Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

الأستاذ...
د. سعاد محمد الصباح

 

 

على امتداد الساعات الطوال من العام المنصرم أتيح لي أن أرافق غسان تويني في رحلة عمره المديد. بالكلمة والصورة عرفت غسان تويني عبر السنين منذ الطفولة حتى اليوم، ولكنني إذ استعيد ما قرأت وما اختزن في عيني من الصور، أحسبني على حق لو قلت إنني ما عرفته. ليس لأن غسان تويني مستودع أسرار مجهول المفتاح، ولكن لأن التنوع في شخصيته يجعله أقرب إلى مجموعة الأقانيم في واحد. أليس هذا بعض ما تكوّن في هذه الشخصية الفريدة التي تحسب أنك قد أمسكت بخيوط قراءتها فتكتشف وأنت تمسك بها أن هناك فاصلاً بين الأصابع وبينها يرفض الإذعان لقانون الطبيعة المعتاد. لعل هذا بعض ما استحق لأجله غسان تويني أن يكون، وبعض ما يجعله خاصاًَ وهو العام.

أتوقف لحظات أمام مجموعة من الصور التي يريد لها غسان تويني أن تنطق، وقد فعل بعضها في نفسي لينبئني أن صاحبنا الذي أراه في التظاهرة أو في السجن أو الأمم المتحدة، ويا للفارق، هو الذي أعرفه اليوم وكأن السنين التي تعبر به من عمر إلى عمر بل تفولذت عند الإرادة التي لا تلين، وعند الكلمة التي لا تهادن، وعند الإيمان الذي يوحي لك الضوء بانعكاساته أنه يتغير وما هو بالمتغير. هنالك شيء في غسان تويني ثابت لم يأخذ شكل المتحول. هناك شيء يقوله لك غسان تويني للمرة الألف فتعجب لأنك لم تفهمه في المرة المائة. هذا الغامض فيه مبعثه نحن لا هو، إذ لم يقدر كثيرون على فتح نافذة الروح مكتفين ببوابات المادة.

في غسان تويني شيء من كل شيء. فيه عبقرية الكلمة، وجموح الريح وسكينة العاصفة، وغضب الفرح، وغصة الحلم، وانكسار الرمح وتمرد المؤمن وثورة المهزوم. فيه كل ما تريده للبطل من مزايا ولكنه يصر على خلق البطل في سواه. فيه عنفوان الفتى وهدأة المحارب. إنه الرمز للحياة تكسر الموت وللعقل يهزم الخرافة. تظنه جماعة وهو الواحد الذي لا يحتمل أن يكون إلا واحداً ولو وحيداً وقف أو مضى في دروب التحدي.

هل كنت أقول غسان تويني. هل نسيت لقبه الأحلى (الأستاذ) لم أفعل ولكنني احتفظت به عنواناً لكلمتي عنه في الكتاب التكريمي الذي نصدره له في القريب.

غسان تويني: أيها الأستاذ لك الحياة، وبمثلك ولمثلك يطلع (النهار) ويبقى.

* أديبة وشاعرة - الكويت


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة