Culture Magazine Tuesday  04/03/2008 G Issue 237
عدد خاص
الثلاثاء 26 ,صفر 1429   العدد  237
 

خواطر مع ديك النهار
عمر أميرالاي

 

 

لم يتسنّ لي مع الأسف التعرّف على شخص الأستاذ غسّان تويني معرفة جيّدة من قبل، ما خلا بعض اللقاءات العابرة التي كان آخرها وأطولها على ما أذكر هو ذلك اللقاء المؤثّر الذي جمع في بيت سمير قصير عائلته وأصدقاءه ومعارفه بعد تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير.

وكنت أتمنّى بالفعل لو أنّ صداقةً ما، أو معرفة وطيدة ما، جمعتني به من قبل، كي أبيح لنفسي التّحدث عنه بالأريحيّة والدقّة ورفع الكلفة التي تيسّر للمرء عادةً مهمّة ومسئولية الكتابة عن شخص يعرفه. فقامة بحجم ومكانة رجل من كبار رجالات الصحافة العربية كغسّان تويني، تحتاج برأيي إلى مقاربة ومعرفة أدقّ وأعمق بتاريخ وسيرة هذه الشخصية، بما فيها طباعه وخصاله، وهي جوانب لم تُتح لي مع الأسف فرصة الإلمام بها من قبل.

لذلك سأكتفي بخاطرتين حول الموضوع.

- 1 -

عَرِفتُ جريدة النّهار في عهد الانفصال، مطلع الستينيّات، في فترة كنت مولعاً فيها برسم الكاريكاتور، ممارساً له في إحدى مجلات دمشق الأسبوعية. في ذلك الوقت، وبينما كانت سورية منشغلة بلملمة ذيول حقبتها الناصرية غير المأسوف عليها، معيدة للشام بعضاً من ألقها الديمقراطي العابر الذي عرفته في منتصف خمسينيّات القرن المنصرم، كانت بيروت تعيش أبهى سنوات فورتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، محوّلةً هذه المدينة المشتهاة من قبل المثقفين والفنانين العرب عامّة، والسوريين خاصّة، إلى وجهة الباحثين عن انطلاقتهم الفنيّة الأولى، وإلى واحة الطّامعين باعتراف ما من وسطها الفنّي والنقديّ، وعلى الأخصّ إلى (كولورادو) للطامحين إلى استهبال فرصة عمل ما في أيّ مجال من مجالات الثقافة والفنون فيها، علها تؤمّن لهم، ولو إلى حين، بعض أسباب العيش والإقامة في مدينة السراب هذه التي فيها كان يُكرم المبدع العربيّ المغامر أو يُهان...

كان اهتمامي بجريدة النهار منصبّاً في الواقع وبشكل أساسيّ على صفحتها الأخيرة، وبالتحديد على تلك المساحة المستطيلة التي كان رسّام النهار بيار صادق يحتلها (عن غير جدارة) بحسب رأيي المدّعي في تلك الأيّام، معتبراً أنّني كنت أملك من الموهبة والصّنعة ما يجعلانني أحقّ منه بتلك المساحة المغتصبة. لذلك، وإمعاناً منّي في ادّعاء ما لم يكن ادّعاءً كلّه، سعيت إلى إيصال بعض رسومي الكاريكاتورية عن السياسة والسياسيّين في لبنان والعالم العربي إلى مسئولي الصحيفة الغرّاء عن طريق قريب لي من محرري الجريدة المرموقين في ذلك الحين، ولكن من دون نتيجة. ومنذ تلك اللحظة أعلنت حقدي الأسود على هذه الصحيفة، وقاطعتها حتى منتصف الثمانينيات حيث ازداد غلّي عليها أكثر بسبب ملحقها (النهار الدّولي) الصّادر في باريس، ذو التوجّه اليميني المتهوّر في تلك الفترة. وقد بقيت على موقفي السلبي هذا من الصحيفة إلى حين استلام الصديق إلياس خوري رئاسة تحرير ملحقها الثقافي الأسبوعي في منتصف التسعينيات، وفتحه باب صفحاته مشرعاً أمام الأقلام السوريّة، ثمّ ما لبثت علاقة الثقة هذه بجريدة النهار أن تعزّزت أكثر وتوطّدت مع انتقال الصديق العزيز سمير قصير للعمل فيها فيما بعد.

واليوم الكلّ يذكر كيف تحوّل ملحق النهار الثقافي على مدى سنوات إلى ما يشبه خطّ الدفاع الإعلاميّ الأوّل عن قضية كفاح الشعب السوري ونخبه من أجل الحريّة والديمقراطية، بانفراده في نشر معظم كتابات المثقفين السوريين ممّن مهّدوا وقادوا الحراك المدني والثقافي في بلدهم، وأخيراً كيف تمخّض عن هذه التجربة الفريدة من الحوار والتبادل الفكريّ بين نخب البلدين إحدى أهمّ ثمار العمل المشترك بينهما برأيي، وهو التسليم بحتمية ارتباط قضية تحقيق حريّة وسيادة واستقلال لبنان بتطوّر ونموّ العمل الديمقراطي والتحرّري في البلد الشقيق.

- 2 -

في معجم العرب، الغَسّان هو حدّة الشباب، والغَسّانيّ هو الجميل جدّاً، والقول (إنّي من غسّانه) يعني إنّي من رجاله. وكلّها أوصاف تليق بحاملها، شيخ الكلمة الحرّة في دنيا الصحافة العربية المستقلة منذ نصف قرن أو يزيد، الأستاذ غسّان التويني، أمدّ الإباء والنضال والقلم بعمره.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة