Culture Magazine Monday  05/05/2008 G Issue 246
ذاكرة
الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1429   العدد  246
 

(ديوان أحمد العليف)
د. محمد القسومي

 

 

من الدواوين المخطوطة

لشعراء مكة في القرنين التاسع والعاشر الهجريين:

- 1 -

صاحب هذا الديوان هو الشاعر شهاب الدين أحمد بن الحسين بن محمد العُليف. ولد في مكة سنة 851 هـ، ونشأ فيها، ثم عاش شطراً من حياته في المدينة، لكنه عاد إلى مكة، وتوفي فيها سنة 926 هـ.

- 2 -

يقع هذا الديوان المخطوط في (88 ورقة)(1)، عني بجمعه محمد الحسين السمرقندي. جاء في الورقة الأولى من هذا الديوان: (هذا ديوان يشتمل على ما وجد من شعر العلامة.. أحمد الحسين العليف العدناني الشافعي المدني المكي، وعلى شيء من شعر آبائه وأجداده وأولاده وأحفاده، اعتنى بجمعه العبد الفقير محمد الحسين السمرقندي المكي ثم المدني عفا الله عنهم وغفر لنا ولهم وللمسلمين).

بدأ السمرقندي بمقدمة، قال منها: (هذا ما تيسر جمعه من كلام الشيخ أحمد العليف المذكور حسب الطاقة، حيث لم أقف له على ديوان مشهور، بل تتبعته من عدة مواضع، فلذلك سيأتي بعضه غير متتابع.. وقد وقفت على بعض مدائح نبوية للمؤلف المذكور ولآبائه وأجداده؛ فجعلت ذلك صدر الديوان)(2).

والناظر في الديوان لا يجد أن السمرقندي قد أقحم قصيدة لأي أحد من أجداد العليف، بل افتتح الديوان بمدحة نبوية لصاحبه مكونة من (48 بيتاً)، أعقبها مدحة نبوية لوالده حسين العليف تضم (110 أبيات)(3)، ثم قصيدة نبوية أيضاً لعم صاحب الديوان (علي العليف) أبياتها (39)(4)، فقصيدة لأبي الفضل محمد بن أحمد العليف (ابن الشاعر) مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم عدد أبياتها (32)(5)، تلتها قصيدتان في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب الديوان، لتتوالى بعد ذلك قصائده في الزهد والتحذير من الغفلة في الدنيا، وفي المديح، والغزل، والرثاء، والهجاء، والحنين، والشكوى، والعتاب، والحكمة، والابتهالات، والتأمل.

يتكون الديوان من 91 قصيدة - تتراوح أبياتها بين (7 - 136 بيتاً) - و33 مقطوعة - تتراوح بين (3 - 6 أبيات) - و30 نتفة وثلاثة أبيات يتيمة. وقد بلغت أبيات الديوان (3729 بيتاً).

وهذا الديوان لم يضم كل نتاجه الشعري؛ إذ إن هناك أبياتاً عديدة لم يضمها الديوان، مثل قصيدته في مديح الشريف بركات بن محمد بن بركات التي مطلعها:

العِزُّ تَحْتَ ظِلالِ البِيْضِ والأَسَلِ

يَوْمَ اللقاءِ وسَبْقِ السَّيْفِ لِلْعَذَلِ(6)

حيث وردت في الديوان مشتملة على (85 بيتاً)، لكنها وصلت في سمط النجوم العوالي إلى (148 بيتاً).

ومن ذلك قصيدته التي مطلعها:

عَزِيْزٌ على بَيْتِ النُّبُوَّةِ والْمُلْكِ

مُقَامٌ على ذُلِّ الْمَهانَةِ والفَتْكِ(7)

إذ جاءت في الديوان (75 بيتاً) وفي إتحاف فضلاء الزمن (77 بيتاً).

وكذلك قصيدته:

أرى العِزَّ ما قامَتْ عليهِ الْمَماَلِكُ

وما شَيَّدَتْهُ الْمُرْهَفَاتُ البَوَاتِكُ(8)

حيث إن عدة أبياتها في الديوان (54 بيتاً) وفي سمط النجوم العوالي (74 بيتاً).

- 3 -

وهذه النسخة من الديوان منقولة عن الأصل، تم نسخها في سنة 1000 هـ. وقد ترك كاتبها - وهو لم يذكر اسمه - بياضاً في بعض الأسطر(9)، مشيراً إلى أنه (هكذا في الأصل).

وهو غير دقيق في نقله، فضلاً عن الأخطاء الإملائية والنحوية التي يلحظها القارئ. ومن شواهد عدم دقته استبداله لفظة (فضلاً) بلفظة (فرضاً) في قول الشاعر العليف:

وكَرِيْمٌ يَرى العَوائدَ (فَضْلاً)

إنْ رآها الضَّنِيْنُ بالمالِ نَفْلا(10)

إذ الواضح من البيت أن الشاعر أراد المطابقة بين الفرض والنفل، لكن الناسخ لم يلتفت إلى ذلك، وأثبت لفظة (فضلاً) في هذه النسخة. ومن ذلك زيادة الألف في (ولا أنت) في قول الشاعر:

ولا أنت الكريم نفساً وذاتاً

ولأنت الجواد فرعاً وأصلا(11)

والواضح أن الشاعر قد قال: ولأنت الكريم، بل إن الناسخ لم يلتفت إلى انكسار البيت في هذه الزيادة.

وقد شاع التصحيف والتحريف، وكثرت الأخطاء الإملائية والنحوية؛ فالألف اللينة ترسم ياءً وحقها أن ترسم ألفاً، والضاد تكتب ظاءٌ، وهاء التأنيث (التاء المربوطة) تكتب مفتوحة، ويأتي خبر كان مرفوعاً، كما أن الياء تثبت في الاسم المنقوص المجرور المجرد من أل، وغيرها من الأخطاء التي شوهت صورة الديوان(12). ومن هذه الأخطاء ما يحدث خللاً في وزن الأبيات، كإثبات حرف العلة (الياء) في الفعل المضارع المسبوق بحرف الجزم (لم) في قول العليف:

و(لم يستنير) إلا بِضَوْءِ حُسَامِهِ

ولم يُسْتَشَرْ إلا الرُّدَيْنِيَّةُ السُّمْرُ(13)

إذ إنه لو حذف حرف العلة ليصبح (لم يستنر)؛ لصح لغة واستقام وزناً.

كما أن الناسخ لم يكن حريصاً على كتابة البيت المدور على النهج الصحيح، نجد ذلك في مثل قول الشاعر:

لَمْ يَكُنْ غَيْرَ ما تُرِيْدُ وَلَوْ كانَ

فإنَّ العَزِيْزَ مَنْ لا يُضَامُ

لا يُقِيْمُ الفَتى على الضَّيْمِ ما دامَ

لَهُ الرُّمْحُ خادِماً والْحُسَامُ(14)

إذ إن الكتابة الصحيحة لهذين البيتين تقضي بنقل حرفي النون في (كان) والميم في (ما دام) إلى عجزي البيتين. وأرجح أن كثيراً من الأخطاء العروضية الواردة في هذا الديوان من جراء عدم الدقة في النقل، وليست من الشاعر؛ فهناك - مثلاً - خلل في الوزن في قول الشاعر:

إذا المرءُ لَمْ يَصْبِرْ على الْهَجْرِ والقِلا

(فذاك) في دَعْوى الْمَحَبَّةِ يَكْذِبُ(15)

ويمكن أن يستقيم باستبدال (فذلك) ب(فذاك). ويبدو أن الخلل من النقل عن الأصل.

بل إن هناك ما يخل بالمعنى الذي أراده الشاعر، كقوله:

ويُبْدل بالصَّيفِ (الشِّتا) (تعاقب)

(فهما) أتى ضَحْوٌ أتى بَعْده (قطرُ)(16)

ويبدو أن البيت كما أراد الشاعر:

ويُبْدِلُ بالصَّيْفِ الشِّتاءَ تَعَاقُباً

فمهما أتى ضَحْوٌ أتى بَعْدَهُ ظُهْرُ

هذه بعض الأمثلة على عدم دقة الناسخ وبعض الأخطاء في الإملاء والنحو، وهناك ما يبدو أنه على قاعدتهم في الإملاء - آنذاك - كرسم الهمزة المتطرفة مفردة على السطر في كل الأحوال، مثل: هذا امرُءٌ، كل امرِءٍ، إن امرءً، وعدم إجراء الإعلال في مثل : أؤمن، ورائق، حيث تكتب على الأصل: أؤمن، ورايق، وحذف همزة الممدود كالصحراء والهيجاء، حيث ترسم: الصحرا، الهيجا، حتى وإن أدى ذلك إلى خلل في الوزن، وليس ذلك في الاسم فحسب، بل في الفعل المهموز أيضاً، كقول الشاعر:

فَرْبَّ ابْتِسَامٍ (جا) مِنْ جانِبِ البُكا

ورُبَّ (بُكا) (جا) مِنْ جانِبِ الضَّحْكِ(17)

فصدر البيت لا يستقيم إلا بإثبات همزة (جاء) وعجزه لا يستقيم إلا بإثبات همزتي (بكاء) و(جاء).

(1) رقمه في مكتبة برلين (7931).

(2) ديوان أحمد العليف، ورقة 1 - ب.

(3) المصدر نفسه، ورقة 2 - ب، 5 - أ.

(4) المصدر نفسه، ورقة 5 - أ، 6 - أ.

(5) المصدر نفسه، ورقة 6 - أ، 6 - ب.

(6) انظر: المصدر نفسه، ورقة 35 - ب، 37 - ب، وسمط النجوم العوالي، العصامي 4 - 319 - 325

(7) انظر: المصدر نفسه، ورقة 10-ب، 12-أ، وإتحاف فضلاء الزمن، الطبري 1 - 310 - 316

(8) انظر: المصدر نفسه، ورقة 12-أ، 13-ب، وسمط النجوم العوالي، العصامي 4-306-309، وفيه: ذرى العز...، وبلغت القصيدة كذلك (54 بيتاً) في إتحاف فضلاء الزمن، الطبري 1- 324-328، و(51 بيتاً) في منائح الكرم، السنجاري 3-157-170، كما ذكر ابن فهد مقتطفات منها في غاية المرام 3- 202-206، وقد يلحظ المطلع على القصيدة في هذه المصادر أن ثمة اختلافاً بينها في ترتيب الأبيات وفي بعض الألفاظ، بل إن هناك اختلافاً في عدد من قصائد الشاعر بين الديوان والمصادر الأخرى، قد يكون الاختلاف في رواية بعض الأبيات، أو في عدد أبيات القصيدة.

(9) انظر: ورقة 10-ب، 16-ب، 42-أ، 47-ب، 52-أ، 53-أ، 61-أ، 61-ب، 65-ب، 83-ب.

(10) ديوان أحمد العليف، ورقة 48 -ب.

(11) المصدر نفسه، ورقة 49-أ.

(12) انظر: المصدر نفسه، ورقة 27-ب، 30-أ، 32-ب، 36-أ، 52-أ، 52-ب.

(13) المصدر نفسه، ورقة 16-أ.

(14) المصدر نفسه، ورقة 13-ب.

(15) المصدر نفسه، ورقة 45-ب.

(16) المصدر نفسه، ورقة 55-أ.

(17) المصدر نفسه، ورقة 11-ب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة