Culture Magazine Monday  05/05/2008 G Issue 246
ذاكرة
الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1429   العدد  246
 

معتمد المعارف عبدالعزيز التركي
عبدالله بن أحمد الشباط

 

 

لقد ظل الأستاذ عبدالعزيز التركي يرحمه الله طول حياته يحظى بحب واحترام كل من يتعامل معه، إذ كان خلال تلك الفترة المديدة من العمر مثال النشاط والديناميكية وسرعة الإنجاز يعود له الفضل في نشر المدارس بمختلف مستوياتها على ما يعادل ثلث مساحة المملكة العربية السعودية وهو ما يسمى بالمنطقة الشرقية. انطلاقا من الأحساء والقطيف وامتدادا إلى الحفر والحدود الشمالية، حيث بقيت تلك المدارس شواهد على جهاده الدائم في سبيل نشر العلم وبذله لجميع المواطنين منذ مرحلة الروضة إلى المدارس الثانوية ومحو الأمية أن هذه الشواهد الباقية وإن امحى بعضها فإن رسومها لا تزال ممثلة في عقول وضمائر أبناء هذا الجيل وما سبقه ممن ذاقوا حلاوة التعلم والتعليم ومارسوا العمل التربوي المنطلق على سجيته تلبية لرغبة ولي الأمر وتلبية لحاجات العصر، الذي بدأت تنفتح فيه أزهار المعرفة وتبدو أثار التعطش إلى التعلم والتعليم لتنمية تلك المدارك التي وضعت بذورها في أرض خصبة احتضنت مبادئ العقيدة الصحيحة البعيدة عن زيف الخرافة والتعصب والغلو فجاءت نقية سليمة من شوائب المخالفة وكان للشيخ عبدالعزيز الفضل - بعد الله - في إرساء قواعد التعليم ونشره رأسياً بإيجاد المدرسة الثانوية عام 1367هـ واقفياً بافتتاح المدارس في كل المدن الرئيسية والقرى من الهفوف إلى النعيرية غرباً حيث بلغ عدد المدارس في عهده 65 مدرسة خلال الفترة من عام 1367هـ إلى 1380هـ.

وقد جاء التعريف به في كتاب المدرسة الثانوية بالأحساء لعام 1377هـ عبدالعزيز بن منصور التركي ولد ببلدة الهلالية التابعة لمقاطعة القصيم عام 1337هـ وبها تلقى تعليمه الأولى في الكتاتيب حتى انتقل إلى المدينة المنورة عام 1348هـ وبها تلقى بعض الدروس على أيدي مشايخ الحرم المدني ثم التحق بمدرسة العلوم الشرعية فلما نال قسطاً من العلوم الشرعية التحق بسلك التدريس مدرسا ثم معاونا بالمدرسة الابتدائية في المدينة المنورة مع مواصلة الدراسة في المرحلة الابتدائية حيث حصل على الشهادة الابتدائية عام 1353هـ وقد أغرم منذ شبابه بجمع الكتب حيث تكونت لديه بالمدينة المنورة مكتبة حافلة بالذخائر العلمية والأدبية. وفي إحدى سفراته إلى الطائف التقى بأحد مفتشي مديرية المعارف الذي عرضه عليه وظيفة أكبر في مدينة الهفوف بالأحساء يجد فيها المجال الذي يتناسب مع مواهبه ونشاط وقدرته الإدارية لما عرف عنه من محبة صادقة لنشر العلم والتعليم فعين معاونا لمدرسة الأحساء الابتدائية التي كان يديرها آنذاك الأستاذ عبدالله الخيال منذ عام 1360هـ حيث ولم يبق الأستاذ الخيال بالمدرسة إلا فترة محدودة حيث نقل إلى وزارة الخارجية.

وبعد أن انتقل عبدالله الخيال إلى وزارة الخارجية عام 1362هـ أصبح الشيخ عبدالعزيز التركي مديرا للمدرسة الابتدائية ومعتمدا للمعارف بمقاطعة الأحساء وبعد انتقال كرسي الإمارة عام 1370هـ من الأحساء إلى الدمام انتقلت معتمدية المعارف أسوة بالدوائر الحكومية الأخرى وتحول اسمها إلى مديرية التعليم بالمنطقة الشرقية وأصبح الشيخ عبدالعزيز مديراً للتعليم بالمنطقة الشرقية وظل بهذه الوظيفة حتى 1387هـ حيث نقل إلى وظيفة ملحق تعليمي بالمملكة المتحدة وظل بهذه الوظيفة حتى توفي عام 1410هـ وكان يرحمه الله شخصية فذة الوف محبب لكل من يعرفه يهتم بمنسوبي التعليم ويسهر على راحتهم ويتعامل معهم كأفراد أسرته ويعمل بدأب وإخلاص لتوسيع رقعة التعليم وإنشاء المدارس في جميع أنحاء المنطقة الشرقية وكان في كثير من الأحيان يتولى توصيل المعلمين الجدد إلى مقار أعمالهم على سيارته الخاصة كما كان يحمل فيها الكتب والأدوات المدرسية والمدرسين إلى المناطق النائية التي بعثوا إليها وكانت له يرحمه الله نظرة مستقبلية ومنها استنتج أن التعليم أخذ في التوسع والازدياد ولذلك لا بد من فتح المزيد من المدارس في كل حي وفي كل قرية وهجرة حيث لا توجد بها مبان مؤهلة لتكون مقار للمدارس إلا في النادي فلا بد لمديرية المعارف من تشييد المدارس على أرض مملوكة للدولة فكان يطوف بالأحياء وينظر إلى الأراضي الخالية من الشواغل ولا تعود ملكيتها لأحد من السكان فيضع عليها لوحة تحمل اسم وزارة المعارف ويطلب تسجيلها باسم وزارة المعارف وكان هذا دأبه في الأحساء وقراها. وفي الدمام وتوابعها وفي القطيف والجبيل حيث لم تكن المعارف في حاجة إلى استئجار البيوت أو نزع الملكيات لبناء المدارس إلا في النادر القليل بالنسبة لحجم التعليم ومدى انتشاره السريع خاصة تعليم البنين، أما تعليم البنات فحيث أنه بدأ متأخرا فإنه لم تتيسر له سبل الحصول على الأراضي المناسبة.. الخالية من الشواغل والملكيات الخاصة إلا في المخططات الجديدة أو ما هو خارج النطاق العمراني ومع ذلك استطاعت الرئاسة العامة لتعليم البنات وقبلها وزارة المعارف أن تصل رسالتها إلى أقاصي البلاد وأن تنشر أهدافها بسرعة فائقة حيث شارك تعليم البنات في كل جوائز التفوق العلمي التي أسسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية منذ بداياتها في أغلب المناطق ذات الكثافة السكانية.

ولم تقتصر جهود الأستاذ عبدالعزيز التركي على تعميم التعليم الابتدائي بل بادر بإنفاذ قرار مديرية المعارف العامة برقم (143) تاريخ 18-9-1365هـ بالموافقة على إنشاء قسم ثانوي بالأحساء وانتداب المعلمين اللازمين لهذا القسم وهكذا تأسست بالأحساء أول مدرسة ثانوية في تاريخ المنطقة الشرقية عام 1367هـ.

وكان أول من انتدب للتدريس في مدرسة الأحساء الثانوية هو الأستاذ محمد مختار الزقزوقي من مصر الشقيقة. أما الإشراف الإداري على المدرسة قد أوكل لمعتمد المعارف بالأحساء عبدالعزيز منصور التركي. وفي عام 1368هـ انتدب للمدرسة مدرسان مصريان هما الأستاذ أحمد الأزهري والأستاذ مصطفى عمايمي. وقد بدأت المدرسة الثانوية بفصل واحد، وافتتحت السنة الثانية بالمدرسة في عام 1369هـ بعد أن انضم للمدرسة ثلاثة من المدرسين المصريين، إضافة إلى أحد المدرسين السعوديين لتدريس العلوم الدينية، وأسندت إدارة المدرسة للأستاذ عبدالمحسن بن حمد المنقور وعين الأستاذ عثمان بن عبدالعزيز الأحمد وكيلا للمدرسة وفي عام 1370هـ عين الأستاذ عبدالرحمن إبراهيم الحقيل مراقباً للمدرسة. وقد تطورت المدرسة، حتى وصل عدد فصولها إلى ثلاثة، كما التحق بالعمل بها دفعة جديدة من المدرسين المصريين المنتدبين.

وفي عام 1370هـ تقدم طلاب المدرسة ولأول مرة في تاريخ المنطقة الشرقية لامتحان شهادة الكفاءة المتوسطة وكان عدد الطلاب الناجحين خمسة طلاب.

ورغم مرور فترة زمنية ليست بالقصيرة على افتتاح المدرسة إلا أن الاقبال عليها كان ضعيفا أشار إلى ذلك الدكتور عبدالله السبيعي مما حمل معتمد المعارف بالمنطقة الأستاذ عبدالعزيز التركي على الاتصال بولي العهد (آنذاك) الأمير سعود بن عبدالعزيز وعرض الموضوع عليه والتمس تخصيص مكافأة خاصة لمن يلتحق بالمدرسة. كما تباحث في نفس الموضوع مع مدير مالية الأحساء الأستاذ صالح اسلام الذي وافق على توظيف عشرة من طلاب المدرسة للعمل بالمالية في فترة ما بعد الظهر كموظفين خارج الملاك (ملازمين) يتقاضون أجوراً مقابل ذلك. فكان هذا مما شجع الإقبال على الالتحاق بالمدرسة.

وفي عام 1371هـ تم افتتاح الفصل الرابع بالمدرسة، والتحق به الطلاب الناجحون في شهادة الكفاءة المتوسطة، وانتدب للمدرسة عدد أكبر من المدرسين المصريين. إلا أنه بالنظر لتسرب عدد كبير من طلاب الكفاءة للالتحاق بالوظائف، فإن المدرسة اضطرت إلى عدم فتح الفصل الخامس مما حدا بالعدد القليل الذي نجح من الصف الرابع وهم عبدالله البخيت وسعود الضويحي، ومحمد الباز وفهد الحواس وإبراهيم المنقور، إلى السفر إلى مكة المكرمة وإتمام الدراسة الثانوية بمدرسة تحضير البعثات. وقد أتم هؤلاء الطلاب دراستهم الثانوية سوياً، وسافروا جميعاً في عام 1376-1377هـ في بعثة دراسية إلى مصر، والتحقوا بمختلف الكليات والجامعات المصرية، وكانوا بذلك أول بعثة من أبناء المنطقة يتاح لها إكمال الدراسة الجامعية في الخارج.

والمدرسون الوطنيون بالإضافة إلى المدير والوكيل والمراقب هم الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن الباز والدكتور عبدالله بن علي المبارك عدا من سبقت الإشارة إليهم بالإضافة إلى عدد من المدرسين المنتدبين من مصر.

ومنذ عام 1375هـ بدأت مدرسة الأحساء الثانوية تخرج أفواجاً متتابعة من الطلبة يزداد عددهم عاماً بعد آخر، ولقد كان من الإنصاف أن نتحدث عن المدرسة (الأم) مدرسة الهفوف الابتدائية الأولى التي أصبحت نواة لتلك النهضة التعليمية التي تشهدها الآن إلا أن الأستاذ الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم قد سبقني إلى ذلك حيث أصدر مجلداً ضخماً عنوانه (كانت أشبه بالجامعة) طبع عام 1419هـ-1999م وليس بعدما سطره يراع الدكتور محمد ما يضاف فله فضل السبق والتوثيق والمحافظة على تاريخ تلك المنارة التي أضاءت سماء الأحساء فعم ضوؤها الأرجاء وقد تتابع فتح المدارس الثانوية في المنطقة الشرقية في المدن الرئيسية. فقد افتتحت مدارس الدمام عام 1374هـ. أما ثانوي الجبيل عام 1375هـ - وفي عهد إدارة الأستاذ عبدالعزيز التركي فتحت 6 مدارس لمحو الأمية عام 1375هـ-1377هـ بها 20 فصلا وبلغ عدد طلابها عام 1377هـ 800 طالب والمعلمون 30 معلماً.

ولم يقتصر التعليم المسائي على مدارس محو الأمية بل تعداه ليتيح فرصاً للراغبين في تعلم مبادئ اللغة الإنجليزية، لا سيما في غياب المدارس أو المعاهد الخاصة التي يمكن أن تتيح الفرص لتحقيق رغبة الدارسين في تعلم تلك اللغة. كما أن افتتاح هذا النوع من المدارس كان يساعد الملتحقين بها على التقدم للوظائف التي ينبغي لشاغلها الإلمام باللغة الإنجليزية.

***

وقد أدركت وزارة المعارف بعد قيامها عام 1373هـ، أهمية تطوير برامج التعليم وخططه، والاستجابة لحاجات البلاد ومقتضيات التنمية، وضرورة الإسراع في افتتاح معاهد ومدارس متخصصة تفي بتحقيق الأغراض المنشودة. وكان من أهم برامج الوزارة في تلك الفترة افتتاح معاهد للمعلمين ومدارس صناعية وزراعية، يلتحق بها الطلبة المتخرجون من المرحلة الابتدائية.

ففي مدينة الهفوف وبطلب من الأستاذ عبدالعزيز التركي افتتح في عام 1373هـ معهد المعلمين الابتدائي بهدف تخريج معلمين يقومون بالتدريس في مدارس المرحلة الابتدائية. كما افتتح في العام نفسه معهد مسائي لرفع كفاءة المعلمين القائمين بالتدريس فعلاً ممن تنقصهم الخبرة والدراية. وقد كان الإقبال على الالتحاق بمعهد المعلمين كبيراً، إذ خصصت وزارة المعارف مكافأة شهرية قدرها مئة وخمسون ريالا لكل طالب، وقامت بافتتاح قسم داخلي عندما لم يلتحق بالدراسة في المعهد أحد من خارج مدينة الهفوف، فعملت هذه الإغراءات على زيادة اقبال أبناء قرى الأحساء للالتحاق بالمعهد، رغم أن مستوى خريجي المعهد العلمي لم يكن يؤهلهم للتدريس بجدارة في المدارس الابتدائية، لأنهم كانوا يلتحقون بالمعهد بعد اتمام الدراسة الابتدائية، ثم يقضون به ثلاث سنوات دراسية يتخرجون بعدها كمعلمين للمرحلة الابتدائية براتب قدره 525 ريالاً. ولعل من الطريف أن نشير هنا إلى أن بعض خريجي معهد المعلمين كانوا أصغر سناً من بعض طلاب المرحلة الابتدائية في تلك الفترة.

وكان عدد أول دفعة تخرجت من معهد المعلمين الابتدائي في عام 1377/1378هـ تسعة طلاب، وكان أول مدير للمعهد هو الأستاذ إبراهيم محمد الحسيني.

وفي عام 1377هـ افتتحت في مدينة الهفوف أول مدرسة صناعية حيث تم استئجار مبنى لها في حي القرن. ولاقت تلك المدرسة اقبالاً منقطع النظير حيث كان الكثيرون من أبناء المنطقة يتطلعون إلى التدريب واجادة حرفة معينة كما كان للمكافأة ا لشهرية ووجبة الغذاء المجانية أثر مهم في تشجيع بعض الدارسين على الالتحاق بهذه المدرسة.

أما المدرسة الزراعية فقد تم افتتاحها في مدينة الهفوف في عام 1380هـ ولم يكن لها مقر مستقل بل استخدمت الطابق الثاني من بناية معهد المعلمين الابتدائي. ورغم أن المنطقة ذات بيئة زراعية، ورغم أن الوزارة كانت تعطي مكافأة شهرية (150 ريالاً) لمن يلتحق بهذه المدرسة، إلا أن الاقبال عليها لم يكن بالصورة المتوقعة. ولعل أحد ا لأساب في ذلك يعود إلى عدم وضوح مستقبل خريجي تلك المدرسة، خاصة بعد تعيين أفراد الدفعة الأولى من خريجها، أما في وظائف كتابية، أو كمحضري معامل في المدارس المتوسطة بالمنطقة. وكان اول مدير لها هو الأستاذ سعد ثابت الثابت.

وقد كان للحفلات الثقافية والمسرحية التي كانت تقام بالمبادرات الفردية وجهود المتحمسين لهذا النوع من النشاط في بعض المدارس دور مهم في اجتذاب الناس إلى المدارس، وتوعيتهم ببعض معالم تاريخهم وتراثهم والترفيه عنهم. فقد كانت تلك الحفلات بمثابة مسارح مصغرة، إذ كانت فقراتها تأخذ بلب الحاضرين، لا سيما حيث عرض مشاهد من أمجاد التاريخ الإسلامي والأناشيد، والخطب الحماسية. وكان الاقبال على حضور تلك الحفلات كبيراً لدرجة ان الأماكن المخصصة للمشاهدين كانت تمتلئ آخرها، مما يدفع بالكثيرين إلى اعتلاء سطوح المدارس لتمكنوا من مشاهدة فقرات الحفل.

وكان الاستاذ عبدالعزيز التركي - يرحمه الله - معروفاً بدماثة الأخلاق وكريم النفس واليد ومنذ أن وطأت قدماه أرض الأحساء وهو في تواصل مع الأهالي يزورهم ويزورونه.. مع حسن استقبال وبشاشة، ومد يد العون لمن يحتاج إليه.. وحتى عندما اختير ممثلاً لوزارة المعارف في الخارج، وفي بريطانيا، كان مكتبه ومنزله مفتوحين للوافدين إلى تلك الديار سواءً للدراسة أم للتجارة أم الاستشفاء إلى درجة أنه ما أن يعلم بقدوم طالب علم للدراسة أو مريض للعلاج حتى يبادر باستقباله في المطار وأخذه إن كانت صحته تتحمل الانتظار إلى منزله للقيام بواجب الضيافة وتذليل الصعوبات أمام أي وافد وقد كان طيلة الفترة التي قضاها بالأحساء مدرسة كاملة تضم كريم السجايا وحسن الأخلاق حيث تخرج على يديه أجيال وأجيال من المعلمين والطلبة الذين لا يزالون يذكرون فضله.

وكان لي الشرف بزمالته والعمل تحت إشرافه وإدارته فما أن نلت الشهادة الابتدائية من مدرسة الهفوف الأولى سنة 1369هـ إلا ورايته يقف أمام الطلاب بعد اعلان النتيجة ويدعوهم للانخراط في سلك التدريس حيث الحاجة كانت ماسة لتوظيف الشباب لأن مديرية المعارف أخذه في فتح المزيد من المدارس وتعميمها في كل المدن والقرى والهجر فكنت من السباقين للاستجابة لا لحاجة مادية، بل لأنني كانت لدي رغبة شديدة في تغيير نمط حياتي والخروج عن المألوف، كنت أريد أن أغير المكان واستكشف مواقع أخرى وأرى أناساً وحياة تختلف عما ألفته.

وفي أحد الأيام وبعد أن أبلغنا نحن طلاب الصف السادس بالنجاح حضر الشيخ عبدالعزيز ووقف أمام الطلاب الذين أبدوا رغبتهم في العمل فكان ينادي كل واحد منهم وبخبرة بمقر عمله ولما جاء دوري قال: أنت معين في مدرسة سيهات لكنك ستباشر العمل في الدمام، فأذهب إلى هناك وسوف يصلك خطاب التعيين بالبريد وسوف تبدأ الدراسة في اول محرم ونحن في أول شهر ذي الحجة من عام 1369هـ فأخذت أستعد للسفر إلى الدمام وما أن انتهت مراسم عيد الأضحى حتى توجهت إلى الدمام في احدى سيارات الأجرة التي تنقل ركاب من الأحساء إلى الظهران فنزلت في مجلس الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل مبارك رئيس محكمة الظهران ورئيس المحاكم الشرعية بمقاطعة الظهران وكان مجلسه يرحمه الله عبارة عن مضافة مفتوحة لكل أبناء الأحساء القادمين إلى الظهران والعابرين بها حيث يجدون المأوى والطعام ووسائل النقل تنقلهم إلى وجهاتهم المختلفة قضيت تلك الليلة وفي الصباح ذهبت إلى الدمام ونزلت أمام باب المدرسة الأولى الواقعة بوسط شارع الملك سعود قريباً من بلدية الدمام والتي سميت فيما بعد مدرسة الحسين بن علي فوجدت الأبواب موصدة فسألت المجاورين فقال لي أحدهم أن المسؤول عن المدرسة هو الأستاذ عبدالرزاق بن الشيخ حمد بو بشيت وأخذ بيدي وأوصلني إلى بيت الشيخ حمد وكان الباب مفتوحاً وفي الدهليز وجدت رجلاً مسناً سألته عن الأستاذ عبدالرزاق فقام وناداه في فجاء وسلم علي واحتفى بي وكم كان خجلي من ذلك الرجل الذي لم أحيه بما يليق لأنه هو الشيخ حمد بو بشيت يرحمه الله.

في الصباح ذهبت مع الأستاذ عبدالرزاق إلى المدرسة وفتح الباب وكانت قرب البوابة الخلفية غرفة نظيفة وواسعة، وكانت المدرسة بكاملها حديثة البناء فأخذت مفتاح الغرفة وجهزتها ببعض الأثاث وأقمت فيها في انتظار فتح المدرسة وفي هذه الأثناء جاء إلى المدرسة الزميل سليمان المطلق - يرحمه الله - وكان زميلي في الصف السادس فلم يعجبه الوضع وسافر بعد يومين عائداً إلى الأحساء، وبعد افتتاح المدرسة تقاطر المدرسون للعمل وكانت هيئة المدرسة مكونة من الأستاذ إبراهيم حكيم المكلف بالإدارة، والأستاذ عبدالرزاق بو بشيت، والأستاذ عبدالعزيز المشاري، والشيخ عبدالرحمن السنيدي، والشيخ عبدالله الخليفي، في هذه الفترة زارت المدرسة بعثة جامعة الملك فؤاد وعلى رأسها الأستاذ أمين الخولي والدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) وقد تعجب بعض الزملاء أن رأوا امرأة مسلمة تتكلم العربية سافره الوجه دون غطاء طاف أعضاء البعثة بالفصول ثم غادروا المدرسة دون أن نعي مغزى هذه الزيارة، ثم التحق بالمدرسة فيما بعد الاستاذ عبدالحميد الصديقي والأستاذ عبدالله الرشيد، ومحمد يحيى الأندونيسي، والأستاذ فوزان الحمين والأستاذ سعد البراهيم واثنان من المدرسين المصريين وفي نهاية العام انتقل المدير إبراهيم حكيم إلى المنطقة الغربية واستلم الإدارة الأستاذ عبدالله بن علي المبارك إلى نهاية عام 1371هـ وفي عام 1371هـ حضر إلى المدرسة الشيخ عبدالعزيز التركي يرحمه الله وأبلغني بالذهاب إلى صفوى لفتح المدرسة هناك وفرحت لهذه الثقة ظنا بأنني سأجد مدرسة وطلاباً ومدرسين، ولكن خاب الأمل عندما لم أجد شيئاً من ذلك فتوجهت إلى الأمير سلمان العبدالهادي يرحمه الله وشرحت له الوضع وأنني مكلف بفتح المدرسة فنادى ابنه الأستاذ علي العبدالهادي يرحمه الله وشرحت له الوضع وأنني مكلف بفتح المدرسة فنادى ابنه الأستاذ علي العبدالهادي وأمره بأن يسلمني الغرفتين اللتين بالمجلس الخارجي، فإذا أحداهما حديثة البناء فاتخذتها للصف الدراسي، والأخرى قديمة فجعلت منها سكناً مؤقتاً، وأخذت أطوف بالأهالي وأطلب منهم ارسال الأولاد إلى المدرسة، فجاء عدد قليل لا يزيد عن عشرة، وقد جاء الشيخ عبدالعزيز التركي في زيارة تفقدية إلى المدرسة وأحضر معه سبورة وبعض الطباشير وكتب الصف الأول وبعض الدفاتر، وقال لي مواسياً: تحمل يا ابني فهذه رسالة وعلينا أن نؤديها: ثم غادر وأخذت أتعرف على بعض الشخصيات ومنهم الأخوان محمد وعلي ابنا حسين القريش اللذان قدما لي كل عون بالإضافة إلى الأستاذ علي العبدالهادي وعدد لا تحضرني أسماؤهم وبعد مرور شهر جاء إلى المدرسة الأستاذ الممثل عبدالعزيز الهزاع لكن الحال لم يعجبه فغادر صفوى بعد ثلاثة أيام وفي شهر صفر عام 1372هـ حضر الشيخ محمد المانع مدير المعارف في جولة على مدارس المملكة فاستقبلته وأجلسته على الكرسي الوحيد في المدرسة وأخذ يسألني عن المدرسة فقلت له يا سيدي ما ترى لا ما تسمع فودعني وانصرف، ثم أخذ الطلبة يتسللون من المدرسة حتى لم يبق إلا ثلاثة وأربعة فأغلقت المدرسة وفي هذه الأثناء سلمت إدارة مدرسة القطيف للأستاذ عبدالله بن علي المبارك الذي طلب من الأستاذ التركي نقلي إلى القطيف فنقلت وكان من الزملاء (الأستاذ خالد الشعوان، وخالد الصبغ، وإبراهيم العيسوي والأستاذ يحيى النعمي، وعبيد مبارك، وعيد بن سعي، ويحيى نعيم الطاهر والأستاذ عبدالستار.

وبعد ابتعاث الأستاذ عبدالمبارك إلى مصر سلمت الإدارة للأستاذ راشد العيسوي، إلا أنني قبل انتهاء السنة الدراسية عام 1372هـ تركت المدرسة دون استقالة وذهبت إلى المديرية الدمام وقابلت الشيخ عبدالعزيز يرحمه الله وأبلغته أنني تركت المدرسة ولن أعود للعمل حيث حصلت على راتب أفضل من التدريس إذ وجدت وظيفة راتبها 400 وأربعمائة ريال فقال: أذهب حيث ترى ذلك فائدة ووفقك الله ومع ذلك لم يطو قيدي من المعارف إلا بعد ستة أشهر على أمل عودتي، فلم أعد غير آسف على الوظيفة بل الوظائف كلها.

رحم الله عبدالعزيز التركي وأسكنه فسيح جناته فقد كان نعم الأب ونعم الصديق ونعم الرئيس الذي يحب الجميع ويحبه الجميع.

- .............

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7699» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة