الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 20th February,2006 العدد : 141

الأثنين 21 ,محرم 1427

قصة قصيرة
حديقة الحيوان
عبد الله سليمان الطليان الخرج
إنها ليست المرة الأولى التي تخطو فيها قدماي إلى هذا المكان، فمنذ فترة وأنا أتردد عليه دائماً.
لعلك تبحث عن التغيير والهدوء والترفيه وطرد الملل الذي يخالج نفسك بعد عناء العمل ولكن ما سر انجذابك نحوه؟ إنه مكان جدير بالتأمل والاستطلاع وإني أقع في حيرة عندما آتي إليه كيف ذلك؟ نحن في حديقة الحيوان ولا يوجد بها سوى تلك الحيوانات خلف تلك القضبان مكبلة الحرية معروضة للمشاهدة أحضرت من الغابات والصحارى ووضعت في داخل تلك الأقفاص حتى يتسنى لنا رؤيتها على الطبيعة.
ما هو المحير في الأمر؟ إن هذه الحيوانات بعضها مفترس ومتوحش وباستطاعتها القضاء على الإنسان أي أنها عدوانية لكنها لا تعرف إلا قانون الغاب (القوي يأكل الضعيف والكبير يأكل الصغير)، أحضرناها ووفرنا لها عناية فائقة للمحافظة عليها من الانقراض وهي تحمل هذا الشر.
هناك العديد من أبناء البشر في كافة أنحاء العالم يقبع خلف القضبان بسبب جريمة ما وأحياناً إن لم يكن غالباً لا يلقى مثل ما تلقاه من رعاية، بل الكثير من بني جنسنا يموت في الحروب والصراعات المختلفة والمجاعات والحوادث، ويواجه بعضها القتل التي عادة ما نحضر أو نسمع وقائع التنفيذ، وتتعالى الصيحات في كل مكان بالرأفة والرحمة بها وعدم استخدامها في التجارب العلمية والانتفاع بجلدها وعاجها، وزد على ذلك أنه يصرف على تربية بعضها في المنازل الكثير من الأموال ويقدّسها البعض بحيث يجعلها رمزاً لمعتقداته، بينما نحن نقتل أنفسنا في كل لحظة في هذا العالم ألا ترى في ذلك عجباً؟
نحن نأتي إلى هنا لكي نستمتع بمشاهدتها عن قرب ولكن نتساوى معها وذلك عندما نشاهد المتهمين داخل القفص في قاعة المحكمة عند المرافعة أننا لا نختلف عنها في شيء أين ذهبت عقولنا التي تميّزنا عنها والتي ساعدتنا على السيطرة عليها واستئناسها وترويضها، لقد وجد منها الضار والنافع من النحلة إلى الفيل التي تعمل بشكل متواصل بلا كلل ولا ملل وعلى درجة عظيمة من النظام.
حقاً إننا في عالم غريب انقلبت فيه كافة الموازين التي جعلت الإنسان في حيرة.
لا تحاول أن تجهد عقلك بالتفكير فيها، إنها وجدت مع بني البشر منذ خلقت هذه الأرض ولا يستطيع أن يستغني عنها، إنها صحبة طويلة ممتدة على مدى بعيد تلك الحيوانات التي خلف تلك القضبان ليست مسؤولة عن تلك المآسي التي تحدث لنا نحن الذين صنعنا التدمير والشر الذي يعتبر أكثر فتكاً وأشد قسوة وسوف تجد الإجابة لدى الفرد نوبل وروبرت أوبنهيمر، لذلك فإن وجه المقارنة يبدو مستحيلاً بين ما تقوم به وما نقوم به من سلوك لأن الإنسان وهو الذي يمتلك درجة أرقى منها في العقل هو الذي يسعى إلى القضاء على نفسه وعلى من حوله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved