأة العربية في الواقع الاجتماعي والثقافي. وأخذت الأصوات تنادي بعزلها عن الحياة العامة، وبوجوب عودتها إلى البيت حفظاً لكرامتها وصوناً لآدميتها، وهذا يؤكد من وجهة نظر الكاتب أن فصل قضية المرأة عن السياق الاجتماعي المحدد لمكانة الإنسان يقود إلى فخ مناقشة قضية المرأة بوصفها مقابلاً للرجل ونقيضاً له، فتنزلق المناقشة إلى عقد مقارنة بينها وبينه، وهنا لابد أن تستحضر الفروق البيولوجية وما يترتب عليها من فروق ذهنية ونفسية وعصبية، ليصبح الرجل هو المركز الذي تدور حوله وفي بؤرته المرأة. والكاتب لا ينفي الفروق البيولوجية بين المرأة والرجل وفقاً للشروط المحددة للوضع الإنساني، ولكن الخطاب السياسي والأصولي ينفي هذه الشروط على حساب التركيز على البعد البيولوجي الطبيعي؛ ولذلك يجب تجنب الدخول في مساجلة تؤدي إلى التركيز على أنوثة المرأة وتنفي إنسانيتها. وللحديث بقية.


amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved