Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

من أجل صديقي غسان..
جيرار خوري*

 

 

غَداةَ استقلال لبنان وإلى اليوم، لعب غسان تويني باطراد دوراً فاعلاً ومجدداً وشجاعاً في الحياة السياسية والدبلوماسية والثقافية في البلاد، ودعم أولئك الذين كانوا -في نظره- يخدمون القضية العادلة. وبالمقابل كان في المعارضة عندما لم يستطع أن يضمن سياسةً من السياسات، كما قاوم جميع المحن وناضل باستمرار للحفاظ على النموذج اللبناني التعددي.

تواشجَ تأثيره السياسي مع الدور الكبير الذي لعبه في الصحافة اللبنانية؛ إذ جعل من جريدة النهار ومن مجموعتها الإعلامية أول جريدة في لبنان ومن أفضل صحف العالم العربي... وكانت أفكاره وانتقاداته التي بَثَّها في مقالاته وافتتاحياته وكتبه منارة يهتدي بها الرأي العام. وقادتْه حريتُه النقدية إلى السجن. وبصفته متابعاً لحركة النهضة العربية، ناضل كي يحافظ لبنان ذو الوجه العربي على قيمه الخاصة، وبذل أقصى جهوده لتنفتح الديمقراطية الطائفية على الإصلاحات وليتم تجاوز الطائفية تدريجياً. ولو كنا في نظام آخر لقادتْه كفاءاتُه ومزاياه بعد مناصبه الوزارية والدبلوماسية، إلى تسنم سدة الدولة العليا.

منذ ستين سنة في لبنان الذي أحبه حباً جماً، لم يكف عن العمل والكفاح من أجل الأفضل، ولا عن تلقي الانتقادات وتخطّيها، جاعلاً من حياته ومن المآسي التي عاناها قَدَراً يتحمله بشجاعة على الصعيدين الشخصي والسياسي. وكنسر ينقض على فريسته ويرفض إفلاتها، كذلك هو لا يرخي قبضتَه في السياسة. ولئن كان عَلَّي أن أذكر واحداً من إنجازاته، لذكرت ربما النصرَ الدبلوماسي الذي حققه في الأمم المتحدة ليكون القرار 425 في مصلحة لينان.

إنه الرجل المتعدد والكوني بامتياز في مشرق منفتح ومتسامح أصبح اليوم مهدداً بالزوال، فساوقَ الثقافات القديمة مع فكر الحداثة الجريء.

إن محاولة الإحاطة بغسان تويني أمر خطأ، فعندما تظن أنك حاصرته يفلت منك، وتنتقل بسمتُه من الشفتين إلى العينين فتسحرك وتحيرك.

لقد جمع في شخصه وأدامَ قروناً من التراثين البيزنطي والعربي وصبهما في قالب مجدد، مُستلهماً الماضي ليبعث الحياة في الحاضر. فذكاؤه المتفوق يمد استشفافاته وحَدْسه وينشرها ملوحةً بما هو ممكن، متمكناً بذلك من أن ينهض بك أو أن يُضلك على هواه.

لفرط ما تحَمَّل الألمَ والنوائب بشجاعةٍ وحزم وبَقيَ واقفاً، اكتسبَ وهو ابنُ الفلسفة الرواقية البار مكانةَ الحكيم، وحصل في على الإيمان الداخلي لإنسان يعلم أن الوسيلة الوحيدة للبقاء هي الكفاح من أجل الآخرين، باستمرار وبلا هوادة.

* باحث ومؤرخ لبناني - باريس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة