Culture Magazine Monday  07/01/2008 G Issue 228
فضاءات
الأثنين 29 ,ذو الحجة 1428   العدد  228
 

القنفذ!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

تسألني يا صاحبي عن السفر والضوء وحكايات المساء، وأنا الآن مشغول بالعصافير واحتمالات المواسم! تفزعني أنباء الزنابق الطازجة تحت أمطار اللهب فلا تمر لحظة إلا ويتكسر في قلبي الزجاج، ويتطاير غبار الصحراء في حلقي!.

لا باس أحاول أن أتذكر.. سافرت للمرة الأولى وفي دمي رائحة الخوف، وأعاصير الشباب يومها.. حذروني من المدن المراوغة وطيور الليل وعلموني كيف أبدأ الحديث عن الجو، وفظاعة الشرق! والإفلات من تفاصيل الأشياء الخطرة!!

ودخلت الدراسة وأغلقت أبوابي وبدأت أحدث الكتب، حتى عرفت أسرار الناس ولغة العيون وبدأت لعبة الحياة. شرعت نوافذي للطيور الأليفة والأسماك الملونة والهواء والشمس المحرقة.

كان المساء يرتعش تحت خيوط المطر، وحين كشفت غطاء السرير فوجئت بقنفذ جميل يتغلغل في طوايا الدفء والبراءة. أخذته بين كفي فسرى نبضه الحار في جسدي وتسلق على أصابعي الحرير، ومنذ تلك اللحظة اكتشفت سر احتفاء هذه المدينة بالقنافذ الصغيرة، إنها العزاء الوحيد في عالم يطارد السراب!!

وعلى غير انتظار. زارني والدي في وقت كنت فيه قد فقدت قنفذي الجميل، لمح على وجهي آثار الوجد والكآبة قلت له: كان لدي قنفذ وديع يؤنسني في هذه الغربة الموحشة، وقد فقدته وربما إلى الأبد.

ضحك والدي من سذاجتي قائلاً: قنفذ؟! أكل هذا الحزن من أجل قنفذ؟! كان والدي على حق! فهو لم يجرب الحياة مع قنفذ أليف في بلاد غريبة كل ما فيها يعض ويخدش حتى النزيف! ولم يعرف أن القنفذ هي المدينة التي في نفسي تعيش دوما وهو الأهل الذين فقدوا الميناء المعطل (والمعقور) وهو أيضاً شجر الطلح الجارح في وادي (أبو قتادة).

ما علينا.. دعني أقول لك: إن أشد ما يؤلمني ما يفعله مستر (غازؤن) التركي.. الذي يزجي بضاعته الفكرية الماسخة إلى مراهقات وطنه للنيل من مجتمعه نكاية ببعض رجاله، إنه أمر لا يطاق، وعلينا الترحم على كل القنافذ في العالم. أمّا ما تفعله من جراح في بني الإنسان فهو بفضل ما تحمله من أشواك رهيبة تدافع بها عن وجودها عندما تحس بالخطر يداهمها إنها أرحم من بعض الأشكال من بني جلدتنا.. أليس كذلك!!؟

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة