الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th June,2005 العدد : 111

الأثنين 13 ,جمادى الاولى 1426

العولمة والفقراء
المؤلف:جِىْ آر. ماندل
تعريب: وليد شحادة
شركة الحوار الثقافي
عرض: د.عبد المجيد بن محمد الجلال
****
يدور موضوع هذا الكتاب حول التكاليف والمنافع التي تجلبها العولمة، خاصة في مجال تخفيف حدة الفقر، يطرح المؤلف عبر فصوله رؤية نقدية للعولمة بوضعها الراهن، وآلية إصلاحها، في سياق الصراع الدائر بين أنصارها ومناهضيها في الولايات المتحدة.
فعن العولمة بوضعها الراهن اعتبر المؤلف أنَّ (إشكالية) توسيع التجارة وفتح باب الاستيراد تكمن أساساً في (إغفال العدالة) في توزيع الأعباء والتكاليف، فقد أغفل أو تجاهل (أنصار العولمة) التعاطي بما فيه الكفاية مع جوانبها السلبية، والتكاليف الناجمة عن تزايد عمليات التكامل والاندماج في الاقتصاد الدولي، وانعكاسه سلباً على الأجور والتوظيف.. ومن ثمَّ فإنَّ العولمة بحاجة إلى الإصلاح، وليس الرفض! فلا مجال للعودة إلى المفهوم القومي، وإجراءات الحماية، أو إلى اقتصاديات مغلقة متقوقعة، إلى ذلك ينتقد المؤلف المناهضين للعولمة في الولايات المتحدة والذين يرون أنها لا تحمل سوى آثار اجتماعية سلبية، وأنَّ جشع الشركات (متعددة الجنسيات) هو الدافع الرئيس للعولمة، وأنها حيثما تسود تتعمق جذور اللامساواة، فالأغنياء يزدادون غنىً والفقراء يزدادون عدداً وبؤساً، وفي اعتقادهم وهذا خطأ أنَّ المناداة (بالأحادية) ومعاداة الحداثة والتحديث في صالح الفقراء والمحرومين في العالم.
فالعولمة بالإمكانيات الكامنة فيها تفيد فقراء العالم، إذ إنها مترافقة أساساً مع عملية (النمو الاقتصادي، وهو أمر ضروري لتخفيف حدة الفقر، وتحسين أحوال الفقراء، ومن ثمَّ فإن السياسات والمؤسسات التي تعرقل هذا النمو ينبغي مقاومتها.
وعن رؤيته لآلية إصلاح العولمة يعّول المؤلف على (السياسات والتشريعات الحكومية) على المستوى الوطني (مثل تعزيز مخصصات الضمان الاجتماعي والتعليم والتدريب والتعويضات) لضمان توزيع منافع العولمة بالعدل والإنصاف، فالمشكلة الأساسية الناجمة عن العولمة تتمثل أساساً في فقدان فرص العمل بفعل عمليات اندماج الأسواق والتحولات الهيكلية وأنماط الإنتاج، لذا ينبغي أن يُوجَّه الاهتمام نحو إصلاح الأضرار التي تلحق بضحايا هذه التحولات.
ولقد أقرَّ (أنصار العولمة) في الولايات المتحدة، وعلى إثر فشل اجتماع (سياتل الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في عام 1999م) بأهمية اتخاذ (سياسات تعويضية محلية) تعزّز التوافق الاجتماعي في مواجهة ضغوط العولمة والتغير التكنولوجي الأوسع.
ويخلص المؤلف إلى أنَّ ما يحتاجه الفقراء هو عولمة تتسم باستقرار وعدالة، ولن يكون تحقيق هذا الهدف من خلال محاولة الولايات المتحدة فرض شروط أو معايير عالمية خاصة (بالعمالة والبيئة وحقوق الإنسان) في تجارتها مع الدول الفقيرة، واستخدام (العقوبات التجارية) كأداة لتطبيق هذه المعايير، وبعمل أحادي الجانب تقوم به الحكومة الأمريكية، بل يكون عبر سياسات (النمو الاقتصادي) فتعزيز فرص السوق وليس تقليصها هو ما يلزم لخلق فرص العمل التي تشحن عمَّال الدول الفقيرة بالقوة للمطالبة بحقوقهم، ولما كانت العولمة عملية تشمل العالم كله، ومنافع العولمة تنتشر على نطاق دولي، فلا بدَّ من القول إنَّ الأسرة الدولية كلها خاصة الدول المتقدمة يجب أن تساهم في تقديم العون للعمال على مختلف الصعد، وسيكون الاقتصاد الدولي أكثر عدلاً لو صيغت قوانين لحقوق التنظيمات النقابية، وأمكن تطبيقها على المستوى الدولي، وتستطيع الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة لإطلاق مفاوضات متعددة الأطراف لإنجاز اتفاقية دولية بهذا الشأن.
ومن عوامل تعزيز العولمة إصلاح (البنية المالية الدولية) وعدم الاستقرار والمخاطر المترافقة مع التدفق غير المنظم لرأس المال قصير الأجل، والمضاربات الساخنة في أسواق العملات، وما تحدثه من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، خاصة إثر الأزمة المالية الآسيوية عامي 971998م، ويرى المؤلف أهمية العمل على ضبط تدفقات رأس المال قصير الأجل، ويقترح إحداث رزمة من الأنظمة المالية الفعَّالة للسيطرة والتحكم على المستوى الدولي تكون بمثابة حاجز يحمي الاقتصاد من الصدمات، وتقلل من مخاطر أزمات مالية مستقبلية، ويخلص المؤلف إلى أنه في الوقت الراهن، وربما إلى أن تأتي أزمة جديدة تؤكد هشاشة الأسس المالية للعولمة، فمن غير المتوقع أن يحدث شيء يهدف إلى تقوية الهيكلية المالية الدولية، فالرضا بما هو قائم، مضافاً إليه أيديولوجيا السوق الحرة، وسلطة (عصبة وزارة الخزانة) في واشنطن، وشركات (وول ستريت) ذات الارتباط الوثيق بالمتنفذين داخل مواقع صنع القرار السياسي الأمريكي، قد أحبط كل الجهود الساعية إلى إصلاح هذا الضعف في العولمة، فالخطر الكامن في (الأموال الساخنة) لا يزال يهدَّد بالقضاء على كل المكتسبات النسبية التي حققتها الدول الفقيرة .
ويستطرد المؤلف بأنَّ العمل على استقرار النظام المالي الدولي قضية سياسية في المقام الأول، وهذا يتطلب حشد الدعم الشعبي القوي للتغلب على المصالح الذاتية للجماعات المالية والحكومات الداعمة لها.
ومن عوامل تعزيز منافع العولمة كذلك العمل على إلغاء (الحواجز اللاتعرفية) أمام المستوردات من الدول النامية، والمعمول بها في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي (ومنها تلك المعمول بها في سوق الولايات المتحدة على مستوردات النسيج والألبسة ونظام الحصص المطبق على المستوردات الزراعية واستخدام القوانين الخاصة بمحاربة الإغراق لمنع استيراد السلع المصَّنعة) فهي تقف حجر عثرة أمام نمو البلدان الفقيرة، وتخالف في الوقت نفسه مبادئ الأسواق المفتوحة، وتحرير التجارة في هذه المجالات سوف يعزَّز قدرة الولايات المتحدة على التفاوض للحصول على امتيازات تجارية، ويتيح توفر المستوردات بكثرة خيارات واسعة أمام المستهلك، بما يؤدي إلى تخفيض الأسعار التي يدفعها، والأهم من ذلك أنَّ تحرير التجارة في هذه المجالات يفيد البلدان الفقيرة من خلال زيادة حجم مبيعاتهم، وأثر ذلك الايجابي في الدخل والتوظيف. وإضافة إلى فتح أسواقها تستطيع الدول المتقدمة أن تعمل على تسريع عملية النمو الاقتصادي في دول العالم الثالث، وتسهيل برامج إعادة الهيكلة، من خلال مساعدتها في توجيه تطور التكنولوجيات الحديثة نحو حاجات البلدان الفقيرة، وتطوير وسائل جديدة للإنتاج، إذ ثمة اختلال عميق في توازن الإنتاج العالمي للمعرفة، وهذا الاختلال هو المحرك الأقوى الدافع لهذه التباينات الموجودة على الصعيد الدولي في رفاه الإنسان بين الأغنياء والفقراء. فالمناخ الأكثر حرية للتجارة الذي أفرزته (الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة غات) وتوفر التكنولوجيات الجديدة في (الاتصالات والتحكم والمراقبة ومعالجة المعلومات) لم يكن كافياً لتسريع العملية التنموية في البلدان الفقيرة، إذ تحتاج هذه الدول فضلاً عن هذين الأمرين إلى تحقيق التقدم في مجال (التحصيل العلمي ورأس المال البشري) فتكنولوجيات العولمة بحاجة إلى عمالة على مستوى جيد من الدراسة والتدريب يمكنهم من استخدام هذه التكنولوجيات استخداماً فعَّالاً.
ويخلص المؤلف إلى أن الفقراء يريدون التنمية المترافقة مع سياسات محلية ودولية تهدف إلى تخفيف أعبائهم ، وتحسين معيشتهم، بما في ذلك الاعتراف الدولي بالحقوق النقابية (النمو الاقتصادي والعدل) فالنمو وحده لا يؤِّمن العدل، ولكن تخفيف حدة الفقر ورفع مستويات الأجور لا يمكن أن يتحقق بغير النمو، والتضامن مع الفقراء يتطلب إدراك أنَّ (العدالة والنمو) ضروريان لتحقيق عولمة معزَّزة وعادلة في آن معاً. وهذا ما يرفضه اليمين السياسي الأمريكي والمناهضون للعولمة، فهم يرون قدرة الولايات المتحدة على استخدام قوتها أكثر أهمية من الاتفاق على قواعد وأحكام دولية تنظم التجارة، وتفرض في الوقت نفسه قيوداً على أحادية الولايات المتحدة، وكان الأولى بهم أن يدافعوا عن مصالح الفقراء، والقيام بحركات سياسية تنادي باتفاقيات دولية تعمل على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الدولي، وضمان حقوق العمال.
كتاب (العولمة والفقراء): دراسة علمية متأنية، ودفاع جادٍ عن عولمة اقتصادية معزَّزة وعادلة ، ويمثل إضافة جديدة إلى رصيد المكتبة العربية من المصادر والمراجع ذات الصلة بهذه النوعية من العلوم والمعارف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved