Culture Magazine Tuesday  04/03/2008 G Issue 237
عدد خاص
الثلاثاء 26 ,صفر 1429   العدد  237
 

الخِسارات تجدّد نشاط حكيم لبناني
وفاة ولده تعيد صحفياً بارزاً في الثمانين إلى معمعان المعركة
أنطوني شديد*

 

 

حين عاد غسان تويني إلى البرلمان ليشغل مقعداً سبق له أن شغله خلال الحرب الكورية وقف أمام النواب الصامتين وجدّد نداءً قلّما سُمِع في لبنان.

(أنا أدعو لأن تُدْفَن مع جبران الأحقاد كلها والكلام الخلافيّ كلّه)، هكذا أعلن، بشعره الأشيب الكثيف المُسرّح إلى الخلف إنما المشاغب قليلاً.

كانت كلماته مقتضبة، وتكاد أن تكون آليةً، لكنها تشير إلى شيء يتعلق به، يتعلق بشعبه وبالمستقبل الغائم لواحدٍ من أصغر بلدان العالم العربي، وأشدّها حرية وبيزنطية.

يبلغ تويني من العمر ثمانين عاماً، وهو أبرز صحفي لبناني فضلاً عن كونه دبلوماسياً محنّكاً ومثقّفاً محترماً لم تستطع الأقدار المتواصلة أن تهزم إيمانه قطّ. فقد سبق لتويني أن خسر زوجته وابنته بسبب السرطان، وابنه في حادث سيارة، وابنه الأخير الصحفي والسياسي جبران تويني الذي اغتيل بتفجير سيارته في كانون الأول. وأَنَفَةُ تويني وكرامته نادراً ما تتيح له أن يفصح عن آلامه غير أنه كان لمعاناته وسمعته أن تضعاه بعيداً بعض الشيء عن ميدان المعركة في بلدٍ لا يتحدّد بفكرة المواطنة بقدر ما يتحدد بطوائفه المنقسمة. وها هو يلحّ في غسقه الأخير، أنّ له دوراً آخر يلعبه بينما يتجاذب لبنان وعد الخلاص الذي تأخر طويلاً من النفوذ الأجنبي وحمأة الولاءات المتنازعة.

(أجل، أعتقد أن بمقدوري أن أخلق تياراً)، قال تويني بينما كان سائقه يجول بنا في حارات امتلأت شوارعها بالحصى والرمل، واتشحت جدرانها بملصقات المسلمين الشيعة، وراياتهم ورموزهم الدينية. (إن ذلك يثير لديّ أشدّ القلق والانزعاج، ولعلّي أخبط رأسي بجدار). وتوقف وهو يتطلع عبر واقية السيارة. (لكن ذلك ربما يشكّل خرقاً. لا أعلم، عليّ أن أحاول. عليّ أن أحاول بقوة).

إنّه يرى في لبنان اليوم جمعاً من القبائل تحدّد كلّ قبيلة منها ذاكرتها الجمعيّة. وما يريده تويني هو وطن لمواطنين، دولة تغدو وطناً يستمدّ قوّته من تنوّعه.

وعودة تويني إلى الحياة السياسية ليست مجرّد فصل من سيرة رجل، فهو بالنسبة لبعضهم أشبه بالرمز، رجلٌ يتعالى تاريخه على الشجارات الطائفية التي شلّت لبنان في حينها، لبنان المنقسم بين ثماني عشرة جماعة إثنية ودينية وتلقي عليه بظلالها حربٌ أهلية دامت خمسة عشر عاماً دون حلّ، ولا يزال عرضةً لمكائد جارته سوريا.

وهو يمثّل بالنسبة لبعضهم الآخر، شخصاً من الماضي لم يعد يصلح لنظام غالباً ما تُستَمدّ فيه السلطة لا من الأفكار أو البرامج أو حتى الإيديولوجيا، بل من لون الراية الدينية، وبذلك يغدو تويني من طراز بَطُلَ استعماله.

(لبنان لا يزال يقارع القضايا الأساسية ذاتها، فكيف لنا أن نُعنى بمسألة المواطنة، والهوية، وإصلاح النظام السياسي)، هذا ما قاله نواف سلام، القانوني والأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت. (أحسبُ أن بمقدوره حقاً أن يلعب دور البنّاء الجامع قد يكون هذا تفكيراً قائماً على الرغبات، لكنّ هذا الدور هو الدور الذي أراه يلعبه).

وتويني يرى في ذلك الدور أمراً ملحّاً حتى ولو كان الوقت قصيراً لا يسمح. (فالبلد يعيش حالة صراع بين عقائد متزمّتة)، يقول تويني. (ليس لبنان وحده، فلبنان كونٌ صغير. لبنان كونٌ صغير. وهو مُختبَرُ حوارٍ بين المسيحيين والمسلمين، وإذا ما فشلت هنا، فسوف تفشل في أي مكان آخر).

الصحافي والسياسي:

يقدّر غسان تويني أنه نشر أكثر من خمسة آلاف افتتاحية خلال مسيرة تبلغ ما يقارب الستين عاماً في النهار، الصحيفة الأكثر هيبة في لبنان، وكان قد أسّس هذه الصحيفة، عام 1933م والده، جبران تويني القومي العربي في زمنٍ كانت فيه القومية إيديولوجيا تقدّمية، ملتزمة بقيم التنوير، ومناهضة للطغيان، وملتزمة بحقوق النساء والأقليات، وبإحياء ثقافة عربية راكدة راحت تنهض من سُبات قرون في ظلّ إمبراطورية عثمانية.

ولقد ورث غسان تويني الصحيفة وكثيراً من أفكار والده الذي توفي في العام 1947م. وقد دخل المعترك السياسي وهو بعد فتى يافع، فدخل البرلمان في العام 1951م، حيث أسهم في قيادة حملة لعزل رئيس لبنان، كما عُيِّن سفيراً للبنان في الأمم المتحدة خلال بعض من أسوأ سنوات الحرب الأهلية بين 1975 و1990م، وعمل مستشاراً للرئيس اللبناني حين وقّع لبنان اتفاقية 1983م المشؤومة مع إسرائيل التي كانت قد غزت لبنان قبل ذلك بعام، غير أنه ربما يكون قد ترك بَصمته الأبقى على الصحافة، إذ عمل على تكريس النهار كواحدة من أشدّ الصحف استقلالاً في العالم العربي.

ولقد ساقته مهنته كصحفي إلى السجن، أربع مرات أو خمس، كما يتذكّر، مع أنه ينسى الرقم الدقيق. وهو لا يزال يشعر بفخار يشوبه الحزن إذ يمرّ بالصفحات الأولى التي تزيّن جدران مبنى الصحيفة: (أشعر أنني كنت أكتب أفضل مما أكتب الآن). وخلال ساعات العمل اليومية الستّ عشرة، لا يتوقف عن التردّد على غرفة الأخبار مثل مراسل، طارحاً على فريق العمل أسئلته عن الخبر الأساسي وعن بقية الأخبار المهمة. أما اجتماعات هيئة التحرير فهي أشبه بصالون ثقافي منها بمكتب يملؤه الغضب لتأخّر المواد: وفي أحد الاجتماعات كان الموضوع الذي سيطر على الحوار هو التقاطع ما بين الإسلام السياسي والديمقراطية.

(لا تستطيع أن تدير صحيفة كما تدير جيشاً أو مصنعاً)، يقول تويني. (عشرة أعمدة لا يمكن أن تكون كعشرة أزواج من الأحذية).

وتويني لبناني، وغالباً ما يكون في ذلك نوع من الشيفرة التي تريد أن تلغي الهويات التي تضرب بجذورها في العائلة والعشيرة والبلدة، والطائفة. مما يمكن في بعض الأحيان أن يتكشّف ما إن يلفظ المرء حرفاً واحداً من الأبجدية العربية، وتويني من الروم الأرثوذكس، تلك الطائفة المسيحية التي تمدّ بجذورها في سوريا، الأردن، وفلسطين، تلك الجذور التي عملت تاريخياً كجسر بين موارنة لبنان الكاثوليك الأكثر عدداً وطوائفه المسلمة، وهو يعتبر نفسه عربياً؛ فثمة جزء من الإسلام، كما قال مرّة، لدى كلّ مسيحي في الشرق الأوسط، وهو وطنيٌّ لبناني عنيد، لكنه يرى تاريخاً، وثقافة، وهوية تتقاسمها سورية مع لبنان.

ويقول صديق عمره، جورج خضر، مطران الروم الأرثوذكس في جبل لبنان، إنه يصف تويني على النحو الذي يعرّف به نفسه بنوع من الصيغة المعقّدة: (بيزنطي - سوري ذو إرثٍ عربي وولاء لبناني).

ومشاغل تويني متعدّدة ومقتبسة من مصادر شتّى، فعلى رفوفه مجلّدات من كتابات الإمام علي ابن عمّ النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» وصهره، تلك الكتابات التي تُعتَبر نموذجاً يُحتذى في اللغة العربية، شأنها شأن خُطب شيشرون بالنسبة للغة اللاتينية. ومن بين الكتب الأخرى التي تتنازع المكان: (يسوع المسلم)، (النبي) لجبران خليل جبران، وأعمال أدونيس، وهو واحد من أعظم الشعراء العرب الأحياء. وهو عادةً ما يقتبس من إيمانويل كانط في خُطبه، تلك الخُطب التي تنزلق بيسر بين الفرنسية، والإنكليزية، والعربية.

أما أحاديثه فغالباً ما تشطّ وتتنقّل من موضوع إلى آخر، بسبب العمر أو الاهتمام: تأثير الفينيقيين القدماء، مثلاً، على اللهجة اللبنانية الحديثة في مدينة طرابلس شمال لبنان. غير أنّ افتتاحياته التي تظهر كلّ أحد في النهار والتي تكون مريرة ولاذعةً في بعض الأحيان، لا تزال تحتفظ بحدّتها، وهذا ما يبدو لأصدقائه كواحدةٍ من ميزاته النوعية: مقاتل كوسموبوليتاني، مع أن هذه الصورة راحت تخبو مؤخراً منذ عام حين دفع ابنه جبران، 48 عاماً، النهار في وجهة خاصة.

(إنه شخص منفتح، لكنه ليس بالشخص الناعم)، يقول أحمد بيضون، عالم الاجتماع في الجامعة اللبنانية. (وفوق كلّ ذلك، وفي بلد حيث السياسة أبعد ما تكون عن الصقل فإن غسان رجل مصقول، وهذا مهمّ جداً حين تجد نفسك وسط لغة بدائية، وهويات بدائية وسلوك بدائي في السياسة اللبنانية).

الخسارة والتجدد:

عودة تويني إلى الحياة السياسية اللبنانية هذا العام هي عودة وليدة مأساة.

ففي 12 كانون الثاني، قُتِل جبران، المُسمَّى على اسم والد غسان. فقد وُضِعت في سيارته متفجرات تزن ثمانية وثمانين باونداً من ال(ت ن ت) وأُلقيَ باللائمة على سوريا في ذلك الحادث.

وجبران كان آخر ولد باقٍ على قيد الحياة من أولاد غسان تويني، فقد فقد ابنته نايلة وهي بعد في السابعة من عمرها بسبب السرطان ذلك المرض الذي قتل بعد ذلك زوجته، الشاعرة ناديا تويني. أما ابنه مكرم، والذي سمي على اسم زعيم مصري، فقد قُتِل في حادث سيارة في فرنسا عام 1987م.

وفي تشييع جبران ألقى غسان خطبة بالمعزين قال أصدقاؤه أنها غير مسبوقة.

(لا أدعو اليوم إلى انتقام، ولا إلى حقد، ولا إلى دم. أدعو إلى أن ندفن مع جبران الأحقاد كلها والكلام الخلافي كله)، وأضاف (أدعو اللبنانيين جميعاً مسيحيين ومسلمين لأن يكونوا واحداً في خدمة لبنان الوطن العظيم، وفي خدمة قضيته العربية).

ولقد تردّدت هذه الكلمات في أرجاء لبنان، فها هنا دعوة تختلف عن دعوات الانتقام المعتادة. وخلال أيام برز تويني من جديد شخصاً يأمل كثير من اللبنانيين أنه يمكن أن يخطّ سبيلاً بعيداً عن السياسة الطائفية، كما باشر عمله في النهار بدلاً من ابنه وراح يديرها دون أن يعيقه عن ذلك موقعه في البرلمان، وقد شارك هذا الأسبوع في الحوار الوطني، وهو الحوار الأرفع بين الاتجاهات السياسية اللبنانية منذ الحرب الأهلية، وكان من بين معجبيه آية الله محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي الكبير في لبنان.

يقول عنه سمير خلف، عالم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت: (هذا رجل يغمره الحزن ويجد لحظة للقول: (كفى)، وهذا بالفعل ما يحبّبه لكثيرين. إنّ مثل هذا الشخص لنادر المثال في ثقافتنا السياسية).

وعلى مكتب تويني ثمة إطار على وجهه الأول صورة زوجته أيام صباها، جالسة إلى مكتب تكتب، وعلى وجهه الآخر صورة لها قبل وفاتها عام 1983م. وفي كل يوم، يقلب تويني هذا الإطار. بحسب مزاجه.

مكتبها في البيت، كما كان عليه حين توفيت، يقول تويني، وهو يُنار كل ليلة. ومكتب جبران في النهار لم يُمسّ، ويسترجع غسان موت ابنه الآخر الذي تستقر صورته خلف مكتبه، فبعد الحادث بقي مكرم في حالة سبات عشرين يوماً. يقول تويني: (كنتُ أكلمه، ولا أعلم إن كان يسمعني. كان ينظر إليّ، ولا أعلم إن كان يراني).

(لا أستطيع أن أحتمل كل هذه الخسارة)، يقول غسان وهو جالس في مكتبه في الصحيفة.

(لقد بنيت لنفسي عالماً حيث لا يزال الموتى أحياء معنا، كما أحسب، خاصة ناديا).

(أحسب....) تتسارع أنفاسه، ويخلد إلى الصمت، ويطأطئ رأسه.

(لقد قرّرت أن أصبح رجلين اثنين: الرجل الذي أتكلم عنه والرجل الذي يتكلم).

في الليلة التي قُتِل فيها جبران، قال تويني للصحفيين الباكين في غرفة الأخبار: (ليس هذا وقت الدموع، بل وقت العمل، فليعمل الجميع. يجب أن تكون النهار في منافذ البيع غداً). وبعدها راح ينظر في العناوين الرئيسة المقترحة لعدد اليوم التالي، وقد حسب أنّ من الغباء تقديم وصف عادي لحادث تفجير سيارة. ولذلك أملى عنواناً رئيساً جديداً: (جبران لم يمتْ، والنهار مستمرة).

ثم غادر الجريدة.

(انتصارات مستحيلة):

بيروت مدينةُ منظوراتٍ مختلفة. وسطها التجاري يرتفع عن سطح البحر، في رؤيةٍ للحداثة متهوّرة تقف مثالاً على حداثة الساحل الكوسموبوليتانية. معظم بقية المدينة ينزلق من الجبال، وقد ورث خلافات عريقة، هناك تجد السياسة، وقد شكّلتها قرون من الصفقات بين الطوائف، مما جلب مراحل طويلة من الاستقرار وانفجارات متقطعة للمذابح.

ومنذ يوم قريب، أبحر تويني في العالمين. بدأ يوم عمله عند الظهر باجتماع للموظفين المحليين من المنطقة التي يمثّلها، وقد وصف هذا الاجتماع بأنه (فولكلوري). وتلا ذلك تعزية بوفاة نائب في البرلمان. وهناك كان أن تقاطع مزاج البلد مع رغبته التي تكاد أن تكون يائسة في بديل للسياسة المعتادة.

وبينما كان تويني يدخل الكنيسة في شارع مكتظّ، هُرعت إليه صباح الحاج، الأكاديمية المتقاعدة منذ زمن، والتي تبلغ من العمر تسعة وستين عاماً، وأفلتت عبارتها: (يمكنك أن تلعب دوراً لا يمكن لأحد آخر أن يلعبه).

ابتسم تويني ودخل الكنيسة.

ولقد تصدّر النهار عنوان رئيس يلخّص المزاج السائد اليوم: (اللبنانيون يغرقون في طائفيتهم). لقد اشترى بعضهم عقارات قريبة جداً من الخط الأخضر الذي كان يفصل بيروت الشرقية المسيحية عن بيروت الغربية المسلمة خلال الحرب الأهلية. والسخط على موقف الزعماء الشيعة المناصرين لسورية هو اليوم أعلى نبرة مما كان عليه في يوم آخر.

(ما أخشاه هو ألا نكون قادرين على بناء دولة بكل هذه المذاهب، خاصة أن الجميع يظهرون مثل هذا النفاق)، يقول المطران خضر. (جميعهم يتحدثون عن الوطن، وجميعهم يسعى وراء مصالحه الطائفية).

وإنه لمن الصعب أن نضع تويني في أي من هذه الأصناف، وهذا جزء من دعوته ونداءه، فهو يدعو تسلّط حزب الله ذي الطابع السياسي العسكري على الطائفة الشيعية التي يزعم تمثيلها (إرهاباً فكرياً). وعلى الرغم من كونه مسيحياً، إلا أنه يرفض ميشيل عون، الجنرال السابق الذي برز بوصفه الشخصية المسيحية الأقوى في البلاد، ويصفه بأنه (حالة نفسية).

وتمضي أفكار تويني إلى أعمق: كيف يمكن للمسيحيين، وهم الأقلية في لبنان أن يواصلوا لعب ذلك الدور الذي كفّت الطوائف المسيحية منذ زمن بعيد عن لعبه في أماكن مثل مصر وسوريا. وهو متيّقن من شيء واحد وحيد: هو أن هذا الدور لا يمكن أن يُفرض بالقوة.

(هذه حرب تستحيل فيها الانتصارات)، يقول وهو يدخّن سيجارته الرفيعة، والتحدي الأكبر هو كيف تطلق بلداً أكبر من مجموع أجزائه. وهو في هذا المجال يطرح الأسئلة التي ابتدأ بها حياته السياسية التي حكمت حياة والده: هل ثمة هوية - سواء كانت عربية، أم لبنانية، أم شيئاً جديداً آخر - يمكن أن تتعالى على الانتماءات الدينية التي تميل باتجاه القبلية؟ هل ثمة مفهوم للمواطنة يمكن أن يضمن الحقوق التي لا تضمنها الآن سوى الطائفة التي ينتمي إليها الفرد؟

وهو في الوقت ذاته قلق بشأن ذلك الصنف الاجتماعي والسياسي من الإسلام المسيطر اليوم والذي يعتقد تويني أن عليه أن يصلح ذاته.

(أعتقد أن التحدي يتمثّل بدقة في تكامل هذا البلد على أسس قومية ووطنية.

متفائل؟ ليس بالضرورة، كما يقول. (لكني على الأقل لست باليائس).

الماضي والوعد:

في أول خطاب يلقيه إثر عودته إلى البرلمان، وبعد أن دعا إلى التخلّي عن الأحقاد، قدّم تويني اقتراحاً من غير المعتاد أن يقدّمه مشرّع مسيحيّ: فقد طلب من الحكومة اللبنانية أن تأخذ زمام المبادرة في إطلاق حوار مع حماس، الجماعة الإسلامية التي فازت بأغلبية المقاعد في البرلمان الفلسطيني. فهو يرى فيها إمكانية للبراغماتية كما يقول، والبراغماتية أمر حسن بالنسبة للبنان.

(لعلّه يُصغى إليَّ) قال مقَدَّماً.

والجدال يتواصل حول دور تويني: هل يتراجع إلى الخلف، أم أنه يتقدّم إلى الأمام؟ خضر يعتريه الشكّ، فالمثل التي يدافع عنها تويني قد تبقى، كما يقول، لكنّ زمنه قد ولّى.

(لقد تقدّم به العمر كثيراً. ولا أعتقد أن بمقدوره أن يحدث أي تغيير حقيقيّ).

أما سلام، القانوني، فيتساءل. فبخلاف كثير من زعماء اليوم الذين يتصدّرون السلام الذي وضع حدّاً للحرب، ما من دم يلوّث يدي تويني. وطائفته لم تكن لديها قط أية ميليشيا، وخلال حياته كان خارجياً ولم يكن ذلك الشخص المنتمي. وهو يقف في البرلمان كصوت عنيد، وصحيفته - التي عادت إليه من جديد - إنما تعكس هذه الرؤيا.

إلى الخلف أم إلى الأمام؟

يفكّر سلام في السؤال، ويقول: (هذان الأمران لا يستبعد واحدهما الآخر).

*محرر الشؤون الدولية في صحيفة الواشنطن بوست


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة