Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

الصحافة في خدمة الحرية
ياسر عبد ربه*

 

 

أن تكرس مؤسسة صحافية ك(الجزيرة) عدداً خاصاً بالسياسي اللامع وشيخ الصحافة اللبنانية النائب غسان تويني، فهذا يعكس إلى حد كبير الاهتمام بجهده التنويري وإسهاماته السياسية والثقافية في جعل التنوع والتعددية المذهبية والدينية والفكرية تخدم القيم الإنسانية الكبرى كقيم الحرية والعدالة والاستقلال ومشروع النهضة العربية المعاصرة، بعكس ما تحاوله اليوم، بعض القوى المنغلقة والميتة، التي نمت وازدهرت على حطام العقل والحرية والديمقراطية، من تحويل هذا التنوع والتعددية إلى عبء، واستخدامهما لتحطيم مجتمعاتنا، متسلحة تارة بجهلها وعقمها، وتارة أخرى بايدولوجيا معادية في الجوهر للإنسان والتقدم.

إن الاحتفاء بغسان تويني هو احتفاء بغسان الكاتب والصحافي، وغسان السياسي الذي شكل بحد ذاته مؤسسة ذات شأن، أصبحت بمثابة مدرسة سياسية في العقلانية والتوازن والانفتاح.

كما يعكس هذا الاحتفاء إلى حد كبير، المكانة المرموقة التي استطاع أن يحتلها عن جدارة في مسيرة حياته الطويلة والمديدة، ككاتب صحافي يرأس إحدى أرسخ الصحف اللبنانية والعربية عراقة ومكانة (النهار)، وكرجل سياسي مخضرم، واكب الجمهورية منذ استقلالها حتى يومنا هذا، معايشا وناقداً يقظاً لكل التطورات التي عصفت بلبنان والمنطقة.

لقد أسهم غسان، السياسي والصحفي، وقبل كل ذلك، الوطني بامتياز، عبر مقالاته ونشاطه الصحفي والسياسي، في العمل الدؤوب لترسيخ استقلال لبنان وحريته، عبر استعادة هويته الوطنية المستقلة وعودته نموذجاً ومنارة، وتحويل لبنان بتعدديته الطائفية والدينية إلى رافعة لبناء لبنان الديمقراطي المتسامح، الذي تتجاور فيه التعدديات وتنصهر تحت ظلال أرزته الخالدة.

وبالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه اللبنانيون على طريق تعزيز استقلالهم من خلال اغتيال خيرة قادتهم ورموزهم الوطنية والسياسية والثقافية على مذبح حريتهم الوطنية، وما دفعه غسان شخصياً بفقدان ابنه البكر النائب جبران تويني، إلا أن منطقه السياسي وبصيرته الوطنية حافظت على نفسها حكيمة وغير منساقة إلى فخ التصعيد مع خصومه المحليين والإقليميين، لإدراكه خطر الانجرار وراء الاقتتال الداخلي ثمناً لأية دوافع محلية كانت أو إقليمية، وما سيترتب على ذلك في نهاية المطاف من تصفية ماراكمه لبنان وحركته الوطنية على طريق تجذير الحرية والاستقلال.

لقد عكس نشاط غسان السياسي والصحفي، عقلاً ديمقراطياً وتنويرياً أصيلاً، لم ينحصر في إطار الوطنية اللبنانية وحسب، بل امتد ليعالج مشاكل المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك قضايا الإصلاح والتنمية والديمقراطية في العالم العربي.

لقد ظل غسان، بالرغم من اجتهاداته التي قد نتفق معها أو نختلف، مؤمناً بالحرية والاستقلال والديمقراطية والتنمية، بالإضافة إلى مساهماته البارزة في جعل الصحافة أداة رفيعة للتغيير ومحاربة القمع والإرهاب والديكتاتوريات على اختلاف جنسياتها وأشكالها.

لهذا كله استحق شيخ الصحافة العربية التقدير والاحتفاء.

وكلمة أخيرة عن غسان الإنسان... جلست مرة إلى جانبه ونحن نشارك معاً في احتفال في بيروت لإحياء الذكرى السنوية الأولى لسقوط شهيد بارز آخر للنهار، صديقي سمير قصير.

كان يتحدث عنه معي، قبل أن ينهض لإلقاء كلمة في الحفل لرثائه، بلغة من فقد ابناً عزيزاً وغالياً. لم يعتب عليه لجرأته في الدفاع عن لبنان وفلسطين والديمقراطية في سوريا، بل عقب عليه لعدم حذره الشخصي.

ونحن جالسان أمام المنصة ننتظر دورنا لكي يلقي كل منا كلمته، مر علينا جبران، وتبادلنا ثلاثتنا بضع كلمات عن سمير قصير يجمعها حبنا الغامر له.. وبعد مغادرة جبران قال الأب الشجاع (أنا خايف عليه كمان!!) وكانت عينا الشيخ تلمعان، ولم أدر وقتها أهو لمعان الاعتزاز أم الخشية، أم لعله الثقة في أن (السلسلة التوينية) تصنع قدرها الخاص بها ولا تعبأ بسواه... وقدرها هو الكلمة المتجددة دوماً، والارتباط بقيم أرفع ما فيها الإخلاص للحقيقة، للديمقراطية، ولنهار جديد!!

* أمين سر الجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية -رئيس دائرة الثقافة والإعلام


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة